المصرية المرشحة لجائزة الصورة الصحفية العالمية: قضيت ساعات مرعبة لإتمام قصتي (حوار)
حوار- شروق غنيم ومحمد مهدي:
كان القلق هائلًا، والفرح ينتظر التدفق دون رجعة، حين نقرت المصورة "هبة خميس" على الإنترنت باحثة عن القائمة القصيرة لجائزة الصورة الصحفية العالمية World Press Photo، لتجد قصتها "الجمال الممنوع" عن ظاهرة كي أثداء فتيات الكاميرون لحمايتهن من الاغتصاب، مُرشحة للجائزة. رعشة سرت بها من السعادة "كلمت ماما أول حد، أطمنها إن دعاها جيه بفايدة" كما تقول هبة خميس لمصراوي.
تلك ليست المرة الأولى التي تتقدم هبة خميس فيها للمسابقة العالمية "السنة اللي فاتت قدمت بنفس المشروع" حينها كانت في طريقها للسفر، ولم تكن تملك كافة بيانات القصة "أسماء البنات والمدن اللي رحتها" لذا كانت الخطوة مجرد إثبات حضور-وفق تعبيرها.
في العام الحالي، كررت التجربة "بس المرادي خدت وقتي في التقديم" شرحت الفكرة وراء القصة، وكيفية تنفيذها، وطريقة اختيار وترتيب الصور، أرسلت كافة البيانات المطلوبة دون تسرع "وحظي كويس، إن المشروع اتنشر في 2017، فقدرت أقدم تاني في المسابقة" كما أرفقته بقصة أخرى عن دعارة اللاجئين الشباب في ألمانيا.
أرادت المصورة الشابة الوصول إلى القائمة القصيرة، لكنها هيئت نفسها للخسارة "عشان متعاشمش على الفاضي"، غير أنها تلقت من إدارة المسابقة إيميل رسمي يطلب أصل الصور للتأكيد من مصداقيتها "فكنت متوترة لأني عارفة إنه ليا فرص".
حين أعلنت إدارة المسابقة عن وصول قصة خميس في القائمة النهائية؛ انهالت التعليقات المُهنئة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لم تكن المصورة المصرية تعلم موعد الإعلان، عرفت من إشارات أصدقائها، قبل أن تهرول ناحية الإيميل لتجد رسالة رسمية بالترشح.
تضمن المصورة المصرية جائزة في المسابقة "بس لسة مش معروف أنا أنهي مركز من التلاتة المرشحين"، تنتظر خميس بشغف يوم إعلان الجوائز، لكنه يأتي محملًا بذكرى ثقيلة على قلبها، إذ يتزامن مع "سنوية أبويا، فمطلوب مني أسيب أمي فى الموقف الصعب ده، بفكر في حكمة ربنا ومش قادرة استوعبها ولا أقرر".
قصة أكبر
القصة المُرشحة للفوز لها قصة أكبر. فهي مشروع تخرج "هبة" من المنحة التي حصلت عليها في معهد "دانش" بالدنمارك. وترجع إلى نهاية عام 2015، حينما تلقت رسالة بقبولها مع 8 أشخاص آخرين في منحة مجانية لتعلم فنون التصوير لـ 6 أشهر، شرط توفير نفقات التأشير والسفر والمعيشة وهو ما يوازي 60 ألف جنيه "مكنتش أملك منهم حاجة".
من أجل جمع الأموال المطلوبة في وقت قياسي، اضطرت إلى العمل في تصوير العقارات "وراسلت 30 مؤسسة بتدي منح، وفضلت في مشاوير بين إسكندرية والقاهرة بس منفعش" فلجأت إلى جمع التبرعات بأحد المواقع على الإنترنت، وبيع "حاجاتي الزايدة عندي" وتقديم محاضرات عن التصوير مقابل 25 جنيها.
في نهاية المطاف، تمكنت "هبة" من جمع مبلغ السفر والإقامة، وفي بداية 2016 وصلت إلى الدنمارك لتبدأ معاناة من نوع آخر "أول 3 شهور كانوا الأصعب وملقتش شغل والبلد غالية جدًا" كانت تذهب إلى المنحة صباحًا، وإلى نادي بولينج لتنظيفه خلال ساعات الليل "ودي حاجة مش خجلانة منها".
كي الأثداء
على مدار المنحة، كان مشروع التخرج يحتل المساحة الأكبر من تفكير المصورة الشابة، اختارت خميس فكرة مخيمات اللاجئين في أوغندا لإنجاز قصة عنها "بس قلبي مكنش رايح للموضوع قوي"، لكن مشاعرها انخلعت حين قرأت خبرًا عن كي أثداء فتيات الكاميرون "عملت بحث ملقيتش حاجات كتير عنه، فالمشروع ده هو اللي اختارني مش أنا".
مكثت المصورة الشابة شهرًا في الكاميرون، تعاونت مع جمعيات خيرية وحقوقية وصحفيين للوصول إلى أكبر عدد من الفتيات "كنت بمشي في الشارع اسأل البياعين والجوامع والكنائس وسافرت قرى كتير".
لكن إقناع الحالات لم يكن سهلًا "سمعت كلمة لأ كتير قوي"، من عثرت عليهم لتصوير قصتها كان عن طريق الجمعيات الحقوقية "لانهم كانوا عاوزين ده يحصل"، فيما استطاعت المصورة الشابة إقناع حالتين للتصوير من القرى.
بذلت خميس كل ما في وسعها حتى تخرج القصة بهذا الشكل "كنت بدفع المواصلات للحالات اللى بتيجي الجمعية"، فيما دفعت ثمنًا لرحلتها حين أُصيبت بالتيفويد رغم حصولها على التطعيمات اللازمة قبل دخول الكاميرون "وخدت وحبوب الملاريا وماكنتش بشرب ماية من الحنفية، بس كنت باكل من الشارع مع الناس علشان يحسوا إني منهم بس بتأكد ان الأكل لمسته النار لقتل أي بكتيريا زي ما نصحني الدكتور في الدنمارك"، لكن ذلك لم يكن كافيًا.
حكايات مرعبة
في آخر 10 أيام في البلدة الإفريقية أصيبت بالمرض، وطلبت تأجيل ميعاد تسليم المشروع، إعياء شديد، قيء وارتفاع كبير في درجة الحرارة، كانت أمارات التيفويد على جسدها الهزيل "في المدرسة كنت نايمة فى الأرض مش قادرة اشتغل من كتر التعب، لما بفتكر التفاصيل دي بعرف أد إيه أنا قوية".
لا تغرب تفاصيل يوم مُرعب عن ذهن خميس "في دليل خدني عند ساحر بيعمل أعمال للبنات عشان تحميهم من الاغتصاب" لكن ذلك الشخص طلب أموالًا من المصورة الشابة نظير الذهاب عنده "وأنا عنيدة إن حد ينصب عليا فمرضيتش وبعدها خوفت يكون عملي عمل".
في ذاك اليوم كانت خميس وحدها مع المترجمة في بلدة تبعد عن العاصمة 6 ساعات، الظلام يُخيم على البلدة الخاوية، حدث ارتباك " الدليل قالي إن مش معاه فلوس فركب معايا أنا والمترجمة، وفي نص السكة وقف الاتوبيس ونزلنا وجاب ناس من طرفه، بس الحمدلله كنا متصلين بناس جم مشونا في تاكسي بسرعة من المكان"، في تلك اللحظات دارت أحلك السيناريوهات في عقل خميس "بس كان لازم أبين إني مش خاية وأماطل لحد ماحد يسعفنا".
تصوير قصة بهذا النوع لم يكن سهلًا، كان على المصورة الشابة اتخاذ حذرها "كنت بحاول أبيّن حب الأمهات لبناتهم وإنهم بيعملوا كدة لحمياتهم مش عشان مجرمين"، فيما حرصت على عدم إظهار عُري الفتيات في الصور "ماعدا صورة واحده والأم بتعمل الكي، كنت بحاول أخلي الحدث نفسه هو اللي ياخد العين أكتر من شكل الجسم، في حين تصوير منطقة الصدر بعلامات الحروق هيبين اللي بيحصل وأضراره".
ما وراء الصور هناك قصص صعبة سمعتها خميس، فتاة تم اغتصابها لمدة 45 دقيقة وحينما لجأت إلى الشرطة لم يصدقها أحد في قريتها، فيما حاولت فتاة الهرب من جدتها وقت كي الثدي "بعتت وراها خالها عشان يجيبها، لكن هو اغتصبها مرتين في الحقل، وبعدين افتكروا إن عندها سرطان وكانو هيستأصلوا الصدر، لكن طلع ورم عادي على آخر لحظة، كنت بنهار جنب حكاية البنت دي ومسكت دموعي بالعافية".
ثِقل الغُربة
لم تكن خميس قادرة على تجربة بهذا الحجم، قبل أن يختمر قلبها في نار الغُربة "عرفت أنا مين بسببها، بقيت أنضج، وقدرت ابني نفسي وده أداني ثقة ووصلني للنجاح في وقت قليل".
لحظات قاسية مرت عليها في غُربتها، منها "فقدت أبويا ومقدرتش ألحق الجنازة" لكنها على أية حال ترى أنها تستطيع في الخارج اقتناص أحلامها بصورة أفضل" لأن في مصر بتعافر عشان تحافظ على أداميتك فطاقتك بتخلص قبل ما تبدع".
كانت تجربة الدنمارك ناجحة بالنسبة لها، اختارت المدرسة مشروع تخرجها من ضمن أربعة مشاريع للمشاركة في مهرجان كوبنهاجن للتصوير، فيما رشحوها في ورشة Joop swart masterclass والتي تعد أكبر ورشه تصوير صحفي على مستوى العالم.
لذا كان ثقيلًا عليها ضرورة العودة بعد فشل إجراءات الفيزا مؤخرًا "اتعرض عليا وظيفة جزئية بس منفعش بسبب الورق، خايفة من الرجوع بس دي إرادة ربنا، هتبع حكمته وأشوف هيحصل إيه".
العودة من الخارج لم تُنهِ أحلام خميس، إذ تسعى حاليًا للعمل على قصة عن المتحولين جنسيًا في مصر، فيما تخطط لقصة أخرى عن اختطاف العرائس في كرجيستان، لكن ما يشغل ذهنها حاليًا هو محاولة نشر قصة عن دعارة الشباب اللاجئين.
فيديو قد يعجبك: