كيف وصلت رخامة "جعل الشباب يقرأون" إلى قبر أحمد خالد توفيق؟
كتبت-إشراق أحمد:
بين قصاصات رثاء كتبها محبو الروائي الطبيب أحمد خالد توفيق، ووضعوها على مدفنه، كانت الورقة التي حملت توقيع "هالة" وكلمات "جعل الشباب يقرأون" الأكثر شهرة، لكن أعلى المرثيات وُضعت "رخامة"، لم تكن موجودة قبل يوم الجمعة المنصرف، حملت اسم الكاتب وتاريخ وفاته، وكلمات الشابة ذاتها، فيما تذيلت بتوقيع "ابنتك هالة.. أبناءك القراء".
لم تكن هالة سوى سببًا في تنفيذ مارك سيمون للافتة الحجرية. لم يستطع الشاب حضور جنازة كاتبه المفضل، فقرر عمل شيء يبقى على سنوات ارتبط فيها بكتابات الراحل، منذ كان في الثانية عشر من عمره.
في صباح اليوم التالي لرحيل "العراب"، استيقظ ابن محافظة الإسكندرية على صور جنازة كاتبه المفضل، والورقة التي تركتها "هالة" على القبر. كانت الكلمات المكتوبة أمنية أحمد خالد توفيق، يعلم مارك ذلك، حال جميع محبي الكاتب الراحل "لما قرأت الورقة وقتها عيطت وصدقت أنه فعلا مات".
أرّقت الورقة الصغيرة منام الشاب لأيام "حسيت أني مش مرتاح، مش عارف اسيب ذكراه وأخليه يمشي من جوايا في حزن".
كأنما وصية أب واجبة النفاذ؛ قرر مارك أن يحول القصاصة الورقية إلى شيء يدوم أكثر، دون أن ينسى حفر اسم "هالة" صاحبة الفكرة، وسرعان ما تواصل مع صديق له يدعى وليد مصطفى، شد الأخير من أزره لتنفيذ ما يفكر فيه، وباتصال مع صديق ثالث تبرع بعمل الرخامة، صارت اللافتة الحجرية جاهزة لمرافقة قبر الأديب، لكن كيف يحدث ذلك؟
لا يعلم مارك أحدًا في طنطا، فقرر أن ينشر صورة الرخامة على جروب لمحبي "الدكتور" لعله يصل لأحد يساعده، وقد حدث، أرسل له شخص من طنطا يدعى محمود العجمي "قالي الرخامة هتبقى تقيلة متجيبني اشيلها معاك". وفي صباح الجمعة المنصرف، سافر ابن الإسكندرية إلى المدينة المحتضنة لمرقد كاتبه المفضل، التقى الشاب المتطوع لمشاركته وضع اللافتة.
وفي مقابر قحافة في طنطا، التقى مارك لأول مرة مع "الدكتور" لكن لم يكن وجهًا لوجه كما تمنى. الندم لاح بنفس الشاب "جتلي الفرصة بس شغلي كان عائق كنت بأجل على طول، كنت متخيل أنه هيفضل موجود للأبد"، ومع ذلك لا يظن أنها كان سيجيد المقابلة "كنت هتلعثم واتكسف زي العيال الصغيرة".
كشك صغير على رصيف ترام الإسكندرية، منه أطل مارك على عالم أحمد خالد توفيق. أمسكت يد طالب الصف الإعدادي لأول مرة بعدد لسلسلة "ما وراء الطبيعة" صدفةً، بينما يقتنى قصة جديدة لسلسلة الرجل المستحيل للكاتب نبيل فاروق، تأثر مارك بكتابة توفيق، صار يقتني الأعداد واحدًا تلو الأخر، ولا يزال يتذكر أسطورة منتصف الليل والجاثوم، والموتى الأحياء "إحساسي ساعتها كان أعلى من أني أدخل محل فيه لعب أو شوكولاته.. كان عالم تاني، تذاكر مقطوعة لأفلام في خيالي".
نهل مارك طفلاً وشاباً من قصص توفيق، تارة يعرف جديدًا عن كهوف تاسيلي في اسطورة "حارس الكهف العدد7"، ويزور اسكتلندا وانجلترا في "وحش لوخ نس العدد 3"، ويدخل عالم الطب، عبر سلسلة "سافاري"، ويتعرف على الأوبئة، وذبابة التسي تسي والإيبولا، الإيذر، ويرتحل إلى إفريقيا حيث الرابط العرقي لمصر.
"كان ليه وزن وثقل وطعم ولون تاني، نوع مختلف عن كل الناس"، هذا ما وجده مارك بكتابات "توفيق" منذ كان طفلاً، ظل ممتنًا لهذا الارتباط، الذي طالما ذكره بجده، مَن كان سببًا في محبته للقراءة.
يعتبر مارك ما فعله جزء من رد الجميل، لشخص صاحبه طيلة حياته، له فضل عليه في الثقافة "كان بيجبرك تحتك بروايات عالمية عن طريق أنك تبقى طرف"، وفي لحظات السعادة "ياما ضحكني علي رفعت وتعبيراته، وسحلية فشلت في التظاهر بأنها بطيخة". صدق خياله عن الفضاء الخارجي "لابد من وجود كائنات أخري فالحياة ستكون مملة جداً دون وجود كائنات أخري"، واعتبر كلمات "توفيق" عن الصداقة كأنما ميثاق "أني اعتبرك صديقي فأنا ائتمنك على جزء من كرامتي".
ود الشاب لو علم "الدكتور" بأن شخصًا ارتبط بكتاباته حد اقتنائها في طبعاتها الأولى، تمنى لو حمل أحد كتبه توقيع له "لو كنت جبتله الأعمال دي كلها يمضيها كان هيزهق مني"، لا يأسى الشاب على ما فات "مليش صورة بتجمعني بيه بس صورته في قلبي". وكانت الرخامة بمثابة عزاء له.
بعدما أتم ابن الإسكندرية مهمته، وقف على قبر كاتبه مودعًا، تأمل ما يقوده له رفيق القراءة رغم رحيله عن الدنيا "هناك اتعرفت على ناس جميلة جدا، شباب زي الورد"، ثم غادره في سكينة بينما يردد "حتى تحترق النجوم يا عراب. عسى أن ألقاك في الجانب الآخر".
فيديو قد يعجبك: