أمام سفارتهم بمصر.. سوريون ينهون أوراقهم غير عابئين بـ"الضربة الغربية"
كتبت- رنا الجميعي:
أمام سفارة سوريا، الواقعة بمنطقة جاردن سيتي، بالقاهرة، جلس خالد سُليمان ينتظر دوره، منذ 20 يومًا جاء ابنه للحياة، وعليه تسجيل اسمه، على مسافة جلس شهاب الدين برفقة والدته، حضر لتجديد جواز سفره، بجوارهما وقف نورالدين مُنتظرًا أباه الذي ينتهي من تسجيل أوراقه. منذ أعوام عدة قدم هؤلاء إلى مصر، اتخذوها وطناً ثانياً، لسنوات تتابعت عليهم أخبار لا حصر لها عن موطنهم الأصلي، صاروا مُحللين للوضع هناك، بما فيه الضربة الغربية الأخيرة، لكنهم لا يأبهون بأثرها.
فجر السبت الماضي شنّت ثلاث دول هي أمريكا وفرنسا وبريطانيا، هجمة جوية على عدة مواقع بسوريا، سُميت الضربة إعلاميًا "العدوان الثلاثي".
انتصف النهار فيما كان سليمان جالسًا على الرصيف في وضع الانتظار، شاب مازال بمقتبل عُمره، إلا أنه يحمل آلامًا كسائر السوريين، منها فيديو مصور على هاتفه لمنزله المتهدم بالغوطة، كما يرافقه قلقه "أنا متأخر على تجديد الإقامة بقالي 4 سنين"، تابع الشاب أنباء الضربة الجوية "ما أثّرت علينا".
يرى سليمان أن وَقْع الضربة صوب أهله بدمشق، حيث تسكن عائلته العاصمة السورية منذ 2013 "وقتها نزل صاروخ ع البيت، راحوا هناك بعيد عن الضرب"، يقول سليمان إن أهله بسبب الضربة عاشوا لحظات مُرعبة "كلمتهم اطمنت عليهم، بيحاولوا ميتكلموش عشان فيه مراقبة"، لكن الضربة لا تقل رُعبًا عن هجمات النظام السوري، بحسب وصفه.
منذ وقت قلّت هجمات النظام السوري، كما يقول سليمان: "خلاص النظام بقى الريف معه، مبقاش فيه ضرب زي الأول"، يتذّكر سليمان أن أهله عاشوا أوقاتَا ناموا فيها على أصوات الصواريخ، كما أن انقطاع الكهرباء قلت عدد ساعاته.
لكن بكل الأحوال يرى سليمان أن الوضع بالعاصمة ليس سهلًا، بعيدًا عن الهجمات فإن تكلفة المعيشة مُرتفعة "لولا أن والدي وإخوتي الاتنين بيشتغلوا بشي صنعة مكنش صرفوا ع البيت"، كما أن التمّييز في المعاملة بين المواطنين واقعة هناك "النظام موفر مدارس ومستشفيات، لكن فيه أولويات إذا واحدة حامل دخلت تولد ودخل عسكريين، الجيش راح يكون له أولوية بالمعالجة".
قدم سليمان للعيش بالقاهرة منذ 2012، اختار العاصمة المصرية لأنها الأقرب لقلبه، حيث عمل بها ثلاثة أعوام قبل الثورة السورية "من 2006 حتى 2009"، بعد ازدياد القصف قرر سليمان المجيء هنا برفقة زوجته وجدته وخالته "اللي رضيوا ييجوا معي".
لازال سليمان يُتابع أخبار بلده، رغم أنه قد مرّ عليه فترة اكتئاب "صحيت بيوم عرفت إن بنت خالي وعيالها ماتوا بالكيماوي في 2013، ناموا مقاموش"، جفاه النوم حينها، لكن سليمان تمكّن من الوقوف مُجددًا، يعيش برفقة أسرته الصغيرة هُنا، كما يحمل ودًا للمصريين، ورغم قلقه من عدم تجديد إقامته لظروفه المادية السيئة، لكن شفتيه تعرفان طريق الابتسام، والرضا بالحال، كل ما يتمناه هو العودة إلى بلده "ولو في خيمة، لكن يستوقفه سؤال "بس هرجع على ايه؟".
على مسافة جلس شهاب الدين برفقة والدته الحلبية، ينتظر دوره في تجديد جواز السفر، حين بدأت الضربة الغربية لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي هي الطريقة التي عرف بها الشاب الخبر، فمنذ ستة أشهر انقطع شهاب عن متابعة أنباء بلده "قفلت كل الصفحات من كتر الأخبار الكاذبة"، ما دفعه إلى ذلك هو تأثّر كفاءته في العمل، يمتلك شهاب أرضًا زراعية يستثمر فيها.
نقلت والدته نبأ الضربة الغربية لشهاب، كما حمّلته بوجهة نظرها "هاي ضجّة إعلامية"، لا ترى السيدة الحلبية أن الهجمة تحمل أية دلالة "سوريا بقت مستنقع، عنّا الروس والأمريكان والفرنسيين وإيران.. بس بيرتبوا أمورهم ويتفقوا ع الكعكة وراح تنتهي وقتها".
تشتاق السيدة إلى حلب كثيرًا، تسرح بخيالها قليلًا "بلدي كانت جنة، كل شي متوفر وأحوال مادية كويسة"، الأمر تدهور كثيرًا منذ خمسة أعوام، جاء الهجوم على جامعة حلب ليضع نهاية لعيشها هناك "بنتي صابها حالة نفسية صعبة بعد وفاة صديقتها بالجامعة"، حينها انتقلت الأسرة إلى العيش بالقاهرة التي يعرفها الوالد بحُكم عمله "وكنا بنيجي فسحة".
اشتدّ الحر ونورالدين كردي ينتظر والده أمام السفارة، يمسح عرقه بينما يقول إن الضربة الجوية هي مسرحية مثّلتها الدُول أمام العالم لامتصاص غضبه "عشان ضربة الكيماوي على دوما"، فيما كانت المواقع التي تم ضربها خالية من المدنيين "ومالهاش أي تأثير على السوريين".
لم يكن رأي أهل نور المتبقين بسوريا مُختلفًا "محدش اتأذى، اتخضوا بس وقت الصواريخ ونزلوا شغلهم عادي الصبح"، لم يتبق لنور في سوريا سوى أسرة خالته، حيث غادر الجميع، قدم نور إلى مصر منذ 2012، فعائلته الكبيرة لها فرع مصري "دا اللي شجّعني آجي هنا"، ورغم خيارات أخرى أوروبية فضّل نور القاهرة "في مصر مفيش مخيمات، وقادر أشتغل، صحابي بأوروبا عايشين ع المساعدات".
فيديو قد يعجبك: