إعلان

من 20 "سندوتش" إلى أربعين مليون وجبة.. رحلة "فارس" لإنقاذ تلاميذ السودان

02:22 م الثلاثاء 22 مايو 2018

كتبت-دعاء الفولي:

في مدرسة بمدينة الخرطوم السودانية، قابل فارس علي طفلة تحمل قارورة داخلها لقيمات جافة، هي زادها طوال اليوم الدراسي. كانت التلميذة حينما يأتي موعد الطعام تُبلل الخبز وتشربه مع الماء، بينما لم يختلف الوضع القاتم في منزلها، فما يكون من جدّة الفتاة إلا إقامة مسابقة يومية بينها وأخواتها؛ أن من يشرب أكبر قدر من المياه هو الرابح؛ فيشبع الصغار، دون أن يأكلوا.

منذ عام 2008، يقابل علي، الناشط السوداني، قصصا مشابهة؛ أطفال توقفوا عن الذهاب للمدرسة ومنشآت تعليمية خوت على عروشها لأن أبنائها لا يجدون قوت يومهم.. حكايات مُخزية عن الجوع وآمال لا تنقطع بتحسّن الأحوال، فما كان من علي إلا أن دشن مبادرة "الغذاء مقابل التعليم"، التي كُبرت مع الوقت، حتى صارت تُغطي احتياجات 135 ألف طفل سوداني، قبل أن يحصل صاحبها منذ أيام على جائزة صناع الأمل، التي ترعاها دولة الإمارات العربية المتحدة.

1

خلال سنوات العمل في المبادرة، لم تكن المشاركة في المسابقة ضمن أهداف الناشط السوداني، لكنه سمع عنها منذ أشهر "أصدقاء لي قالوا قدم ومش هتخسر شيء"، فملأ استمارة التقديم وخاض التجربة.

بين 87 ألف فكرة تنافس أصحابها، تمت التصفية حتى وصلت إلى خمس مبادرات، ورغم أن فائز واحد فقط يحصل في النهاية على مليون درهم لدعم مشروعه، إلا أن ذلك العام، تم اعتبار الخمس مشروعات الأولى فائزة وحصل أصحابها جميعا على المنحة كاملة.

2

تقوم مسابقة "صناع الأمل" على دعم المشروعات الخيرية والتنموية العربية، على أن يقدم أصحابها ما يُثبت أن المبادرة فاعلة ولها دور في مجتمعها.

"المسئولية صارت أكبر بعد الفوز بالجائزة، بقينا مثل للشباب العربي أيضا" يقول علي لمصراوي. يُدرك الناشط السوداني أهمية ما بدأه، يسترجع ما مرّ به من مصاعب، يستعيد كيف غيّرت فيه التجربة، وكيف تطورت لتتحول من عدة أشخاص لتصبح مؤسسة كاملة تُسمى "مجددون"، وتعمل في شراكات مختلفة مع منظمات عالمية، كاليونسيف والاتحاد الأوروبي.

3

معلومة بسيطة وصلت لعلي قبل 10 سنوات، من مُدرس بالخرطوم "قال لي فيه أطفال جوعى عندنا بالمدرسة وما عندهم حق الفطور وبيفقدوا الوعي وما بيقدروا يكملوا يومهم الدراسي"، بشكل سريع اتفق الناشط السوداني مع أحد أصحاب المخابز القريبة من المدرسة "إنه يعطينا يوميا عشرين رغيف خبز"، فيما أحضر علي فول وبيض وصنع الشطائر.

وقتها ظنّ صاحب المؤسسة اقتصار الأزمة على بضعة مدارس "لكن فوجئنا بمديرين بيتصلوا بينا ومدرسين عندهم نفس الأزمة"، لم يتخيل أن الجوع مستشري بين الطلاب، فيما لا يملك أصحاب المدارس شيئا "ما بيقدروا يطعموا الكم ده من الصغار"، أخذ الشاب على عاتقه العمل مع زملائه؛ وضعوا خُطة وخريطة لكل شيء.

4

من الخرطوم كانت البداية "لأنها تحوي فقراء وأغنياء، لنضمن مصادر لتمويل الحملة"، كان شباب المبادرة يخبرون المقتدرين بأسماء المدارس التي تحتاج للطعام "وبنطلب منهم يروحوا يشوفوها حتى يصدقوا"، ومع الوقت اكتسبت الفكرة ثقة الناس، اتسعت مساحتها، لم يلاحق علي ومن معه على متطلبات التلاميذ، حاولت المبادرة تغطية المدارس من الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية، وكذلك من وسط العاصمة وحتى أطرافها.

للطعام شروط، راعاها أهل المبادرة. أدركوا أن تلك الوجبة ربما تكون الوحيدة التي يحصل عليها الطفل طوال يومه "حاولنا ننوعها على مدار الأسبوع"؛ شملت البقوليات بأنواعها، البيض، حلاوة طحينية، مُربّى. سعوا لتوفير أكبر قدر من الفيتامينات، النشويات والبروتينات، وفي الرحلة تأكد علي من أشياء كثيرة "زي إنه التسرب من التعليم في السودان مرتبط بشكل مباشر بعدم وجود طعام للأولاد".

5

لولا أنه سمع ذلك مرارا من داخل وزارة التربية والتعليم، المديرين المختلفين، ومندوبي منظمة اليونيسيف في السودان لما صدّق. أصبح العبء أكبر "بقى كمان أولياء الأمور يكلمونا بخصوص الوجبات، إنه ولادهم مش قادرين يروحوا على المدرسة بسبب الأكل"، رغم ذلك كان هناك شرطا أساسيا لمؤسسة مجددون قبل توفير الوجبات "إننا نضمن استمرارية توزيعها طول العام الدراسي"، فأحيانا ما كان يشعر علي أن "ضهرنا مكشوف" بسبب قلة التبرعات، حتى أنه اضطر هو وزملائه للدفع من جيوبهم الخاصة، وبعضهم باع سيارته لسد الفجوة.

في الطريق، قابل علي الكثير، مر بلحظات من العجز، وأخرى شاهد فيها السعادة على الوجوه؛ كحال التلاميذ إذ يتلقون الوجبات، كلمات الثناء من الآباء، والدعوات الحارّة من الأمهات، وفيما غطت المبادرة وسط الخرطوم، اصطدم الناشط السوداني، بمدارس في الأطراف هزمها الجوع تماما.

سمع علي عن مدرسة في الكيلو 84 شمال الخرطوم، تُسمى "ود الحوري"، ذهب ليستطلع المكان كعادته "لقيناها مقفولة من حوالي تسع سنوات بسبب الفقر الشديد في المنطقة"، اتفق آل المؤسسة مع الوزارة لتوفير الوجبات اليومية للطلاب، وفُتحت المدرسة مرة أخرى.

أكثر من 35 ألف طالب، و123 مدرسة صاروا يعتمدون على "مجددون" يوميا "عدد الوجبات وصلت حتى العام الماضي لأربعين مليون وجبة". يعتبر علي نفسه محظوظا، ليس بسبب الدعم الذي تلقاه فقط، لكن لأنه رأى ثمار ما ظل يزرع على مدار 10 سنوات؛ يذكر أحد المدرسين الذي اتصل به "قال لي انتوا جايين عليا بخسارة"، لم يفهم علي المقصود، ولكن الأول أخبره أن التلاميذ كانوا معظم الوقت خاملين بسبب قلة الطعام، ومع وجود وجبات يومية، صاروا أكثر نشاطا "اتخانقوا ويّا بعض وبقينا عايزين إسعافات أولية".. ضحك صاحب المبادرة كثيرا يومها "قلت له يلعبوا ويتخانقوا أحسن ما يمرضوا".

6

لم يكن العمل في بدايته يسيرا "بعض المديرين اعتبر إن دوره في المدرسة أكاديمي وإنه مش مسئول عن كفاية التلاميذ بدنيا"، لكن رويدا تحسنت الأمور وقوبلت المبادرة بالترحيب؛ حتى أن "مجددون" دشّنت حملات أخرى "زي إنه كل تلميذ مقتدر يجيب معاه سندوتش زيادة لزميله"، فيما انسحب الأمر على المدارس نفسها؛ حيث أنشات بعض المدارس الخاصة صندوق تبرعات لنظيراتها التي تحتاج وجبات.

يعمل في "مجددون"، 32 شخصا، فيما أجرى أصحاب المؤسسة اتفاقا مع الجيش السوداني "متوفر لنا يوميا 100 جندي أو أكثر للمساعدة في توزيع الوجبات". رغم اتساع رقعة العطاء، مازالت المبادرة لا تغطي كافة مدارس السودان "أذكر إن فيه فتاة كانت بتاخد لقمة تأكلها والأخرى تضعها في جيبها"، وعندما وبّخها أحدهم بسبب ذلك "قالت له إن أختها بمدرسة تانية بلا طعام فكانت بتحوش لها أكل".

7

التجربة غيّرت كثيرا في علي "أي شيء بسيط محدش عارف ممكن يساعد الآخرين إزاي بعدين"، لذا يطمح أن تنتشر أكثر لتشمل أماكن أبعد، يتمنّى أن يصبح الناس أكثر دراية بما تحاول المبادرة تقديمه "الصغار دول لهم حق في الصحة والتعليم"، بينما صار الآن أكثر شعورا بالأمان "أموال الجائزة هتساعدنا نكمّل اللي بدأناه ونتوسع".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان