مصر بين "العنوسة" وخطبة الأطفال.. ما السن المناسب للزواج؟
ارشيفية
كتبت - رنا الجميعي:
منذ قرابة الشهر كانت خطبة طفلين من دسوق محلّ جدل واسع، حيث أثار فيديو حفل فارس وسوسن، الطفلين اللذين لم يتعد عُمرهما الخمسة عشر عامًا، لتستكمل سلسلة من حلقات زواج الأطفال المثيرة للجدل.
هُناك جملة تعود لوالدة فارس تقول فيها "كل يوم عندنا في دسوق بيتخطب أكثر من 20 طفل زي فارس، وأصغر منه وده طبيعي عندنا"، كما أكدت الأسرة أن زواجهما لن يتم قبل بلوغ سنهما القانوني.
تخوفات المُجتمع من زواج الطفلين قبل بلوغ السن القانوني، أدّى إلى أن النيابة العامة أخذت إقرار من والد الطفل، علي الخادم، بعدم تزويج ابنه قبل بلوغه السن القانوني، لكن الأمر يفتح تساؤلًات حول الزواج بشكل عام، وهل هناك سن مناسب لمثل ذلك القرار داخل المجتمع المصري؟
"أنا اتاخدت غدر".. هكذا تقول أسماء محمد التي تزوجت في سن السابعة عشر، تتذكر حين حصلت على مجموع ضعيف في الثانوية العامة، وقتها أصرّ والدها على تزويجها "قرر يعاقبني على النتيجة رغم إن عقله متفتح".
تقول الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع، إن الأسر التي تقوم بتزويج أبنائها مُبكرًا "بيكونوا عايزين يفرحوا ويعيشوا بطريقة مش صح، دون إدراك لتوابع الأمور"، وتُضيف أن تزويج الفتيات في سن صغير هي عادة قديمة مُستمرة حتى الآن في بعض المناطق "في نظر الأهل بيكون وصول البنت لسن البلوغ كفيل من وجهة نظرهم للزواج".
أسماء -القاطنى بإحدى قرى محافظة الدقهلية- ظلت 11 عامًا متزوجة، لم يكن وقتها هناك مشكلة قانونية في الزواج بذلك السن، أو وعي بقانون الطفل "أنا طلعت البطاقة عادي واتكتب كتابي أول لما خلصت تالتة ثانوي"، وتم تعديل قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996، إلى القانون رقم 126 لسنة 2008، وفيه ينص على ألا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ 18 سنة.
تتذكر أسماء كيف كان المجتمع من حولها في ذلك الوقت "كل صحابي بيتجوزوا، ومكنش الموضوع غريب زي دلوقت"، حين عرض عليها والدها الأمر، لم تتمكن من الرفض "كنت صغيرة واستسلمت للأمر الواقع"، ورغم أنها تعيش حياة زوجية هنية، ولديها طفل في عُمر التاسعة، لكن لو عاد بها الأمر لما تزوجت في ذلك السن المبكر "أنا مكنتش فاهمة أي حاجة وقتها".
لدى أسماء أخت تصغرها بنحو أربع سنوات، تُشّجعها بكل ما أوتيت من قوة على ضرورة تحقيق ذاتها "هي بتشتغل دلوقت، وأنا بقيت مؤمنة إنها لازم تشوف نفسها وبعدين تفكر في الجواز".
حل الزواج المُبكّر في رأي أستاذ علم الاجتماع يكمن في التوعية، حيث تذكر أن الأعمال الدرامية هي العلاج السحري، مُدللة على أفلام أثّرت في وعي المجتمع المصري أبرزها "أفواه وأرانب"، وتُؤكد على أننا بحاجة لمثل تلك الأعمال مرة أخرى.
إلى جانب الدراما تشدد على ضرورة وجود وعي طبي واجتماعي خاص بمسألة الزواج "معايير الاختيار وأمتى الشخص قرر الزواج، وازاي يختار شريك حياته المناسب".
تُشير الأعراف الدولية والتشريعات القانونية أن ما قبل الثامنة عشر سن مُحرّم فيه الزواج، أما فيما بعد ذلك فلا يُوجد أي عرف يحظر الزواج، لكن السن المناسب يختلف من شخص لآخر، بحسب اعتبارات كثيرة؛ من بينها الظروف التي اتخذوا فيها القرار، المجتمع المحيط بهم من أهل وأصدقاء، وعلاقات الحب بين الطرفين.
في سن الاثنين والعشرين تزوج أحمد سيد، اقترن الشاب بزميلته في الكلية، أحبها وتزوجها، هكذا يسرد الأمر ببساطة. في مُحيط سيد استغرب الأهل والأصدقاء من قراره ذلك، يقول الشاب الذي يسكن بشبين القناطر، بمحافظة القليوبية "أنا كنت مقتنع بقراري، واتجوزت وأنا لسة في الجيش كمان".
قبل الزواج كان السن المناسب في رأي سيد هو ما بعد الـ25 عام، لكن ما إن قابل الشخص المناسب له، لم يتردد، مرّت ست سنوات الآن على زواج الشاب، فيما ترسّخ اعتقاده بأن الزواج يرتبط بـ "هتشيل المسئولية أمتى، وهتبقى أدها ولا لأ".
تستعد سمية كمال لحفل زواجها الذي استقر موعده في شهر مارس القادم، مازالت الشابة في عُمر الـ22، كان في اعتقادها أن السن المناسب للزواج هو الثلاثين، كما يجب أن يكون شريك حياتها أكبر منها في العمر "كنت شايفة إن سن التلاتين ده هو اللي أقدر آخد فيه قرار كبير كدا"، لم تودّ الشابة أن تتخذ قرار الزواج في سن صغير خوفًا من "إني مكونش ناضجة كفاية، أو أكون واقعة تحت ضغط إني لازم أتجوز وخلاص".
كما أنها رأت نسب الطلاق المرتفعة، التي وصلت معدلاتها إلى 198.269 ألف حالة خلال عام 2017، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، تقول سمية "كنت شايفة إن طول الوقت الناس بتتجوز علشان تتجوز، مش عشان لقيت الشخص المناسب".
تشير سمية إلى أن العائلة استغربت قرارها "أهلى نفسهم كانوا متفاجئين إني هاخد الخطوة وأنا عندي 22، هما حابين أتجوز قبل التلاتين بس مش صغير أوي كدا".
تُشير بيانات جهاز المركزي للإحصاء أن العنوسة هي تعدّي سن الزواج المُتعارف عليه، لذا يقوم الجهاز بحساب ذلك فيما فوق الـ35 سنة، لكن الثلاثين في بعض الأوساط المجتمعية هو عمر ليس بالقليل أيضًا، وقبل ذلك السن يزداد الضغط من قِبل الأهل، غير أن نادية كانت على العكس من ذلك.
وبحسب الجهاز المركزي بلغ عدد الإناث اللاتي لم يتزوجن فى الفئة العمرية 35 عاما فأكثر 472 ألف أنثى بنسبة 3.3% من إجمالي عدد الإناث فى تلك الفئة العمرية، وذلك خلال عام 2017.
تزوجت نادية حسن في عمر الثلاثين، كانت أسرة نادية مُعتدلة الرأي، لم تواجه ضغط من قبل والدتها أو أبيها، سوى في بعض المرات فقط، منها بسبب المتقدمين إليها عن طريق ما يُعرف بـ"زواج الصالونات"، واجهت مشاكل معهم، لكنها تمكّنت من إغلاق ذلك الباب للأبد، في رأي نادية أن الزواج ليس له سن بعينه "أنا كنت حابة أعيش حياتي لحد ما ألاقي الشخص المناسب".
وهو ما وجدته حين وصلت إلى الثلاثين، كما أن زوجها أصغر منها بعامين، قبل الزواج كانت الشابة متخوفة من قبوله فارق السن "لكن هو بيحبني ومكنش عنده أي مشكلة".
كان أحمد متولي ضمن النسبة التي أصدرها الجهاز المركزي العام الماضي، للذكور الذين لم يتزوجوا في سن الـ35 فيما فوق، وقد بلغوا 687 ألف ذكر، بنسبة 4.5%، لكنه خرج من تلك النسبة منذ شهور قليلة، حيث تزوج في عمر الـ36.
مسألة الزواج بالنسبة لمتولي كانت تكمن في استقرار أحواله المادية، كان يرى الشاب أن السن المناسب يتراوح بين الـ29 لـ 31، ومنذ عمر الثلاثين بدأ أهله في السؤال عن سبب عزوفه عن الزواج "كنت بقولهم إني مش عايز دلوقت"، لم يودّ إحراجهم أو إشعارهم بالضغط.
في جميع تلك الإجابات لم يكن هُناك سن محدد للزواج، وهو ما تفسره أستاذ علم الاجتماع، بأن السن المناسب للزواج أمر نسبي تمامًا "يتدخل فيه عوامل كتير"، منها العوامل الفسيولوجية "لازم أجهزة المرأة تكتمل عشان تقدر تنجب، كحد أدنى عشرين سنة"، علاوة على النضج العقلي والثقافي والاجتماعي.
فيديو قد يعجبك: