أجرى 36 عملية في 5 أشهر.. كيف قاوم طفل فلسطيني ووالدته "التهاب السحايا"؟
كتبت-دعاء الفولي:
كأن العالم انتهى. ألقى الطبيب الألماني كلماته على آلاء عرابي، قال إن ابنها عبداللطيف صاحب الخمسة أشهر سيموت، كانت الأم وحيدة في الغُربة، تدرس الماجستير دون زوجها وبقية أهلها القاطنين بالقدس، توقف الزمن، كادت أن تستسلم للخسارة "لولا إن الله ربط على قلبي وقررنا نحاول ننقذه.. دخلنا في حرب من العمليات الجراحية".
ظنّت آلاء أحيانا أن كل ما يفعلونه سيذهب سُدى، فقد الصغير قدميه وذراعيه بسبب التهاب السحايا، لكنه يبلغ من العُمر الآن تسع سنوات؛ يُواجه مرضه بتحدٍ، يطمح لغد، يُعلم الآخرين الصبر والتأقلم، يحكي عن تجربته بشتى الطرق بدعم من أسرته.
صفحة بسيطة عبر موقع فيسبوك بعنوان "حدودي السما"، تنشر فيها آلاء وعبود صورا لهما وتفاصيل عن حياة الابن اليومية، جاءت فكرتها من الأم "قناعتنا أنا وزوجي إن ظروف عبداللطيف نعمة ما هي شيء وحش.. كان بدنا نقول للناس إن الأزمات مش نهاية الكون".
في بداية 2011، تم تشخيص الصغير بالتهاب السحايا الذي يصيب المُخ والنخاع الشوكي، وقتها لم يكن في يد الأطباء سوى مطاردة المرض داخل جسم الرضيع "ما صار هناك خيارات سوى بتر الأطراف لحتى نمنع انتشار العدوى زيادة"، خضع الصغير خلال 5 أشهر فقط لـ36 عملية جراحية "كنت انا ووالده نروح ع غرفة العمليات مرتين بالأسبوع"، كانت الأم تسأل نفسها بخوف، متى سينهار طفلها؟.
لا تعرف آلاء كيف واتتها القوة "كنت بحس إنه الله عايش معنا.. بيمد إيده لنا بكل موقف"، تلك القوة هي ما شجعتها وزوجها على رفض عملية أخيرة للصغير، فعقب بتر الأطراف، أخذ الأطباء استراحة شهر ونصف يُنظفون فيها العظام، قبل اكتشافهم وجود بكتيريا في الذراع الأيمن "رفضت أوقع على عملية بتر أخرى.. صرت أقولهم شوفوا حل تاني، بدناش عمليات"، نزولا على رغبتها، تدخلت إحدى الطبيبات الماهرات ببرنامج علاجي مكثف أنقذ الابن، لكن ذلك كان البداية فقط.
لطالما كانت آلاء طبيبة ابنها، تعرف بالضبط مواعيد الأدوية، متى يأكل وكيف وما هي الكميات الصحيحة، لم تكن طفولته عادية "ممنوع عنه كل الإشيا اللي بيحبها الصغار.. لازم نعطيله أشياء صحية فقط وفواكه وخضار.. صار عندي وسواس تجاهه من خوفي عليه لأنه أي غلطة تُفسد كل شيء"، تعلمت الزوجان كيف يكونان الداعم الأول لابنهما "أدركنا إنه عنّا القوة الكافية بس الله أراد تظهر بالوقت المناسب".
لعبد اللطيف هوايات عديدة، تضحك آلاء قائلة "أهمها البلاي ستيشن طبعا"، لكنه يحب الشطرنج، القراءة، السباحة وكرة القدم، يحفظ أسماء لاعبيه المفضلين "على رأسهم محمد صلاح.. نفسه حتى يصير شعره زي مو صلاح"، قررت الأم والأب منذ اليوم الأول ألا يُغلقان الباب على ابنيهما "بيروح ع مدرسة أسوياء وبيعمل واجباته بإيده وبيعيش حياة طبيعية".
رغم ذلك، لم يكن إلحاقه بمدرسة أمرا يسيرا، تعيش الأسرة في القدس الفلسطينية "كتير مدارس قالولي ما بنقدر نساعده وهو محتاج معاملة خاصة"، آلمها ذلك "خاصة إنه عقله بيوزن بلد وأكبر من سنه"، كادت آلاء تفقد الأمل، بحثت كثيرا حتى علمت عن مدرسة موجودة تجمع الأطفال من أعراق وطوائف مختلفة، مازالت تتذكر ارتعاش صوتها وهي تحكي للمديرة عن حالته "فوجئت بها تشكرني إنه ابني هيلتحق بمدرستهم"، ذهب القلق عن الأم بشكل مؤقت، ظلت تفكر في انسجام صغيرها داخل المنشأة التعليمية.
اليوم الأول لدراسة عبداللطيف محفور في ذاكرة آلاء، تتذكر يداها ممسكتان بشدة بمقبض كُرسيه المتحرك، تستعد لإخبار مُدرسيه ببرنامج طعامه على مدار اليوم "كنت مرعوبة إنه نظرات زملائه له توتره لكن اللي صار عكس التوقع".
كان من المفترض أن ينقسم التلاميذ داخل الفصل الواحد لعدة مجموعات يمارسون أنشطة سويا "عبود خطف قلوبهم.. تقاتلوا أصحابه لحتى يكون مع كل المجموعات"، تأقلم الصغير سريعا، حتى أن مُعلميه قرروا إلحاقه مع كل مجموعة فترة بناءً على رغبتهم.
لا تسلم الأم وصغيرها من بعض نظرات الشفقة "بيضلوا يطلعوا عليه لحتى يبدأ يتكلم.. ساعتها بينبهروا هو إديش مفوّه وذكي"، زرعت فيه المواجهة منذ طفولته، تحكي عن المرة الأولى التي تعامل فيها بجرأة بمفرده، كانا يشتريان دواءً من الصيدلية "كنت حاملاه على كتفي لأنه نزلت سريعا وما لحقت أضعه داخل العربة الخاصة به"، وقتها اقتربت فتاة صغيرة منهما، ظلت تطوف حولهما ولا ترفع نظرها عن صاحب الأربع أعوام "بدأ يشكو لي منها.. ماما عم بتطلع في وهادا بيضايقني"، أوشكت الأم أن تعنفها لكنها طلبت منه أن يدافع عن نفسه، لم تكمل جملتها حتى فوجئت به يقول باللغة العبرية "انتي بتضايقيني.. ما تطلعي فيا..روحي لعند أمك"، ذُهلت آلاء من قوة الرد "وبراعته بلغة العدو.. ما كنت أعرف إنه يقدر يقول جُمل طويلة بتلك السهولة".
منذ أشهر قليلة أنشأت آلاء الصفحة، تُديرها رفقة عبود، يتابعان ردود الفعل المُشجعة. أحيانا لم تكن أزمة آلاء الكبرى تعاملها مع وضع ابنها الأكبر، بل تعامل الناس معه "عشان هيك الصفحة كانت مهمة وغيّرت فيا وفيه للأفضل"، صار عبود أكثر تقبلا لنفسه "أحيانا ما بيحب يلبس الأطراف الصناعية.. بيضله هيك وبيكتب وبيلعب كأنه ما في شيء"، تعود عبداللطيف ألا يكون اعتماديا، هو الأخ الأكبر لشقيقين "فيه حاجات هو بيقدر يعملها وإخوته ما بيقدروا والعكس".
تمتلك آلاء وزوجها أكاديمية صغيرة لتعليم اللغات، تمتنّ لوجود عبود في حياتها ولأسرتها، تُجهز مشروعا لصغيرها عبر الصفحة، كي تكون منصة إعلامية يُحفز من خلالها الطفل الآخرين.
تُرتب آلاء الأحداث في عقلها مرارا فلا ترى إلا الخير، تتذكر كيف ساقها القدر لمنحة تعليمية في ألمانيا "رغم إني حاولت كتير في دول تانية وما في حاجة ظبطت إلا ألمانيا"، تستعيد كيف كان سكنها في مدينة سكنية هُناك منقذا لها "أول ما عبود حرارته ارتفعت.. خرجت الشرفة أصرخ وياللي لحقتني طبيبة روسية ولولا الدوا اللي أعطته له كان حاله تدهور كثيرا".
فيديو قد يعجبك: