430 ألف متقدم.. كَم أنْفَقَ الحالمون بالتعيين في التعليم للتعاقد لـ"ترم واحد"؟
كتب- أحمد شعبان ومحمود عبدالرحمن:
- 430 ألف مُتقدم إليكتروني.. 149 ألفا منهم سلموا أوراقهم.. وتكلفة استخراجها 283 جنيهاً
- الوزارة تعاقدت مع 36 ألف معلّم لشهرين.. وأعلنت عن مسابقة ثانية بأوراق جديدة
قبل يومين من نهاية إجازة نصف العام الدراسي، وتحديداً في 7 فبراير2019، بدأ آلاف الخريجين التربويين التقديم على الموقع الإلكتروني لوزارة التربية والتعليم للتعاقد على الوظائف التعليمية، التي أعلنت عنها الوزارة في جميع المديريات التعليمية على مستوى الجمهورية، لسد عجز المعلمين بجميع مراحل التعليم الأساسي (ابتدائي وإعدادي) والتعليم الثانوي(عام ومتخصص). واشترطت الوزارة أن يكون التعاقد مؤقتاً للفصل الدراسي الثاني (الحالي)، الذي بدأ 9 فبراير الماضي ويستمر حتى 4 مايو، لتبدأ بعدها مباشرة امتحانات آخر العام التي تنتهي 30 مايو المُقبل، والتي تعتبرها وزارة التربية والتعليم نهاية الفصل الدراسي الثاني.
وعلى مدار أسبوع تقدّم لهذه الوظائف التعليمية 430 ألف معلم، رغم أن مدة التعاقد المُعلن عنها لا تتجاوز ثلاثة أشهر "مارس وإبريل ومايو" غير قابلة للتجديد أو التعيين، بحسب ما أعلنت الوزارة آنذاك، بينما يقدّر عجز المعلمين الذين تحتاج إليهم الوزارة لسد العجز 68 ألف معلم.
وبعد مرور 10 أيام على فتح باب التقديم الإلكتروني والذي يقتصر على تعبئة استمارة التقديم وإرسالها إلكترونياً، بدأت الإدارات التعليمية على مستوى الجمهورية في استلام أوراق المتقدمين للوظائف وتحديداً من يوم 16 إلى 25 فبراير، لمراجعتها ومطابقتها بالاشتراطات والضوابط التي حددّها الإعلان، ووصل عدد من سلّموا ملفاتهم 149 ألفاً و42 متقدمًا.
تكلفة استخراج الأوراق تختلف حسب كل حالة، ونطاقها الجغرافي. فعلى سبيل المثال، وصلت تكلفة القيد العائلي لدى بعض المتقدّمين إلى 300 جنيه، بحسب عدد الأشقاء ووفاة الأب أو الأم، ووجود بعض الأخطاء في البيانات، والتي تحتاج إلى استيفاء أوراق أخرى لاستخراج القيد، مثل شهادات ميلاد وغيرها للعائلة. كذا تَكلّفة استخراج شهادة الدبلومة التربوية لدى بعض المتقدمين 90 جنيهاً، كذلك تختلف أسعار استخراج الشهادات الصحية من مستشفى إلى آخر، وهكذا.
وهناك بعض الأوراق التي تضمنها الإعلان ولم يتم حساب تكلفتها إما لأنها ليست شرطاً أساسياً من شروط التقديم، منها وثائق تعطي ميزة إضافية للمتقدّم مثل شهادات الماجستير والدكتوراه، والبعض الآخر موجود بالفعل مثل بطاقة الرقم القومي أو شهادة تأدية الخدمة العامة التي تُستخرج مجاناً، وغيرها.
ووفقاً للأرقام الرسمية للمتقدمين التي أعلنتها الوزارة، وتكلفة استخراج الأوراق؛ يمكن تحديد ما أنفقه المصريون على مسابقة العقود المؤقتة بوزارة التربية والتعليم، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأرقام قابلة للزيادة، بسبب غياب بعض الإحصائيات، مثل عدم تحديد نسبة الحاصلين على دبلوم تربوي، ولذلك تم حساب متوسط الإنفاق على استخراج الأوراق الأساسية والتي يلجأ جميع المتقدمين لاستخراجها، ووفقاً للحد الأدنى لتكلفة استخراج هذه الأوراق.
تكلفة استخراج الأوراق تختلف بين متقدّم وآخر، فوفقاً لاستبيان أجراه "مصراوي"، وشارك به 25 متقدّماً، كعينة عشوائية؛ 11 منهم كلفتهم الأوراق 160 جنيهاً، و4 كلفتهم الأوراق 300 جنيه، فيما تكلف 4 آخرين 450 جنيهاً، في حين دفع 6 منهم 550 جنيهاً لاستخراج الأوراق. مع التأكيد على أن التكلفة تزيد أو تقل حسب كل متقدّم وإجراءات استخراج الأوراق، التي من الممكن أن يكون بعضها موجودٌ لدى المتقدّم بالفعل.
عدد المتقدمين بأوراقهم للإدارات التعليمية لا يعبر بدقة عن عدد الذين استخرجوا أوراقًا رسمية من أجل التقديم في مسابقة العقود المؤقتة بالتعليم. ففي استبيان مصراوي، الذي شارك به 25 متقدّماً، لم يتمكن 7 منهم من تسليم أوراقهم التي استخرجوها لعدم تمكّنهم من الحصول علي القيد العائلي لوجود خطأ في البيانات، وتصحيحها استغرق وقتا يتجاوز موعد التقديم، أو لعدم استخراج شهادة تأدية الخدمة العامة. كما أن اثنين منهم استخرجا بعض الأوراق، وقدما إلكترونيًا، ورفضا استكمال باقي الأوراق وتقديمها، بعد تأكّدهما أن فترة العقد لن تتجاوز الشهرين، ولن يكون لها أي ميزة في التعاقدات التي ستعلن عنها الوزارة للعام القادم.
وأنهى 4 من المشاركين في استبيان مصراوي استخراج جميع الأوراق، وذهبوا لتقديم أوراقهم للإدارة التعليمية، وأثناء فحص الأوراق قال الموظف لحالة منهم إن مؤهلها لا يتطابق مع المؤهل المطلوب لشغل الوظيفة التي تتقدم لها رغم حصولها على مؤهل تربوي ودبلوم في رياض الأطفال، لكن مؤهلها الجامعي آداب تخصص فلسفة والمطلوب كان رياض أطفال. والحالات الثلاثة الأخرى استبعدوا بسبب التغيير في محل الإقامة. في حين تم قبول أوراق 12 حالة من العينة العشوائية، واستلم 4 منهم العمل، ولم يحالف الحظ الباقين الذين ينتظرون نتيجة التظلمات.
من أجل التقديم في مسابقة العقود المؤقتة التي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم، تردد عشرات آلاف المتقدمين على عدة جهات حكومية لاستخراج الأوراق المطلوبة، ودفع الرسوم. ونرصد في الإنفوجرافيك التالي ما أنفقه المتقدمون من أجل الحصول على أوراق التقديم، ومتابعة مراحل المسابقة.
يقول الدكتور محمد عمر نائب وزير التعليم، لمصراوي، إن من يتقدم أو يعمل بالوزارة لا بد أن يكون مستوفياً جميع أوراقه، "والوزارة ليست مسؤولة عن عمل كشف طبي على المتقدمين أو غيره، نحن ملتزمون بالقوانين ونطبّق الدستور".
70 ألفا و557 فقط استوفوا الشروط المطلوبة، من بين 149 ألفا و42 تقدّموا بأوراقهم، فيما شكّلت الوزارة لجنة لفحص أوراق المتقدّمين للمسابقة، بدأت عملها في الـ19 من فبراير الماضي، على أن يستمر لمدة أسبوع، عقب ذلك كان مقرراً أن تبدأ الوزارة في إجراء المقابلات والاختبارات، ثم تنظر في التظلّمات، بحيث تنتهي كافة الإجراءات الخاصة بالمسابقة نهاية شهر فبراير الماضي، ليتسلم المتقدمون العمل مع بداية شهر مارس المنتهي "للاستفادة بهم في سد العجز بالمدارس"، بحسب ما قال "عمر"، غير أن ذلك لم يحدث!
فمن ناحية قررت الوزارة مدّ فترة تقديم الأوراق 4 أيام، لإعطاء مهلة للمتقدمين لاستكمال أوراقهم، فبعد أن كان مقرراً أن ينتهي تسليم الأوراق يوم 21 فبراير، حددت الوزارة موعداً آخر للتسليم هو يوم 25 من الشهر نفسه، وأكّدت أن ذلك "لن يعطّل إجراءات فحص مستندات من سلّموا أوراقهم، وسيتم إنجاز العمل وفق الجدول الزمني المُحدد سلفاً"، وهو الأول من مارس.
واقعياً؛ لم يحدث ذلك. فقد استمر تسليم ملفات المسابقة إلى الإدارات حتى الأيام الأولى من شهر مارس، وفق تصريح لنائب وزير التعليم، وفي الرابع من مارس، بدأ إجراء الاختبارات لمن استوفوا الشروط المطلوبة، وذكر كذلك أن هناك اختبارات ستجرى للمتقدمين بعضها في المديريات التعليمية وبعض التخصصات سوف تجرى لها اختبارات مرتين، في المديريات ووزارة التربية والتعليم، واستمرت الامتحانات لمدة 10 أيام.
أعلنت الوزارة يوم السبت الماضي، 6 إبريل، أن العدد النهائي الذي تم قبوله وتوزيعه على المدارس، هو 36 ألف معلم، وهو أقل من العدد الذي أعلنت عنه الوزارة للناجحين في الاختبارات وهو 46 ألفاً و940 معلم، يفسر ذلك المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم لمصراوي، بقوله إن الناجحين ليسوا في تخصص واحد كما أنهم ليسوا في إدارة واحدة، لذا لجأت الوزارة إلى إجراء امتحان آخر للمفاضلة بين المتقدّمين حسب حاجة كل إدارة، وهو ما أكّده ثلاثة من المتقدّمين، الذين شاركوا في استبيان مصراوي، حيث ذكروا أنهم اجتازوا المرحلة الأولى من الاختبارات، ثم أجري لهم اختبار آخر، من أجل المفاضلة بين المتقدمين، حيث زاد عددهم في بعض المحافظات، على حاجة المدارس الفعلية.
ويوضح أنه تم استبعاد عدد من المتقدمين لأن ملفّاتهم لم تكن تتطابق مع التخصصات المتقدمين إليها، مؤكداً إن "الناس اللي استلمت العمل كانت مستوفية أوراقها كاملة، والمستبعدون ورقهم كان غير كامل، وهناك البعض تقدّموا بتظلمات وهيستلموا شغلهم الأيام دي".
وقالت وزارة التعليم: "لن يتسلّم الناجحون العمل إلا بعد إعلان نتيجة الذين يتقدمون للاختبارات والذين تغيبوا عن المرحلة الأولى"، لذا تأخّر استلام المعلمين لوظائفهم "المؤقتّة" إلى أول شهر إبريل الجاري، لتصبح المدّة التي يقضونها في عملهم المؤقت هي شهران فقط، يتقاضى كل معلّم خلالها 2241 جنيهاً. بواقع 1120.50 جنيهاً عن كل شهر، مع عدم استحقاقهم للتعيين أو التجديد، كذلك عدم استحقاقهم لأي مقابل أو مكافآت أخرى مقابل أية أعمال يؤدونها خلال مدة التعاقد، ومنها مكافأة أعمال امتحانات النقل الصادرة بالقرار الوزاري رقم 150لسنه 2005، وذلك حسبما نصّت بنود العقد، وبالتالي يكون كل معلم قد دفع 12.6% من قيمة راتبه خلال الشهرين كتكلفة لاستخراج الأوراق، وفقا للحد الأدنى للتكلفة.
260 مليون جنيه تكلفة العقود المؤقتة، بحسب ما أكد الدكتور طارق شوقي، وزير التعليم، مضيفاً عبر صفحته بموقع "فيسبوك" في 8 فبراير الماضي، أن سبب لجوء الوزارة إلى "العقود المؤقتة" هو وقف التعيينات في الجهاز الإداري للدولة، وعدم توافر موازنة دائمة إذا تمّت الموافقة على التعيين.
المبلغ المذكور كان التكلفة التي حددتها الوزارة للمعلمين المؤقتين، على أن يتقاضى كل منهم راتب 1200 جنيهاً (قبل الخصومات) لمدة ثلاثة أشهر، من فبراير حتى مايو 2019، غير أن الناجحين في المسابقة وقعوا عقودهم في أواخر شهر مارس الماضي، وبدأوا عملهم بالفعل في أول أبريل الجاري، ما يعني أنهم سيتقاضون راتب شهرين فقط، كذلك قالت الوزارة إن لديها عجز 68 ألف معلّم، وبلغ عدد من نجحوا في المسابقة 46 ألفاً و940 شخصاً، استلم منهم العمل 36 ألف معلم، وفي الإنفوجرافيك التالي نوضّح ما تتكلّفه وزارة التعليم لسداد رواتب المعلمين خلال شهرين في مقابل ما تكلّفه المتقدّمون لاستخراج أوراقهم وتسليمها:
رغم أن كل متقدم دفع 283 جنيهاً كحد أدنى لاستخراج أوراقه، مقابل تقاضيه راتبا 2241 جنيهاً لمدة شهرين، دون تعيين أو تجديد؛ ولم يتم التعاقد مع 10 آلاف ممن اجتازوا الاختبارات الأولية، أعلنت وزارة التعليم عن مسابقة جديدة يتم التقدم لها خلال شهري يونيو ويوليو هذا العام، سيصل عدد الوظائف بها إلى 65 ألفا براتب 2000 جنيه لكل معلم، وتشترط أن يكون التقدّم لها بأوراق جديدة "حتى المدرسين الذين نجحوا في المسابقة الحالية، هيقدموا بورق جديد لأن كل مسابقة لها شروطها، ونحن نبحث عن الكفاءة"، على حد قول محمد عمر، نائب وزير التعليم، لمصراوي، فيما يضيف أن هناك أفضلية لمن تقدموا واجتازوا اختبارات مسابقة الفصل الدراسي الثاني، هذا العام.
بدلاً من استمرار الناجحين في المسابقة الحالية، ما يخفف من عجز المعلمين بالمدارس؛ فضّلت وزارة التعليم أن تكون هناك مسابقة جديدة، بشروط جديدة، وأوراق جديدة، واختبارات جديدة، وتكلفة مادية جديدة على المتقدمين، وبينما عاد الأمل من جديد للمستبعدين من مسابقة هذا العام، لا يزال سؤال يؤرقهم: هل تستمر وزارة التعليم في الإعلان عن مسابقات بعقود مؤقتة لتبدو وكأنها تبدأ كل مرة من جديد؟
فيديو قد يعجبك: