منعوه من الإذاعة المدرسية بسبب "نكتة".. حكاية "ستاند أب كوميدي" سوداني في مصر
كتبت-رنا الجميعي:
تصوير-محمود بكار:
لحظة بسيطة كهذه تمحورت حولها حياة خالد مجدي؛ يقف اليوم بقدم ثابتة على مسرح ساقية الصاوي، أمام جمهور يتفاعل مع عرضه الكوميدي. سوداني يعيش في القاهرة طيلة حياته، ويتحدّث عن مواقف كوميدية جرت له في مجمع التحرير، فيتلقى ضحكات الجمهور، تلك اللحظة لم تظهر من عدم؛ بدأت منذ سنين مع منعه من الإذاعة المدرسية بسبب إلقاء نكتة.
خلال مهرجان "أي كا دو للي" النوبي الذي أقيم مساء الجمعة الماضية، وقف مجدي أمام جمهور ساقية الصاوي، يبدأ بتعديل النظرة التي يتلقاها السوداني داخل مصر "أنا بتكلم عربي زيكو والله"، ثُم يتذّكر "الإفيه" الذي يرميه كل من يعرف أنه سوداني الجنسية "انت سوداني ولا لب هاهاها"، ويتحدث الشاب عن تفاصيل يوم ذهب فيه إلى مجمع التحرير، مُستعرضًا مشكلاته مع سلوكيات المصريين، فيما لم تقتصر السخرية حول ذلك فقط، بل على السوداني أيضًا.
قدر مجدي تشّكل حين كان هو السوداني الوحيد وسط رفاقه بالمدرسة، وامتاز بخصلة الانتقاد اللاذعة كجزء أصيل من شخصيته، ليجد نفسه يومًا يُقدّم معلومة خلال الإذاعة المدرسية، ومن المفترض أن يقول "نيوتن اكتشف الجاذبية عن طريق تفاحة"، لم ينتهِ دور مجدي عند ذلك بل ألحقها بقوله "دا لو كان في مزرعة قصب مكنش وجع دماغنا"، ضجّ التلاميذ بالضحك حتى أن بعض المُدرسين ضحكوا.
غير أن الأمر لم يمرّ بهذه البساطة "مدرسين العلوم اتضايقوا من اللي قولته"، كما رُمي مجدي والتلاميذ بصفات كونهم "فشلة"، حتى صدر أمر بمنعه من الإذاعة المدرسية بسبب ذلك، وذلك خلال المرحلة الإعدادية، لكن مجدي لم يمتنع عن إلقاء النكات، وأثناء دراسته بالثانوية العامة قدّم المونولوجات الكوميدية أمام زملائه.
درس مجدي بكلية الآداب، بجامعة القاهرة، لكنه لم ينس موهبته تلك "كنت بحب أقف قدام الناس وأقدم برزنتيشن، حتى زمايلي كانوا بيخلوني أنا اقوم بالدور ده"، شجاعة مجدي وتلقائيته، كذلك حسّه اللاذع مما يُقابله في شوارع القاهرة كسوداني، جعلته يتحمّس حين سمع عن الـ"ستاند اب"، أو العروض الكوميدية، أن يُصبح واحدًا من جمهوره ليدخل ذلك المجال بخطوات ثابتة.
يُفضّل مجدي العروض التي يقدمها جورج عزمي ومينا نادر، تعرّف من خلالهما على ساقية الصاوي التي قدّمت الكثيرين على مسرحها، وانضمّ الشاب إلى الساقية عام 2014 "أخدت ورشة تمثيل"، أعتقد مجدي أن الـ"ستاند اب" هو عروض ارتجالية "زي ما كنت بعمل أيام المدرسة"، لكنه اكتشف أنها مُنظمة، وتحتاج إلى كتابة مسبقة.
استعد مجدي كثيرًا لتجربة أول مرة مسرح، عرف كيف يقف أمام الجمهور، تعلّم كتابة "السكريبت"، "الستاند اب ميزته إني اتكلم عن حاجة حقيقية حصلت لي"، كانت فُرصة جيدة لمجدي أن يحكي عما يُلاقيه من "إفيهات" المصريين، وعن تجاربه هو كسوداني عربي.
صعد مجدي على المسرح لأول مرة في نفس العام الذي بدأ فيه ورشة التمثيل، وداخل بيت السناري قدّم الشاب أول عروضه الكوميدية "كنت لسه مخلص ثانوية عامة"، صعد مجدي المسرح مُهتزًا فيما ترتعش يديه من التوتر، ليضطر حينها أن يقوم بعرض مختلف عن استعداده المسبق "حوّلت السكريبت مية وتمانين درجة، خليته عن الرهبة اللي بيحسها الطلبة بسبب الثانوية العامة، وحوّلت الربكة اللي أنا حاسسها في إني اتريقت على نفسي".
بعدها قدّم مجدي عروضه في قصر الأمير طاز وبيت زينب خاتون، ومسرح جامعة القاهرة، فيما لم يصعد الشاب مسرح ساقية الصاوي سوى مرتين، كانت الثانية خلال مهرجان "أي كا دو للي" حيث قرر تقديم المواقف الكوميدية التي تعرّض إليها كنوبي وسوداني "النوبيين مش بس مصريين، لكن فيه نوبيين سودانيين"، حيث يشرح أن النوبة تقسّمت أراضيها بين مصر والسودان خلال بناء السد العالي.
أهم مكافأة لدى الكوميديان أن يتجاوب معه الجمهور، "لازم دخلتي تبقى تلقائية، الجمهور بيحترم ده أكتر"، يتذّكر مجدي أن أكثر مرة وجد تفاعلًا مع الناس كانت في عاصمة السودان، الخرطوم، يحكي الشاب أنه كان موجودًا هناك خلال إجازة له، ولم يكن مُستعدًا لتقديم أية عروض، لكن أثناء حفل أقيم بوزارة الخارجية قرر والده، الذي يعمل موظفًا بها، أن يصعد مجدي لتقديم عرض كوميدي، كان وضعًا مُربكًا للشاب "عرفت قبلها بتلات ساعات بس".
يوقن مجدي أن "مفيش حد أعلى من الضحكة مهما كان مين"، حتى وإن كان جمهوره من الدبلوماسيين والسفراء، فكّر مجدي كثيرًا فيما يمكن تقديمه، تذّكر التناقض اللغوي في حديث العرب "إحنا طول الوقت بنتكلم كلمة عربي وكلمة إنجليزي"، وجد أنها فُرصة للتحدث عن أمر شائع، ويعرفه الجمهور الذي يعرض أمامه أيضًا، ونجح الأمر بالفعل "ورغم أن الموضوع ممكن يبقى حساس، لأن أكيد هما بيتكلموا بنفس الطريقة، بس ضحكوا جدًا".
مازال طريق مجدي طويل، خمس سنوات منذ أن بدأ مشوار الـ"ستاند أب"، لكنه يحلم بالكثير، حيث يُفكر الآن في نشر عروضه عبر الانترنت "بجهز إني ابقى يوتيوبر"، حتى يزداد حجم جمهوره، فبدلًا من أن كان ذلك الجمهور مكونًا من الأصدقاء ومُدرسيه الذين نعتوه بــ"فاشل"، يصبح متنوعًا ومن جنسيات مختلفة.
فيديو قد يعجبك: