في أول أيام التحصيل الإلكتروني| داخل مأموريات ضرائب.. حضرت الماكينات وغاب الدفع
كتب وتصوير- عبدالله عويس:
لم يصل إلى مسامعه تلك الإعلانات، التي انطلقت منذ أيام، للحديث عن التحصيل الإلكتروني للمستحقات المالية الحكومية، لكنه في أول أيام التطبيق، الذي بدأ مع شهر مايو، أدرك أن عليه الذهاب إلى أحد البنوك، لاستخراج كارت «ميزة» مجانا، ليستطيع دفع 3 آلاف جنيه قيمة تأمين سيارته النقل، بعدما أخبره أحد الموظفين بالأمر، لكن زياد، لم يتحمل انتظار دوره داخل البنك وانصرف.
كانت وزارة المالية، قد أعلنت عن بدء التحصيل الإلكتروني للمستحقات المالية الحكومية، لكل ما زاد على 500 جنيه مصري، ليتم التطبيق في 1 مايو 2019، ولأن اليوم الأول من الشهر كان إجازة رسمية بسبب عيد العمال، فقد كان التطبيق الفعلي له صباح الخميس 2 مايو: "ما كانوا يسيبوا الدنيا زي ما هيا كده، الفلوس في جيبنا ونروح ندفع وخلاص". لم يكن زياد وحده الذي فوجئ ببدء التطبيق، مواطنون آخرون لم يعلموا عنه شيئا، حتى أخبرهم الموظفون عن تفاصيله، مثلما كان يفعل عماد سعد، أثناء عمله بمأمورية ضرائب شبرا الخيمة، والذي دخل في نقاش ممتد مع إحدى المواطنات، التي رغبت في تسديد ضريبة تخصها، كانت تتخطى الـ700 جنيه: "الناس بتدفع ضرايب الدخل، وأنا فاهم النظام القديم حلو أوي، دورة الشغل عارفينها، لكن الجديد ده لسه شوية، ومش عارف بعد ما آخد منه الكارت وأسدد الفلوس هعمل إيه؟" قالها الرجل، الذي يحتفظ داخل أحد الأدراج بجهاز التحصيل، بينما لا يزال داخل الكرتونة، وظل لثوانٍ يبحث عن طريقة فتح الكرتونة، بعدما قلبها يمينا ويسارا ورأسا على عقب: "إحنا ادربنا على طريقة تشغيله، بس الفكرة إني مش عارف أنا دوري بينتهي فين، هل بعد التحصيل وخلاص، ولا في دور تاني بعمله ده اللي مستني أعرفه". تقاطعه سيدة وصلت لتوها أمام الشباك لتدفع قيمة ضرائب: "طب ممكن أدفع على طول" فيخبرها: "لا مفيش دفع يا مدام.. مفيش تعاملات نقدية من النهارده أزيد من 500 جنيه" ثم يوجهها للذهاب إلى بنك بعينه، لتحصل على كارت ميزة، ومن خلاله تستطيع دفع المبالغ التي تريد. يجلس عماد على كرسيه خلف حاجز حديدي، ينتظر "الممولين" ممن عليهم ضرائب مستحقة، وله في ذلك العمل 25 عاما: "بقالنا سنين على الوضع ده، أنت بقى حبيت تجدد قلنا نعمل إيه ولفة الشغل إزاي؟".
يعمل أحمد صلاح مندوب حجز وتحصيل، في مأمورية ضرائب شبرا الخيمة، وتلقى تدريبا بإحدى القاعات في جامعة عين شمس، على يد مختصين في تلك الماكينة التي سيتم التحصيل بها، وعرف كثيرا من تفاصيلها، ويعتبرها سهلة التعامل، وأنها ستكون أفضل للمواطن من التعاملات النقدية: "الموضوع سهل مش معقد، أنا بحط الفيزا وأدخل على السستم بتاعها، وبيطلع إيصالين واحد للشخص اللي دفع وواحد ليا".. يحكي الشاب الذي له 6 سنوات في ذلك العمل، ويعرف كثيرا من التفاصيل حول التعامل بالآلية الجديدة: "مش متاح مثلا لحد إنه يدفع أكتر من قسيمة في يوم، عشان محدش يستنصح ويقسم المبلغ عشان يدفعه كاش أو عشان ميروحش البنك لو بيتخطى الـ10 آلاف جنيه".
صباح الاثنين، خرجت فاطمة سليمان وفي يدها ملف كبير، به أوراق تخص عملاء يتبعون مكتب المحاسبة الذي تعمل به منذ 10 سنوات، وعليها أن تمر على 6 مأموريات ضرائب، لتسدد قيمة ضرائب عملائها، ورغم علمها بأن التحصيل سيكون إلكترونيا إلا أنها حاولت الالتفاف على الأمر لكن دون جدوى، فالتعليمات للموظفين كانت صارمة، بعدم تحصيلهم للمبالغ التي تزيد على 500 جنيه إلا إلكترونيا: "أنا مش عارفة هتعامل إزاي في الأيام الجاية، هل المكتب هيدينا فيزا أو كارت خاص بكل عميل، ولا كارت واحد وإحنا ندفعلهم" تحكي السيدة التي بدأت رحلتها في مأمورية ضرائب شبرا الخيمة ثان، حين أخبرها الموظف أنه سيحصل منها على المبلغ الخاص بأحد عملائها وكان قيمة ما سيدفعه 400 جنيه، بينما يتخطى الآخر الـ500 جنيه، ثم صعدت إلى طابق آخر في نفس المبنى، يتبع مأمورية شبرا الخيمة أول، ثم دفعت 200 جنيه ضرائب أحد عملائها: "خارجة من 8 الصبح عشان أخلص، وكنت عارفة إن في تحصيل إلكتروني بس قلت هيمشوها كده كاش كام يوم يعني".
انتقلت السيدة بعد ذلك إلى مقر مأمورية ضرائب روض الفرج، بشبرا مصر، وحين بدت أوراق الإقرار الضريبي بيدها، أخبرتها موظفة أن المبالغ التي سيتم تحصيلها ما كان أقل من 500 جنيه، وما زاد على ذلك، فسيتم تحصيله إلكترونيا، لتخبرها أنها على علم بالأمر، ثم اتجهت بعد ذلك لمأمورية ضرائب الساحل أول ثم ثان: "وشكلي كده مش هلحق أروح ضرايب عابدين، عشان الوقت اتأخر، فممكن أروح يوم تاني" تحكي السيدة، التي تنتظر أن يكون للمكتب الذي تعمل به موقف واضح في الأيام المقبلة، حول طبيعة العمل بعد ذلك التحصيل الإلكتروني: "عشان أبقى عارفة أنا هتعامل إزاي، ويبقى العملاء كمان عارفين".
في مأمورية ضرائب الساحل، كان موظف بأحد المكاتب، يمسك الجهاز بيديه، يشرح ما يعرف عنه لموظف آخر، ومن خلفه آلاف الأوراق والمستندات على أرفف، وحين أضاء الجهاز بين يديه، أعاده الرجل من جديد إلى الكرتونة، خشية أن يحدث له عطل. بينما كان خارج الباب عشرات المواطنين، الذين يحملون إقرار الضريبة في أيديهم، منتظرين دفع القيمة المقررة عليهم، وسط عدد من المكاتب، في سلسلة إجراءات متصلة، تنتهي بالدفع في النهاية، وإذا كان المبلغ أقل من 500 جنيه فلا مشكلة، وإن زاد على ذلك، فإنهم يتلقون توجيها بالذهاب إلى أحد البنوك الـ5 التي تستخرج كروت ميزة، وهي: "الأهلي، القاهرة، مصر، الزراعي المصري، والتجاري الدولي"، وتستخرج مجانا خلال 6 أشهر، ويستطيع أي شخص الدفع بوسائل أخرى إن كان باستطاعته ذلك، كشركات الدفع الإلكتروني، أو عبر المحافظ الإلكترونية بالمحمول، أو عبر البريد، وبطاقات الدفع الإلكتروني، وبطاقات المرتبات.
فيديو قد يعجبك: