مصمم متحف نجيب محفوظ يروي كواليس الافتتاح ويرد على جدل غياب بعض المقتنيات (حوار)
كتب- أحمد شعبان:
أواخر شهر فبراير الماضي، أُسند إلى المعماري «كريم الشابوري» مهمّة تصميم متحف الأديب الراحل نجيب محفوظ، في تكية أبو الدهب القريبة من جامع الأزهر، كان تحدّياً كبيراً بالنسبة له، فمن ناحية، قام بوضع مخطط التأويل المتحفي وسيناريو العرض لمتحف يحمل اسم أديب نوبل، بكل شهرته مصرياً وعالمياً، في فترة زمنية محدودة، كذلك من ناحية أخرى فإن الترقّب الكبير لخروج المتحف إلى النور بعد الأعوام الكثيرة التي مرّت منذ إعلان وزارة الثقافة عام 2006 العمل على إنشاءه، وتأخير افتتاحه عاماً تلو آخر، وما صاحب ذك من جدل كبير وقيل وقال، شكّل تحدياً آخر.
افتتح المتحف أخيراً قبل أيام، استدعى ذلك خطة وطريقة عمل من المعماري الشاب الذي يروي في حواره مع «مصراوي»، كيف تعامل مع المقتنيات الخاصة بصاحب «أولاد حارتنا»، وما الفلسفة التي ارتكز عليها حتى يحكي قصّة «محفوظ» ويقدمه لزوار متحفه، ويعلّق على الانتقادات التي صاحبت افتتاح المتحف مؤخراً والحديث الذي دار حول غياب بعض المقتنيات، كذلك يحكي عن سيرته مع تصميم متاحف تحمل أسماء شخصيات بارزة مثل متحف جمال عبد الناصر ومتحف الطبيب نجيب باشا محفوظ.
يحكي «الشابوري»، 43 عاماً، أنه عكف على دراسة المقتنيات الخاصة بأديب نوبل، التي تسلمّتها وزارة الثقافة من أسرة نجيب محفوظ، حتى يتم إعدادها لسيناريو عرض من خلال تقسيمها لفراغات ودراسة القاعات المتاحة التي سيتم توظيفها لتقديم محتوى يحكي سيرة الروائي العالمي «المتحف قائم في مبنى أثري هو تكية أبو الدهب، له طابع معماري خاص ومحددات لا نستطيع تجاوزها أثناء إعداد التصميم والتصورات»، كذلك فإن وزارة الثقافة أسندت له مهمة الإشراف على المتحف قبل 5 شهور فقط من الافتتاح، بعدما تمت مراحل الترميم والهندسة واكتملت الملامح المعمارية شبه النهائية للمتحف، وبات من الصعب «التعديل الكلي أو الإلغاء لكن كنا بنتعامل مع ما هو قائم بالتعديلات المسموحة للوصول إلى الشيء المطلوب».
في البدء، كان عدد القاعات قليلة «كان هناك قاعتان فقط لعرض المقتنيات»، بحسب ما يقول الشابوري، بينما التصور الذي وضعه كان يتطلب تخصيص قاعات أخرى في المبنى التابع لوزارة الآثار، أخبر وزارة الثقافة بذلك وتمت الاستجابة «قدرت إني أزوّد مساحة العرض المتحفي، وأصبح عندنا 10 قاعات»، تحكي كل واحدة منها جانباً من حياة أديب نوبل الذي رحل عن 94 عاماً في 30 أغسطس 2006، وقدّم خلال مسيرته الروائية أعمالاً متفرّدة جعلته يتربع على عرش الرواية المصرية والعربية ويصعد بها إلى مكانة عالمية مرموقة بعد حصوله على جائزة نوبل في الآداب عام 1988، فيما تحول عدد كبير من أعماله الأدبية إلى أفلام سينمائية صارت علامات بارزة في تاريخ الفن السابع.
تاريخ حافل وسيرة فريدة تحكيها القاعات؛ بدءاً من «قاعة الحارة» التي ترصد علاقة محفوظ مع الحارة المصرية، وهي التي استلهم منها أبرز إبداعاته بعينه الفوتوغرافية الراصدة وقلمه المرن، وتقدم من خلال وسائط سمعية وبصرية مادة فيلمية تسلط الضوء على تلك العلاقة، فيما تركّز قاعة «أصداء السيرة» على الجانب الشخصي من حياة الأديب الراحل ومشوار حياته وأدبه، وتعرض جانباً من مقتنياته ومتعلقاته الشخصية، بينما تمضي «قاعة التجليّات» في تناول فلسفة محفوظ عبر نقاشاته مع الكاتب الراحل جمال الغيطاني في حلقات برنامجه «تجليات مصرية» الذي عُرض في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، بينما تعرض القاعة الرابعة «قاعة السينما» مشاهد من بعض الأفلام المأخوذة عن روايات محفوظ، وتحوي مكتبه الشخصي ومحتويات مكتبته أيضاً، فيما تحمل إحدى القاعات اسم «نوبل» وتستعرض شهادة حصوله على الجائزة المرموقة ومن فازوا بها على مدار تاريخها، ونص كلمة محفوظ التي أُلقيت عند تسلم الجائزة.
أيضاً هناك قاعة «أحلام الرحيل» التي ترصد تفاصيل محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها «محفوظ» في تسعينيات القرن الماضي، وتركّز على جوانب من حياته بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال وتمريناته على الكتابة والأدوات التي كان يستعملها مثل عدسة القراءة وسماعة الأذن، كذلك هناك «قاعة رثاء»، وقاعة أخرى تضم الدروع والشهادات التي حصل عليها محفوظ، كذلك يضم المتحف مكتبة ديجيتال وقاعات أخرى للدرس والبحث، ومكتبة تحوي مؤلفات محفوظ ومكتبة للأعمال النقدية عن أدب محفوظ وعوالمه.
كان ما يشغل «الشابوري» أن يُعرّف الزائر العادي على عالم نجيب محفوظ خاصة الأجيال التي لم تعاصره «الناس بتتعامل مع المتحف على إنه مكان فيه مقتنيات وبس، لكن ده مرتبط أكتر بالمتاحف اللي بتعرض أشياء تاريخية أو جمالية، ومقتنيات نجيب محفوظ هي مقتنيات عادية اكتسبت قيمتها من ارتباطها بأديب نوبل، بالرغم من قيمتها التاريخية»، لذا ارتكزت فلسفته التي انطلق منها ليحكي حكاية «أديب نوبل» على أن تقدّم المقتنيات المعروضة قيمة جمالية، وتّعرض كل منها في مكانها الملائم في إطار سرد حكاية ورحلة أديب نوبل، أن يكون لكل مقتنى دلالة معينة، حتى لو كانت قيمته المادية بسيطة، ويستطيع مع غيره من المقتنيات أن يقدم خصوصية للمتحف تتماشى مع روح صاحبه، «أنا عُرض علي كل المقتنيات ودوري إني أدرسها أحدد ما يُعرض منها، فبالتالي المعروضات جاءت في إطار الحكي أو الشرح لكل مرحلة»، على ما يقول الشابوري.
هناك مجموعة من الصور أمدت بها أسرة الأديب الراحل وزارة الثقافة «وأضفنا ليها بعض الصور اللي اختيارها كان مبني على دلالة الصورة وكل قاعة ليها صورة مرتبطة بها سواء كانت صورة نادرة أم لا المهم أن يكون لها دلالة»، ويضيف أن المتحف يضم مكتبة ديجيتال الغرض منها توثيق كل مقتنيات الأديب الشخصية وكل إهداءات الكتب «اللي موجودة وعليها أسماء كتاب زي توفيق الحكيم وصلاح جاهين وغيرهم هتكون موجودة بشكل رقمي، وأيضاً هيتم توثيق كل الصورة النادرة وغير النادرة التي قدمتها الأسرة في الأيام المُقبلة».
الجدل الذي ثار بعد افتتاح المتحف مؤخراً، بسبب غياب بعض المقتنيات من العرض المتحفي، يفسّره المعماري بأن لكل متحف طاقة استيعابية معينة «ومن الطبيعي أن تزيد المقتنيات بمرور الوقت، خاصة في حالة نجيب محفوظ لأن كثير ممن كانوا قريبين منه ممكن يكون عندهم أشياء أو مقتنيات يمكن عرضها»،ويعلق على غياب السجاة النادرة ذات اللون الأحمر التي أهداها الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إلى محفوظ، قائلاً «بعض المقتنيات لها طبيعة خاصة وتحتاج نوعية معينة من الحفظ وطريقة معينة من العرض حتى لا تتعرض لتلف، ومثلاً السجادة هي بطبيعتها وخامة صنعها وأي مواد عضوية بتحتاج حفظ بطريقة معينة»، ويضيف أن السجادة كانت موجودة على الأرضية في مكتب محفوظ الشخصي في منزله، وهذا ما يصعب فعله بالنسبة إلى متحف مفتوح للجمهور ويتردد عليه عدد كبير من الزوار «نخشى أن تتعرض للتلف، وكان مخطط إنها تُعرض في سياق آخر، فمثلاً الكراسات اللي كان محفوظ بيتمرن فيها على الكتابة، والموجودة في قاعة أحلام الرحيل، أهم عندي وجودها من السجادة التي أثارت الجدل لأنها بتقول حاجة معينة وتحمل دلالة، ووزارة الثقافة طمأنت الناس على وجود السجادة، لكنها هتتشال ومش هتفضل على الأرضية، وسيتم عرضها لاحقاً بعد تخصيص مكان لعرضها، ووزارة الآثار مشكورة قالت إنها هتخصص الدور الثالث من التكية للمتحف وده هيفتح مجال أكبر للعرض تسمح بعرض مقتنى من هذا النوع وحفظه بشكل مناسب».
يؤكد الشابوري أنه راضٍ عن الشكل الذي خرج به المتحف، الموجود في حي الأزهر «في مكان حمل روح كتابات محفوظ، وأماكن عاش بجوارها وأناس استلهم منهم أعماله»، فيما يقول إن روايات عديدة لمحفوظ ومشاهد من أفلام سينمائية عنها لا تزال محفورة في ذهنه، وأثناء عمله على المتحف «كنت من حين لآخر أستعيد قراءة بعض الكتب لتنشيط الذاكرة، مثل ’أولاد حارتنا القاهرة الجديدة والثلاثية والكرنك وأصداء السيرة وأحلام فترة النقاهة’».
لدى «الشابوري» شغف كبير بتصميم المتاحف، الذي تخصص فيه بعدما انتهي من دراسة العمارة قبل نحو 20 عاماً، حيث تخرج من قسم العمارة بجامعة 6 أكتوبر عام 2001، واستكمل دراسته للماجستير في مجال «الموزيوغرافيا» في أكاديمية أدريانيا بروما 2007، وشارك في تصميم العديد من المتاحف المصرية منها، تطوير المتحف القبطي في مصر القديمة ومتحف التنوع البيولوجي بشرم الشيخ ومتحف البريد المصري بالقرية الذكية، أيضاً معرض الزجاج الإسلامي بمتحف الفن الإسلامي بقطر 2012، ومتحف الحصن بالشارقة في الإمارات، وشارك ما بين عامي 2010 و2016 مع معهد بول جيتي بمشروع ترميم مقبرة توت عنخ أمون وإعادة تأهيلها، كما تولى تصميم متحف الزعيم جمال عبد الناصر الذي افتُتح عام 2016.
لكن ثمة مفارقة في حياة المعماري كريم الشابوري. فقبل عامين، أسندت إلىه مهمة الإشراف على متحف الطبيب نجيب باشا محفوظ، بكلية طب قصر العيني، والآن افتتح متحف حمل اسم ذلك الطفل الذي جاء إلى الحياة بعد ولادة متعثرة عام 1911 على يد الطبيب نجيب باشا محفوظ رائد طب النساء والتوليد في مصر، ليقرر والده أن يحمل الطفل الاسم المركب «نجيب محفوظ»، وهكذا مرت السنون وصار الطفل «الأديب العالمي نجيب محفوظ».
في متحف «الطبيب نجيب محفوظ» كان الغرض الأساسي هو أن يكون متحفاً تعليمياً طبياً «البطل ليس الشخص وإنما مسيرته العلمية وما توصّل له»، لذلك اهتم الشابوري بتسليط الضوء على مساهمات الطبيب والقصص الإنسانية المتميزة التي ارتبطت به مثل ولادة «اأديب نجيب محفوظ»، كما اهتم بعرض المقتنيات «واللي كلها كانت عبارة عن حالات طبية لأجنة وحالات ولادة تعرض بغرض تعليمي، والمتحف كان أهمل لفترة طويلة بسبب الوسائط الحديثة في التعليم، لكن في مشروع تطوير المتحف قدرنا إننا ندمج بين التكنولوجيا والعينات الأصلية القديمة»، بدأ الشابوري مع متحف الطبيب من بداية العمل على إعادة تصميمه قبل عامين، على عكس ما حدث مع متحف الأديب، الذي بدأ الإشراف على تصميمه وصناعة سيناريو العرض المتحفي له قبل خمسة أشهر من افتتاحه.
يذكر المعماري أن الفارق بين عمله في المتحفين أن «متحف الطبيب فيه حاجات نادرة على مستوى العالم وليها قيمة كبيرة ومش هيتكرر إني أقابلها في حياتي تاني أبداً، وفيه محتوى كنت أجهل عنه الكثير، فكان عندي حالة من الشفغ والفضول الكبيرين، عشان أقدر أقدمه، وده كان بمساعدة أسرته مباشرة».
تشابهت بعض الظروف في عمل الشابوري على المتحفين من حيث «ضيق الوقت» غير أنه في متحف الطبيب كانت أسرته هي المحرك الأساسي وراء المشروع، فضلاً عن قسم النساء والتوليد بكلية طب القصر العيني «الأسرة كانت بتموّل المشروع، ورغم ضيق الوقت كان فيه تسهيلات وسرعة كبيرة في العمل وتم بيسر وسهولة».
أضافت تجربة تصميم المتحفين كثيراً لـ«الشابوري»، عرّفته على عالم رائد طب النساء والتوليد مطلع القرن الماضي، وانخرط في العالم الشخصي لأديب أحب رواياته وأفلامه، لذا يبدي سعادة بالغة أن يخلّد سيرتهما ومسيرتهما المتفرّدة، كلٌ في مجاله؛ الدكتور نجيب باشا محفوظ في الطبب، والكاتب نجيب محفوظ في الأدب، وأن يرتبط اسمه بـ«النجيبين».
فيديو قد يعجبك: