"أمتع حاجة في الدنيا".. قصة مرمم أثار عاد للعمل بعد غياب 14 عام
كتابة وتصوير- شروق غنيم:
يتعامل أحمد علي حسين برفق مع كل أثر، في اللحظة التي يبدأ عمله كمرمم داخل مقبرة، يشعر وكأن المقتنيات الموجودة حيّة "بحس إني سامع أنينها قبل الترميم"، يرى في كل نقش على الجدران، أو تمثال بأنه إنسان "بيحكي عن تاريخنا وأجدادنا"، لذا يتحرى الدقة في كل خطوة، يتذكر كل تلك الخواطر فيزداد شغفًا خلال تأديته لعمله.
بينما يتم افتتاح مقبرتين جديدتين بمنطقة ذراع أبو النجا بمحافظة الأقصر بعد ترميمهما بالتعاون مع مركز البحوث الأمريكي وبحضور وزير الآثار الدكتور خالد العناني، الأسبوع الماضي، يراقب حسين بفخر الحديث عن العمل الذي تّم خلال العامين الماضيين لترميم المقبرتين، يُبصر اهتمام وسائل الإعلام المتواجدة والمسئولين، فيمتّن للحظة التي عاد فيها إلى حيث وجد روحه، بعد انقطاع دام 14 عامًا.
تخرج الرجل الأربعيني في المعهد الفني لترميم الآثار عام 1997، لم يحظَ بوظيفة في مجاله إلا لمدة شهرين فقط في معبد أرمنت "ولما ملقيتش وظيفة بعدها روحت اشتغلت في مطعم"، لكن ظل حنين يصارعه من حين لآخر "عالم تاني مقدرش أتخيل حياتي برة عنه"، شُغف حسين منذ صغره بتاريخ بلاده "رغم إن محدش من عيلتي مهتم بالموضوع، كلهم في شغلانات تجارية"، أينما يتجول الصبي يرى معابد وتماثيل قائمة تسرد ماضي مدينته، حفّز ذلك بداخله أن يكتشف ما هو أكثر "عاوز أعرف بلدي كان عايش فيها مين كمان، فبقيت حابب فكرة الترميم"، لذا كان لزامًا عليه أن يعود إلى المجال.
عام 2011 أعُلن عن الاحتياج لمرممين "بعد الثورة اتفتحت وظايف لينا"، وكأن الحياة عادت له من جديد، تقدم حسين على الفور، ظل يقينًا بداخله أنه سيعود إلى حيث ينتمي، انتظر النتيجة على جمر القلق، وحين أعُلن قبوله "مكنتش مصدق من كتر الفرحة".
بعد أربعة أعوام كان له دورًا في ترميم مقبرتي (TT286 و169TT) في جبل ذراع أبو النجا بمنطقة القرنة بالبر الغربى بمحافظة الأقصر، إذ تعودان إلى كبار رجال الدولة الفرعونية بداية من الأسرة 17، وذلك بالتعاون مع مركز البحوث الأمريكية "عملوا للمرممين تدريب عشان نطور أدواتنا"، حيث تم تدريب قرابة 300 مرمم مصري من قبل المركز بحسب تصريحات الدكتور مصطفى وزيري ، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار.
تأتي أول خطوة بعد كشف جديد "نوثق شكل المكان زي ما هو الأول"، ثم تبدأ حالة تقييم المكان، وأي طرق الترميم التي سيتم اتباعها "وإيه الأدوات اللي هنستخدمها، خصوصًا إننا بنتعامل مع كل كل ميلميتر في المكان إنه شخصية مستقلة، فعشان كده في تنويع في الأدوات اللي بنستخدمها، لكن كلها مواد طبيعية وبنقلل الكيمائيات عشان متأثرش على الجداريات"، إذ تم عملية تنظيف ميكانيكي وتوظيف كيميائي لإزالة السناج وفضلات الطيور، ومن ثم عمل التقوية النهائية، أعقبها عملية استكمال وتجميع الأجزاء المفقودة بالمقبرة، مثلما قال "وزيري" خلال مؤتمر افتتاح المقبرتين.
طيلة عامين عمل حسين برفقة باقي المرممين على المقبرتين "بدأنا في 2015 وخلصنا 2017". من السابعة صباحًا يصل الرجل الأربعيني إلى المكان "أول ما أدخل بأنسى أي تفاصيل تانية في الدنيا"، وكأنه دخل إلى عالم مختلف تمامًا، يغرق فيه ويستغرق في معرفة تفاصيله "لازم أبقى مركز معاه هو وبس، عشان في شغلانتنا دي مينفعش نغلط".
حين تنتهي أعمال الترميم تبدأ مرحلة توثيق المكان "دي أكتر لحظة بحبها، بتحس بالإنجاز وإنك عملت حاجة للأجيال الجاية"، إذ تخص المقبرتين "رعيا" الكاهن الرابع لآمون خلال الأسرة الـ20، و"نياي" كاتب المائدة في عصر الرعامسة، وبلغت قيمة الترميم 16 مليون جنيه مصري بحسب قول الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار.
يتذكر حسين المقبرة حين دخلها لأول مرة، وما آلت إليه حاليًا، يأخذ نفسًا عميقًا، يفخر بما فعله هو ورفاقه، لازال عالقًا في ذهنه مشهد إزالة السناج بعد الترميم "إن يبقى لك يّد في إنك تظهر حاجة كانت مطموسة، تمّد في عمرها من جديد بدل ما كانت هتنتهي، بالنسبة لي أمتع حاجة في الدنيا، واللي عايش عشانها".
فيديو قد يعجبك: