حكايات المدمنين مع "16023": الجنس يدفعهم للإدمان والوظيفة تضطرهم للعلاج
كتب ـ محمود عبدالرحمن:
تصوير ـ محمود بكار:
داخل الغرفة المخصصة لاستقبال مكالمات الخط الساخن، بمبنى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، يتصل المتعاطون والمدمنون أو ذويهم؛ يرون الحكايات والأسباب التي دفعتهم لتعاطي المخدرات، طلبًا للدعم والمساعدة التي يحرص طاقم الاستقبال على توفيرها، بحسب كل حالة.
نغمة رنين الهاتف التقليدية، تعلو بين الحين والآخر، يستقبل المكالمة القادمة أحد أربعة متخصصين، مؤهلين لتقديم الدعم النفسي والمساعدة؛ لمن يتصل على مدار24 ساعة يوميًا، في سرية، دون معرفة هويته، ويقتصر حصولهم على المعلومات العامة، مثل السن والمدينة والمحافظة التي يقيم فيهما، وغيرها من المعلومات الصحية، التي تسهم في تقديم الدعم المناسب والأفضل لكل متصل.
"بتعاطي حبوب ترامادول وعايز أبطلها، لأني أدمنتها ولو ما أخدتهاش بكون مرهقة وتعبانة"، استغاثة من سيدة في العقد الثالث من العمر، تلقاها سامي نصر، أحد المتخصصين بغرفة الخط الساخن، يبدأ في الاستفسار عن الأسباب التي دفعتها لتعاطي هذه الحبوب، "زوجي كان يتعاطى الترامادول قبل ممارسة العلاقة الزوجية وطالبني بتجربته" وتحولت مطالبة الزوج إلى إلحاح مستمر؛ لم يتوقف إلا بعد تحقيق مراده، ينهي الإخصائي المكالمة بإخبار المتصلة بأقرب مستشفى متخصص تابع للصندوق في محيط سكنها، يمكنها العلاج به في سرية.
سامي نصر، الذي يعمل منذ عام ونصف العام إخصائيًا بصندوق مكافحة وعلاج الإدماج، يقول: تعاطي المخدرات من أجل زيادة القدرة الجنسية، أحد أسباب الإدمان وهناك أسباب آخرها تدفع الشخص للتعاطي منها؛ بعض الأزمات الصحية والنفسية.
"واحدة لجأت لتعاطي الهيروين بسبب تعرضها لحادث أثر على شكلها وجالها حالة نفسية إنها منبوذة من اللي حواليها"، حكاية أخرى يتذكر "نصر" تفاصيلها، والأساليب التي استخدمها مع تلك الحالة لخروجها من الحالة النفسية: مثل الاستماع إليها وهي تحكي ما تخشي الجهر به أمام أي شخص تعرفه، وبخبرته كإخصائي نفسي يبدأ في التجاوب معها، والرد على ما تقول بأسلوب علمي، من أجل مساعدتها، "خاصة أن الشخص الذي يبادر بالاتصال يكون لديه رغبه في العلاج والبعد عن التعاطي".
يقتصر دور الإخصائي النفسي أو الاجتماعي على توجيه النصائح للمتصل أو تحويله إلى أحد المراكز للعلاج، تأتي المكالمات التي يستقبلها الخط الساخن من جميع محافظات الجمهورية، وأغلبها يأتي من محافطتي القاهرة والجيزة، ويوضح "نصر" أن من ضمن أسباب ودوافع التعاطي والإدمان أصدقاء السوء وحب التجربة.
"ابني بيسرق اللحمة من التلاجة علشان المخدرات" مكالمة أخرى استقبلها سامي الحاصل على ماجستير التخطيط الاجتماعي ودبلومة متخصصة في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، يقول الأم كانت تبكي ولا تعرف وسيلة للتعامل مع ابنها، يبدأ في الاستفسار عن حالة ابنها؛ هل هو مدمن أم متعاطٍ، وما هو نوع المخدرات التي يتعاطاها، والسبب الذي دفعه للتعاطي، هل لديه رغبه في العلاج، ويدون هذه الإجابات في استمارة إلكترونية، من أجل معرفة حالة المتعاطي وأفضل الطرق لمساعدته أو وضعه على بداية طريق التعافي.
يوجد 24 مستشفى ومركزًا علاجيًا متخصصًا بـ14 محافظة يتعامل معها صندوق مكافحة الإدمان ويتم تحويل من يحتاج إلى المساعدة المباشرة أو العلاج إليها، بحسب الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.
"فيه موظفين بيتعاطوا مخدرات بيتصلوا عاوزين يتعالجوا"، يقول إبراهيم سيد، إخصائي نفسي بالخط الساخن، موضحًا أن أغلب هؤلاء يستفسرون عن طرق العلاج والسرية، وهل يتم إخطار جهات العمل، بخضوعهم للعلاج، وغيرها من الاستفسارات، وهذه النوعية من المكالمات زادت بعد إقرار قانون الخدمة المدنية، وفي الغالب يكون دافعهم للعلاج خوفا من الفصل من العمل وفقا لهذا القانون.
يقول "سيد" 25 عامًا "بنقول للموظف إحنا مش بناخد منك معلومات شخصية غير المعلومات العامة اللي هتساعدك في العلاج" موضحًا لهم بأن سرية المتعاطي مبدأ التعامل في الصندوق والعلاج.
ويرتفع معدل المكالمات من قبل المتعاطين أو أولياء أمورهم على الخط الساخن يومي الجمعة والسبت، بخلاف باقي أيام الأسبوع، ويكون أغلب المكالمات من أجل استفسار أولياء الأمور عن كيفية التأكد من تعاطي أبنائهم، "ولي الأمر حاسس إن ابنه بيتعاطي بس مش متأكد".
"العزلة واضطراب النوم وتغير السلوك المفاجئ والسرقة" عوامل عديدة يستفسر "إبراهيم" عنها من أولياء الأمور، وإجاباتها تؤكد شكوكهم أو تنفيها، موضحًا: وجود تلك الصفات في شخصٍ يكون في الغالب ضمن المتعاطين لنوعٍ من المخدرات، لذا ينصح الأسرة بالتوجه إلى أقرب المراكز للبت نهائيًا في تعاطي الشاب من عدمه.
من الحكايات والقصص التي يستقبلها الخط الساخن؛ مكالمات من المتعافين من الإدمان والتي تختلف من شخص إلى آخر، يقول إبراهيم: "مريض اتصل قالي أنا عاوز جرعة دلوقتي ساعدني أبعد عنها"، هنا لا يترك موظف الخط الساخن؛ المتصل إلا بعد التأكد من عزوفه عن هذه الرغبة، مشيرًا إلى أن المتعافي من الإدمان تأتي عليه لحظات ضعف، لو استسلم لها يعود إلى الإدمان مرة ثانية بصورة أكثر شراسة، ويكون دور الإخصائي هنا، البقاء معه حتى يتعدى تلك اللحظة "طلبت منه أن يستحم بمياه باردة وبعدها يجى يرتب دولاب الهدوم من جديد بترتيب الألوان أو يقعد مع الأسرة ومش بنقفل غير لما نحس إن بقى أحسن من الأول".
يقول الدكتور هشام جمعة إخصائي علم النفس وعلاج الإدمان بالصندوق، "أحيانا المتصل بيكون محتاج علاج نفسي ودعم أكتر من احتياجه للأدوية"، لذلك يتم تأهيل الموظف الذي يستقبل المكالمات على مهارات وكيفية التعامل مع نقاط الضعف التي يعاني منها المتعاطي أو المدمن من أجل قدرتهم على إقناعه والتعامل معه.
بجانب التحويل إلى المستشفيات أو المراكز، يتيح الخط الساخن إمكانية الإبلاغ عن سائقي الأتوبيسات المدرسية المتعاطين للمخدرات، ويمكن لأولياء الأمور تقديم شكاواهم إلى الخط الساخن في حالة وجود شك في سائق الباص المدرسي وخوفًا من تعرض أطفالهم للخطر، يقول محمد مخيمر، أحد موظفي الصندوق العاملين بغرفة الخط الساخن، "بناخد اسم السائق واسم المدرسة وتليفونها وبنحوله لقسم مكافحة المخدرات للتحقيق في الأمر" كما أنه من الممكن أن يتقدم أي مواطن بالإبلاغ عمن يبيع المخدرات بجوار منزله أو في أي منطقة.
فيديو قد يعجبك: