من "خارج العاصمة".. رحلة ثلاثة كتاب شباب مع النشر
كتبت-رنا الجميعي:
على هامش معرض الكتاب تُثار العديد من الإشكاليات؛ من بينها كتاب الأقاليم، هكذا أطلقوا عليهم، صحيح أنه تصنيف مضبوط بحسب الجغرافيا، لكنّ غالبًا ما يُقال التصنيف بنبرة تُبعدهم أميال، فيتم نبذهم بسبب المسافات، وكأن الجغرافيا قد حكمت عليهم بأن يبقوا في الظلّ، لكن العكس تمامًا قد جرى للكتاب الشباب الثلاثة الذين تحدثنا معهم، فقد قهروا المسافات تمردًا ودون اعتماد على أي شخص، ساعدهم في ذلك عالم الإنترنت المفتوح.
كان حظ هبة خميس، الحاصلة على المركز الثاني لجائزة ساويرس الثقافية لـ2019، سعيدًا؛ فقد كانت منتديات روايات مصرية للجيب هي منفذها على عالم الأدب، تعرّفت عبره على العديد من المبدعين الشباب مثلها، لم تشعر بأنها بعيدة؛ كونها تعيش في الإسكندرية "لما كتبت أول قصة ليا على المنتدى أعجبت ناس كتير وابتدوا يتعاملوا معايا بشكل جدي"، كانت القصة الأولى لهبة محض تجربة، لم تحسب أنها ستُصنّف على أساسها ككاتبة.
حتى أن دار نشر دعت هبة للتعاون معهم في كتاب نشر جماعي لعدد من الشباب، كان وقتها لدى هبة 22 سنة، وقد صار لها الكتاب الأول. في الإسكندرية تمكنت هبة من الانضمام للمجموعات الأدبية وعن طريقها اشتركت في ورش أدبية "ومنها اتعرفت على ناس بقوا صحابي، وبقينا نشجع ونقيم أعمال بعض".
طريق سارة طوبار كان مُشابهًا لهبة، في البداية كانت الكتابة عن طريق التدوين، ومن خلالها تطور أسلوب سارة "التدوين في الأقاليم كان نافذة على عالم جديد، وإني أشوف ناس شبهي يدوبوا إحساس الغربة"، حيث تعيش سارة في المنزلة إحدى مراكز الدقهلية، وتمكنت سارة من تحدي المسافات، كانت تُسافر إلى المنصورة وبورسعيد والقاهرة لتحضر اللقاءات الأدبية والثقافية.
كان كُل ذلك قبل انتشار الفيسبوك كوسيلة أساسية في التواصل، وعلى عكس هبة وسارة لم يعش أحمد أبو دياب القادم من قنا تلك الفترة، فهو من مواليد 1994، تفتحت أعينه على الفيسبوك، ليجد العالم كله بين يديه، لكنّ ذلك لم يمنعه من رؤية الفرق بين كونك من العاصمة أو خارجها "المسألة بيحكمها فكرة المعارف والأهواء الشخصية، عشان أقدر أنشر في مكان لازم أكون عارف حد"، يحكي أبو دياب أنه حينما كان يُرسل قصصه للمجلات الثقافية دون سابق معرفة لم يتم النظر إليها، الأمر اختلف حين تم تواصل مُباشر عن طريق أحد الأصدقاء ومن ثم الحكم على العمل بحسب جودته.
كذلك في المشاركة للمسابقات الأدبية، أحيانًا ما يتم التعامل بنفس الهوى الشخصي، وقد تعرّض أبو دياب سابقًا حين اشترك في إحدى المسابقات الأدبية، فبحسب حديثه أنه لم يفوز لنفس الأسباب المشار إليها رغم كونه مؤهلًا.
تمكنت هبة أيضًا من طوي المسافات "كنت بتحرك للقاهرة كتير"، ففي اعتقادها أن وجود مواقع التواصل الاجتماعي سهّلت كثيرًا "مبقتش أحس بفرق كبير بيني وبين اللي بيكتب في القاهرة"، كذلك كانت سارة.
رغم الإتاحة التي صارت في متناول الأيدي، إلا أن عملية الإبداع لا تقتصر على ذلك، بل تصل إلى إشكالية النشر والانتشار، كانت تجارب الكُتاب الثلاثة لها خصوصيتها، ففي حالة هبة كانت قد تقدّمت إحدى صديقاتها دون علم منها بمشاركتها مجموعتها القصصية الأولى "من نافذة تطل على الميدان" للمسابقة الأدبية المركزية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2011، ولم تتوقع هبة أن تكون الفائزة بالمركز الأول في عهد وزير الثقافة عماد أبو غازي الذي أشار لطبع الأعمال الفائزة "وفجأة لقيتني وأنا بتسلم الجايزة، باخد مجموعتي مطبوعة".
كذلك كان الأمر مُشابهًا بالنسبة لأبو دياب حيث نشرت دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة العام الماضي مجموعته القصصية "التقاط الغياب"، وذلك بعد فوزه بجائزة الشارقة للإبداع العربي في الدورة الثانية والعشرين.
بالنسبة لسارة فقد أخذت خطوة النشر متأخرًا، وعن طريق النشر الإلكتروني لا الورقي، وهي كتابها "ذاكرة شرقية"، ولم تُرهق كثيرًا في نشر عملها الثاني "التفاحة لم تكن فاسدة"، بخلاف هبة التي ظلّت مجموعتها القصصية "زار" في دُرج إحدى دور النشر لمدة أربع سنوات، حتى قامت بنشرها مع الهيئة العامة للكتاب.
رغم تمرّد هؤلاء الشباب إلا أن المسافات تظل عائقًا في بعض الاحيان؛ تقول هبة إن دور النشر الجيدة تقع في القاهرة "حتى لو فيه دور نشر كويسة في الدلتا وبحري بس معندهمش نفس الخبرة في النشر والتسويق زي اللي في القاهرة"، لذلك يلجأون للنشر مع دور القاهرية، وفي حالة أبو دياب فإن دور النشر تنعدم أساسًا في الصعيد، كذلك تقل المنافذ الثقافية التي تُمكنه من الانتشار "أي كاتب حلمه هو الانتشار".
وحين سُأل الكتاب عن رغبتهم في الانتقال للقاهرة، لم يُبد أحد منهم تلك الرغبة، حيث تستقر سارة في المنصورة، وتعيش هبة بين الإسكندرية والقاهرة، أما أبو دياب الذي يسكن مركز نقادة بقنا فقد قال "رغم إني بعاني لكن أنا حر أكثر في مكاني".
فيديو قد يعجبك: