"خطط بديلة".. كيف قاوم فنانون أزمة "الكورونا" بالإبداع؟
كتبت-رنا الجميعي:
لم تسع الفرحة المخرج مازن لطفي؛ حين علم بأمر مشاركة فيلمه القصير في مهرجان "رؤى"، كذلك باقي ممثلين الفيلم "كنا متحمسين إننا هنتقابل تاني وقت الافتتاح والعرض"، لكن ذلك لم يحدث أبدًا.
فقبل أيام من عرض الفيلم المقرر له 16 مارس الماضي، كانت الأخبار تتوالى حول قرارات مجلس الوزراء لمُكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد، عن طريق تقليل التجمعات، وأولها كان قرار تعطيل الدراسة الذي اتخذ في 14 مارس، وفي نفس اليوم اتخذت إدارة المهرجان قرارها بإلغاء فعالياته، وعرض الأفلام عبر الإنترنت.
تبدلت مشاعر لطفي بين يوم وليلة "مكنتش فاهم احنا رايحين على فين"، ورأى أن محاولة إدارة المهرجان بعرض الأفلام عبر الإنترنت هي محاولة جيدة "هما حاولوا ميخلوش الموضوع بائس أوي، لأن كان فيه مجهود منهم كبير اتعمل"، حتى أن الإدارة أرسلت لمخرجي الأفلام المشاركة استمارة لأخذ موافقاتهم على إقامة العروض الافتراضية، وبينما وافق لطفي "فيه ناس غيري كانت معترضة جدًا، وشايفين إن التأجيل أفضل"؛ لأن لا قيمة لمشاهدة الأفلام دون عرضها في السينما "مفيش أمتع من إننا نشوف ردود فعل الناس أدام الشاشة".
رغم ذلك فقد كان لطفي مُدركًا أن التأجيل لا نهاية له "احنا مش عارفين اللي احنا فيه ده هيخلص امتى، عشان كدا وافقت على العرض أونلاين"، وبالفعل قامت إدارة المهرجان بعرض الأفلام بشكل مُشابه لنظام العرض الحي، حيث بدأت عروضها 2 إبريل الماضي، وتنتهي يوم 6 إبريل "المهرجان عمل حاجة حلوة، خلا نفس الحفلات بنفس ترتيب الأفلام لو كنا روحنا".
عُرض فيلم لطفي "حلم واضح" يوم الجمعة الماضي، كانت تلك أول مرة يختبر فيها عرض فيلمه إلكترونيًا، منذ أن بدأت أزمة كورونا ويُحاول لطفي أن يكون إيجابيًا، لذا يرى أن عروض الأفلام هي محاولة للهروب من الواقع "عشان الناس تنسى شوية الجنون اللي بيحصل برة"، يتابع لطفي أزمة الفيروس منذ زمن، فلم يتفاجأ بوجوده في مصر "أنا كنت بتابع اللي بيحصل في الصين، ورغم اللي بيحصل عندهم ومفيش بني ادمين خالص في الشوارع، كانت الناس هناك بتحاول تبقى إيجابية"، لذا يسأل لطفي نفسه "طيب إذا كان وضعهم بائس عننا بمراحل، ليه منحاولش احنا كمان نعمل اللي نقدر عليه هنا".
كان الفيلم هو العاشر في مسيرة لطفي كمخرج أفلام، وقد شارك قبل ذلك في مهرجان ببريطانيا، وكانت تلك هي المشاركة الثانية له، وحينما عُرض على الإنترنت لم يجد لطفي تفاعلًا يُرضيه "فرق كبير بين عرضه بالشكل ده والتفاعل في صالة العرض"، في نفس الوقت يعلم لطفي أن ربما لم يكن هناك إقبال بسبب الأخبار المتتالية حول عدد مصابين كورونا في مصر "قبلها بيوم كانت المشاهدة أعلى شوية، حسيت إن دا جزء منه تأثير الأخبار، فالإقبال مكنش بنفس الإيجابية والتفاعل"، وقد وصلت الأعداد إلى ١١٧٣ مصاب حتى الآن.
قبل كورونا كانت حياة لطفي تمشي برتمها الطبيعي، يُخطط لفيلمه الجديد قبل شهر رمضان "لكن كل دا اتأجل"، لم يقدر لطفي على المُغامرة بالعمل على فيلمه في ذلك التوقيت، رغم أن أغلب مشاهده داخلية "لكن مع احتمال حد يكون مصاب أو أنا نفسي مصاب لقيت مش هينفع"، ومع زيادة عدد ساعات جلوسه في المنزل يظل سؤال واحدًا يتكرر داخل نفسه "طب لو دي آخر حاجة في حياتي المفروض تكون ايه؟" وعمل الأفلام هي المُتعة التي يجد لطفي نفسه فيها، لذا يُفكّر جديًا في صناعة فيلم قصير داخل بيته يقتصر عليه وعلى الكاميرا.
لم تستسلم عبير سعد الدين أيضًا للإحباط، صحيح أنها تعلم جيدًا عدد الأيام التي قضتها داخل المنزل "25 يوم في الحظر مع ولادي"، تقولها ضاحكة، لكنها خلال تلك الفترة شغلت نفسها بما تُحبه أيضًا كفنانة للمصغرات، وقامت بعمل مُجسمين للبيوت المصرية التي تعشق صناعتها، وتشارك بهما داخل المعرض الذي يقيمه جاليري سمات إلكترونيًا تحت اسم "ابداعات الحظر".
جاءت أزمة الكورونا وأجلّت عدد من الفعاليات التي كانت ستتكرم فيها عبير "مارس بالذات بيكون شهر مهم للفعاليات الفنية وللمرأة"، لكن عبير قابلت تلك التأجيلات بعقلانية "حتى أنا وقفت الكورسات اللي كنت بديها للأطفال"، حيث تُعلم الشابة أيضًا فن المصغرات، وتؤمن بأن حتى الإحباط يُمكن أن يتحول لنتيجة إيجابية، فخلال فترة الحظر "بيجيني ساعات إحباط رهيب وأول ما اتأزم والدنيا تقفل خالص ابتدي أهرب بالشغل"، هكذا تقضي عبير بالساعات تعمل على مُجسم جديد، حتى أن الحظر قلّص لها الوقت الذي تستغرقه "ممكن آخد شهر في عمل مجسم، دلوقت باخد أسبوعين".
تعلم عبير جيدًا أن الحالة النفسية تؤثر على المناعة، والتي بدورها تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، تحكي قائلة "من يومين من كتر التوتر مناعتي اتأثرت جدًا وتعبت"، وهو ما قاله لها الطبيب الذي ذهبت إليه، لذا تُفكّر دومًا في شغل نفسها بما تحبه "بفكر أعمل قناة على اليوتيوب أعرض فيها الشغل بتاعي"، تجد الفكرة مناسبة خاصة مع قضاء كثير من الناس أغلب أوقاتهم الآن على الإنترنت.
الإنترنت أيضًا كان الملجأ الذي ارتكن إليه علي سعيد، مدير متحف فنون جميلة بالإسكندرية، تحت شعار "خليك في بيتك وهنجيبلك المتحف لحد عندك" بدأت صفحة المتحف في نشر العديد من مقتنياتها، ويُذكر أن وزارة السياحة والآثار كانت قد أغلقت جميع المتاحف والفنون الأثرية يوم 23 مارس الماضي، وحتى الآن.
منذ الإغلاق بدأت صفحة المتحف في الإعلان عن مقتنياتها يوميًا "زي رسالة يومية وبنقول فيها معلومات عن العمل الفني"، يجد سعيد في ذلك ميزة لم تكن متوفرة لزائر المتحف "المعلومات دي مكنتش متوفرة بالسهولة دي قبل كدا"، وحتى الآن قام مدير المتحف بعرض 19 عمل فني بين تماثيل ولوحات "وبنختارها برزليوشن عالي".
لاحظ سعيد أن هناك تفاعلًا على الصفحة، حتى أن عدد متابعي الصفحة زاد ألفًا "بالمقارنة إننا بنزل بوست عادي مش إعلان ممول".
يُفكّر سعيد ألا تقتصر أنشطة الصفحة على عرض المقتنيات فقط، بل في إقامة مسابقات فنية للأطفال "يكون فيها تفاعل بين الجمهور وأطفالهم"، وهو ما يُناقشه الآن مع زملائه "بس هنكون محتاجين متطوعين أكتر يقدروا يعملوا ده على الصفحة".
لم تمر أزمة الكورونا بشكل جيد أيضًا على متحف الفنون "كان عندنا معارض واتأجلت كلها"، ولم يرى سعيد أن الحل في عرضها على الصفحة "الرؤية على الطبيعة والتفاعل مع العمل مختلف تمامًا غير لما الواحد يشوف صورة"، لذا اكتفى مدير المتحف بعرض المقتنيات الدائمة فقط.
فيديو قد يعجبك: