إعلان

بالصور- رمضان بلا ضيوف.. كورونا يحرم ساحة "الدح" من أمسيات الذكر

03:57 م الجمعة 15 مايو 2020

مضيفة الشيخ سعيد الدح


كتبت- دعاء الفولي:
تصوير- محمد حسام الدين:

حين انفتح باب المضيفة، مرت غمامة حزن بقلب أحمد سعيد الدح، رأى حلما في اليقظة؛ المكان مُزدحما، تسري فيه الحياة، تُحضر النساء طعام الإفطار للضيوف، يتلو الموجودون القرءان في الدور الثاني، تتهادى أصواتهم، ينشغل آخرون بإعداد القاعة لدروس ما بعد صلاة التراويح، تختلط روائح الطهي والمسك والبخور، تغمر السكينة الساحة كما تفعل منذ 40 عاما، يستفيق الدح مرة أخرى، يدخل المضيفة التي ما عادت تستقبل أحدا، غُلقت ككل شيء بسبب فيروس كورونا المستجد، يفتقد أجواء رمضان داخلها، يصعد السُلم منتظرا بضعة أصدقاء له، دعاهم للإفطار، لعلهم يستعيدون دفء الشهر المعظم.

في منطقة الدراسة، بين مسجدي الأزهر الشريف والحسين، تقع مضيفة الشيخ سعيد الدح داخل زقاق صغير، يعرفها آل المنطقة باسم "الساحة"، لها حكاية قديمة؛ في مطلع الثمانينات أراد الشيخ سعيد الدح أن يكون للطريقة الأحمدية الشاذلية مكانا في القاهرة، ينشر العلم الصحيح، وليس القائم على خُرافات أو تصورات خاطئة "إحنا من زمان جدودنا مشايخ ومجالس الذكر مكانتش بتنقطع من بيتنا".. يتذكر أحمد سعيد، ابن صاحب المكان والقائم عليه حاليا.
كان أثر الوالد والعم الأكبر الشيخ حسن الدح موجودا في مركز إسنا بقنا حيث عاشا "حاولوا ينشروا العلم منين ما يروحوا"، وبعد إنشاء المضيفة باتت تابعة المجلس الأعلى للشئون الصوفية.

صورة 1

منتصف مارس الماضي توقف كل شيء. لم تكن الساحة استثناءً من قرارات غلق المساجد "كنا بنستعد لمولد السيدة زينب"، لكن الدح رغم الضيق، يُدرك أهمية القرار "ببيجي لنا طُلاب من كل دول العالم غير المصريين مينفعش نعرض أي حد للخطر".

صورة 2

تربّى الدح داخل الساحة، لا تغيب عن ذهنه مشاهد "أهل الله". كان يجلس قبالة والده والشيخ عبدالمعز، أحد أعلام المكان، يتابعهما إذ يُفسران آيات القرءان، يحرك الموجودون رؤوسهم من الإعجاب. ثمة أشياء لم تُفرط فيها الساحة أبدا؛ مجلس المديح في الرسول والذكر والقرءان وإطعام القادمين "والدي كان دايما يقولي إطعام الناس باب كبير لوصل ربنا والناس"، حينما تُوفي الشيخ سعيد ظل الابن محتفظا بشكل المضيفة، زاد عليها دروس أكثر للعلم "الحمد لله شيوخنا من مؤسسات الأزهر أو الأوقاف وهدفهم نشر الدين الوسطي".

تتكون الساحة من 3 طوابق، لم يغفل أصحابها تخصيص دور للنساء ليستمعوا للدروس، في الطابق الثاني حيث القاعة الكبيرة، استند الابن للحائط، تعلو رأسه صورة والده المُعلقة، تحلق حوله سبعة من المترددين الدائمين على المكان، لهم داخله ذكريات لا تنضب، أو كما يقول الشيخ عظيم الدين "أشعر بالأمان هنا أكثر من أي مكان آخر حتى منزلي".

صورة 3

قبل عشرة أعوام جاء الشيخ عظيم الدين إلى مصر من دولة جُزر القمر، درس الدعوة بجامعة الأزهر وصار يقوم بعمله بين مصر وفرنسا، لكنه يجد الراحة دائما في المضيفة، اعتاد الذهاب عدة مرات بالأسبوع، أما رمضان "فكان فرصة للقاء الأحبة ومجلس الحضرة".

بين حين وآخر، يُنظم القائمون على الساحة دروسا عبر الإنترنت، يحضرها صاحب الـ32 عاما "لكن أثرها ليس كالحضور هنا، شيخي يخبرني دائما أن أنفاس الأساتذة بركة وهذا ما حُرمنا منه الآن"، يقول عظيم الدين.

لم يكن ممكنا أن يجتمع الدح بأصدقائه، دون سماع القرآن بصوت أحدهم. اعتدل الشيخ محمود-شقيق عظيم الدين- في جلسته، يقرأ بضع آيات من سورة الفتح، يخشع الجالسون، يفرغ الشيخ من قراءته، يُثني أصحابه على صوته، ويستطرد الدح "والله افتقدنا صوتك يا أخي".

صورة 4

كان الدح الابن يُقسم الوقت في رمضان بين الساحة وعمله في التجارة "كنت لازم أقضي أيام الأجازات بطولها هنا"، لم تتوقف المضيفة عن استقبال زائريها طوال العام وخاصة الشهر الكريم "حتى لو أنا مش موجود فالشباب هنا بيكونوا عارفين يتصرفوا"، حين ينظر للقاعة الخالية إلا منه وضيوفه، يتذكر الساعات السابقة لأذان المغرب تحديدا، لا ينسى والده إذ يتخذ مجلسا وسط الضيوف، يطوف بينهم، يسأل عن أحوالهم، لا يأكل إلا وقد تأكد من تناولهم الطعام "وممكن ياكل مع حد ميعرفوش، ولما أسأله يقولي إكرام الضيف إنك تودّه، تحسسه إنه مننا".

صورة 5

مر علماء كثيرون على الساحة "حتى المشايخ الكبار ولادهم على صلة بينا وبييجوا"، يتذكر منهم الدح أبناء الشيخ محمد عمران ومحمد محمود رمضان والنقشبندي وغيرهم، منذ أكثر من 5 سنوات قرر القائمون على الساحة تسجيل الدروس "وده نفعنا دلوقتي وبقينا نعرض جزء منها"، أما الأذكار التي اعتادوا الاجتماع كل أحد على ترديدها "بقينا نجتمع على زووم ونقولها أو حد يسجلها ويبعتها للناس"، يحاول الدح التأقلم على الوضع، يُردد "صحيح اللي حصل دا صعب.. بس أصعب ما فيه إنه فكّرنا بأد إيه الساحة مهمة ولها أثر عظيم في حياتنا".

صورة 6

ما أن وصل الشيخ عظيم الدين وشقيقه للمضيفة، لحق بهم أربعة شباب آخرون، كانت الساحة مأواهم الثاني أيضا، جاءوا من إندونيسيا قبل حوالي 11 عاما ليدرسوا في الأزهر، بعضهم الآن يستكمل الدراسات العُليا كالشيخ مرتضى البشري الذي يُحضر ماجستير في الحديث.

تعرّف مرتضى على الساحة من أحد أصدقائه، نشأت ألفة بينه وبين آل المكان "أنا كمان روحت زورتهم في إندونيسيا"، يقول الدح. لرمضان ذكريات تُسلي قلب الطالب الإندونيسي، حين يستعيدها تطيب نفسه قليلا رغم الظرف الحالي.

صورة 7

"كنا مجموعة من الطلاب، نتوزع بين الإفطار في المسجد الأزهر أو الساحة هنا أو مسجد الحسين"، يسترجع الطالب الثلاثيني مشهد الحلقات في ساحة الأزهر الشريف "كان الناس يجتمعون عقب صلاة التراويح للقرآن والذكر، حين أمر الآن بالمسجد أشعر بالحزن"، منذ مجيئه لمصر، انقطع مرتضى للعلم والعبادة، انحصرت حياته بين الساحة لحضور دروس العلم والمساجد "وحينما اُغلقت تلك الأبواب أصبحت الحياة باهتة".

صورة 8

لم يتوقف الأمر حد ذلك؛ كان الشاب يقضي جزء من رمضان في وطنه، ومع تجميد حركة الطيران بقي مرتضى بالقاهرة ذلك العام، لا سلوى له سوى رؤية بعض الأصدقاء وتناول الإفطار داخل منزلهم، أو مشاهدة بعض الدروس عبر الإنترنت "ولو أنها لا تُغذي روحنا مثل مقابلة الشيوخ".

صورة 9

مازالت المجموعة المفتقرة لـ"اللمة" القديمة تُنشد سويا. يأتي الشيخ رحمات، الطالب الإندونيسي بالأزهر الشريف، ينطلق صوته متغنيا بالمديح.. "إن في الجنة نهرا من لبن.. لعليٍ وحسين وحسن"، يُردد خلفه المحيطون، تختفي مسحة الحزن من وجه الدح، يندمج مع الأنشودة، تستمر جلسة الذكر لـ20 دقيقة، ربما ينقصها وجوه كثيرة، إلا أنها تنثر دفئًا قليلا في المكان، حتى يقول أحدهم "أول مرة نحس برمضان انهاردة".

لم يذهب الدح للمضيفة سوى مرتين منذ الإغلاق "بنحاول ننضفها ونعقمها ونجهزها"، لا ينفك يحلم لإرث أبيه "بنينا واحدة بتقدم نفس الخدمات في إندونيسيا وجاهزة للعمل".

صورة 10

يعرف ابن الشيخ سعيد أن الأمر مؤقت وإن طال، يمنّي نفسه ومحبي المضيفة بمجالس أخرى ينعمون فيها بالذكر، فيما يستمر الود بين الزائرين والشيوخ وأصحاب المكان، ينتظرون أول فرصة للقاء بعد انتهاء الغمة.

تابع موضوعات الملف:

ليالي الذكر في رمضان.. غروب مؤقت بسبب كورونا (ملف خاص)

بالصور- إنشاد رغم كورونا.. فرقة "القبة الخضراء" تُحيي فرحة رمضان في المنزل

من السفر لـ"حبسة" البيت.. كيف يقضي أصغر قارئ بالإذاعة رمضان الحالي؟ (صور وفيديو)

من طنطا والقلوبية.. قصة مُنشدين منعهما "كورونا" عن جلسات الذكر

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان