صورة وحكاية (15)- العالم الخاص لأسامة أنور عكاشة
تصوير- حسام دياب:
كتابة: شروق غنيم:
كانت إسكندرية الملاذ؛ حين يبدأ الكاتب أسامة أنور عكاشة في مشروع جديد يسافر إلى هناك، يفرض على نفسه عُزلة اختيارية، بين الأوراق يقضي عشر ساعات يومية في مكتبه المُطل على البحر، يخلع شخصية الكاتب ويتوحد مع عالمه الجديد "زي الممثل كدة لما يدخل في الشخصية، بس الفرق إن الكاتب بيعايش سوق بحاله"، يعكف على أوراقه، ويعيش حالات أبطاله المختلفة، مشاعرهم، لحظات الفرح والخذلان، ينسى العالم الخارجي وما يدور حوله حد "إني لما بخلص كتابة بكتشف إني دخنت بشكل مؤذي، لو طبيب شافني هيأمر بالحجر عليا وحبسي"، كما يحكي في أحد حواراته التلفزيونية.
كان عكاشة مُحبًا للناس، يختلط بهم، يسمع مشاكلهم، وجهات نظرهم في الحياة، يُبصر تفاصيلهم اليومية، ويتعلم لغتهم. لم ينقطع عن "اللف في الشوارع" لمقابلتهم "حافظ القاهرة زي خطوط كفي"، وحين يبدأ الكتابة لا يغيب الناس عن أوراقه "أحب كل شخصية تتكلم بلسانها والبيئة بتاعته.. سليم البدري بيتكلم بلغة صاحب القهوة المعلم ابن البلد مش بلغتي أنا"، كان يتخفى وراء شخصياته، لذا لم تغب أبدًا أعماله عن الوجدان، مسّت الناس وانطبعت داخلهم لأنها تُعبر عنهم، لذا لم يكن غريبًا أن يُسمي أحدهم مقهاه في الإسكندرية باسم مسلسله "ليالي الحلمية".
شكلت الأماكن رُكنًا مهمًا في حياة الكاتب الراحل كما في أعماله، كان له حياة داخل العاصمة وأخرى في الإسكندرية "لما كان يحب يغطس ويختفي يروح هناك"، يذكر المصور الصحفي حسام دياب، الذي صور عدة لقاءات وحوارات مع الكاتب الراحل في منزله بمنطقة الهرم، غير أن الصورة التي يرى فيها روح عكاشة، وهو جالس على المقهى الذي يحمل اسم عمله،
ويتصرف بتلقائية وسط الناس الذين أحبهم وعاش لسرد حكايتهم.
في شتاء 1992، دعى عكاشة رفيقه المصور حسام دياب والإعلامي محمود سعد لزيارته في الإسكندرية "اتمشينا على الكورنيش وقعدنا على القهوة اللي بتطل على البحر"، كان يجد راحته هناك، في حواراته المتعددة عبر عن عشقه لعروس البحر المتوسط "ده المكان اللي أحب أتواجد فيه باستمرار وأحب أعيش حياتي فيه"، كان بالنسبة له هُدنة من زحام القاهرة
"وكل الارتباطات والمشاغل هناك.. وقتي بيضيع هناك وإنتاجي بيكون قليل"، لكن في الإسكندرية أقدم مدينة في مصر ثقافية وفنية كما يقول "وقتي ملكي".
كانت صومعته الخاصة التي يُنهي فيها مشاريعه، ومصدر إلهامه المتجدد،
في الثمانينات بينما يُطل على مشهد الكورنيش في الإسكندرية، يُبصر مشهد البحر البديع "لقيت مشهد جديد عليا، مجموعة من العلب الخرسانية القميئة كاسرة الجمال ده ومضيعاه.. توقفت أدام المسألة وقولت راحت فين الإسكندرية والكورنيش؟" اختمرت الفكرة بعقله وانكفأ على كتابة
مسلسل الراية البيضاء الذي عُرض عام 1988 ليحكي عن مقاومة القُبح.
منذ الستينات وبدأ عطاء عكاشة للكتابة، تخلى عن وظيفته من أجلها، وفي عام 1977 دخل عالم الكتابة التلفزيونية، يجود بحب في بناء شخصياته، وحياكة مشاعرهم في كل مشهد، كلمة. رسم عالم كامل في شغله التلفزيوني "في 3 أعمدة واضحة في شغلي في التلفزيون.. أنا مدين للزمن والمكان والشخصيات.. المكان يفتني دائمًا"، لذا ظل طوال حياته يُجسد
حكايات الناس والشارع المصري عبر قلمه "مخلتش مكان في مصر مروحتوش".
اقرأ المزيد:
صورة وحكاية.. جولة عبر الزمن بعدسة المصور "حسام دياب"
صورة وحكاية (1)- خروج آخر جندي إسرائيلي من رفح
صورة وحكاية (2)-"البابا شنودة" داخل ملاذه الروحي ومستقره الأخير
صورة وحكاية (3).. "كوباية شاي".. الطلب الأخير لقاتل قبل إعدامه
صورة وحكاية (4) في الصعيد الجواني.. مغامرة الأطفال مع قطار القصب
صورة وحكاية (5).. الغرفة 441 وأيام "الحكيم" الأخيرة
صورة وحكاية (6).. ضحايا النزاع: طفل فلسطيني يحمل سلاحًا أكبر منه
صورة وحكاية (7)- من منزله .. جلسات الشيخ "الشعراوي" مع مريديه
صورة وحكاية (8) معسكر المنتخب أفريقيا 96.. تراويح وقرآن بعد التمرين
صورة وحكاية (9).. لأجل القدس أُصلي
صورة وحكاية (10)- هدف ببطولة إفريقية.. الأهلي لم يركع في "رادس"
صورة وحكاية (11)- في قلب الصحراء الغربية.. أسطورة واحة الجارة
صورة وحكاية (12).. أيام الضحك والبكاء في مسرح "الزعيم"
صورة وحكاية (13)- بعيدًا عن صخب العاصمة.. يوم في حياة فلاحة مصرية
صورة وحكاية (14)- في سيناء.. أسلحة إسرائيلية مُدمرة شاهدة على النصر
فيديو قد يعجبك: