بالصور-فرحة في المخيم.. خطوبة "سميح وريان" توثق اللجوء الفلسطيني
كتبت-إشراق أحمد:
تصوير- عمر أحمد:
في شاتيلا، جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، تدور الحياة؛ يسكن سميح مازن المخيم بعد خروجه من سوريا، يبيت معه الخوف من القادم كل ليلة؛ تتحطم الأحلام على عتبة الحرب، ويذوق الشاب الفلسطيني معاناة اللجوء بشكل لم يعرفه من قبل رغم إقامته في مخيم اليرموك بالأراضي السورية. يغادر سميح كل شيء، ويكاد يفارق الأمل هو الآخر، لولا أن تداركته فرصة دراسة الإعلام ويد خطيبته ريان سكر؛ تبدل به الحال على مدار أربعة أعوام، لذا حين عقد خطوبته على رفيقة الدرب، قررا معًا أن يوثقان الحدث السعيد في المكان الذي جمعهما، وبما يشبه حياتهما كلاجئين فلسطينيين.
قبل يومين، نشرت ريان جلسة تصوير خطوبتها على صفحتها بـ"فيسبوك". انقضى نحو أسبوعين على اللحظة البهيجة، لكن ردود الفعل على الصور أعادت الفرحة لقلوب العروسين، كأن احتفالهما للتو؛ كانت اللقطات لسميح وريان بالطرقات، داخل زقاق وعلى مقاعد الحافلة، بين سيارة مُحطمة وأكياس قمامة، يجلسان على عتبات المنزل ومحال الخضار. لملم العروسان تفاصيل الحياة التي أعتاد عليها أهل المخيم، ومهما منهم، ونقلاها في احتفالهما.
كان فعل العروسان جديدًا على سكان شاتيلا "يلي بيخطب بالمخيم بيطلع على وسط بيروت. يتصور بجانب المباني الفخمة الطويلة أو أزهار الحدائق"، لم يرغب سميح وريان أن تخرج لحظتهما مصطنعة؛ اقترحت ريان التصوير في المخيم، أينما تخط أرجلهما يوميًا حاملين الكاميرات أثناء عملهم كصحفيين لنقل صوت اللاجئين، أخبرته "لازم نتصور بالمكان يلي بتشوفه حلو بكل حالاته"، وبالفعل نفذا الفكرة بعد أسبوع من إعلان الخِطبة.
دارت أقدام الخطيبين في المخيم، لاحقهما الصغار وصورهما الجيران عبر هواتفهم المحمولة، فيما فاجأهما أحدهم بقول "لك يا عمي الناس بتروح تتصور بمكان أحلى من هون". عبر جولة امتدت لنحو ثلاث ساعات ونصف، اتضح لسميح وريان جانب آخر من الصورة كما يحكي الشاب الفلسطيني لمصراوي، قررا أن يحمل توثيق لحظتهما الخاصة رسالة لأهل المخيم، يخبروهم أن يظلوا على طبيعتهم البسيطة، يدفعونهم لتقبل أنفسهم رغم الأوجاع "نحن نحلم بأن يكون لنا حقوق. نحلم بأن نعود إلى وطننا، لم نحلم يومًا بالقصور. نربي أشجارًا صغيرة أمام المنزل لكي نشعر بالحياة نكتب عبارات تمدنا بالقوة على الجدران. نجلس مع بعضنا في الطرقات نحب بعضنا كعائلة واحدة دائماً رغم كل المشاكل".
تخيلت ريان وقوفها جوار سميح بينما تحيطهما تفاصيل المخيم؛ الجدران الهشة، الأسلاك المتشابكة، حبال الغسيل، طيور الأسطح، فيما تردد سميح "شيء جريء. أنا أول مرة بكون بثياب رسمية وعم أتصور بزواريب المخيم –الأزقة". لم تكن علاقة الشاب بـ"شاتيلا" مثل ريان المولودة فيه، وتخرجت في الجامعة العربية ببيروت، بالكاد اعتاد سميح الحياة بالمخيم اللبناني منذ قرابة أربعة أعوام، قبلها ما رأت عيناه سوى "الجو الكئيب والغربة والناس الجداد" وكم لا نهائي من الممنوعات "ممنوع العمل. التعليم. التملك.. ممنوع كل شيء"، فاللاجئ الفلسطيني في الدستور اللبناني لا يحق له ممارسة ما يربو من 73 مهنة.
انتقل سميح إلى مخيم شاتيلا وهو بعمر الخامسة عشر عامًا في 2013، بعدما دفعت الحرب السورية بأسرته خارج مخيم اليرموك، أصبح على الفتى حينها التكيف مع الواقع الجديد؛ استبدال الحياة من مكان يشبه المدينة إلى آخر يضيق على أصحابه، وتوقف التعليم المدرسي، إذ لم يعد متاحًا بعد ضياع الأوراق؛ تخبط الشاب "ولا مرة فكرت أني بس أكبر شهادة الجامعة راح تكون عالحيط. كنت لاجئ باليرموك بنفس الحقوق يلي يتمتع فيها المواطن السوري"، كانت الأحلام زاد اللاجئ الفلسطيني، طالما سعى أن يكون طبيبًا يُقر عين والديه إلى أن دوت القذائف في سوريا.
كان صاحب الثلاثة والعشرين ربيعًا على شفا اليأس، خَشي أن يُصبح مصيره مثل الكثير من شباب المخيم "ما عنده غير فرشة مهترئة بأحلام مهترئة"، لكن الحياة عادت إليه مرة أخرى بالدراسة في أكاديمية دويتش فيله الألمانية، أكمل تعليمه وحصل على شهادة في مجال الصحافة، ومعها ميثاق آخر؛ التقى الشاب بريان، كانت هي الأخرى تدرس في الأكاديمية عام 2016، تعلق قلب سميح بالفتاة القوية، المنفتحة والمثقفة، أخفى حبها، لم يشغله فارق العمر بينهما، إذ تكبره بعام، ولا المردود المالي القليل في بداية العمل، صمم ألا يفارقها "ضليت وراها حتى حبتني" يبتسم الشاب، ففي عام 2017 تلاقت ضفة حفيد المزارعين في "قضاء صفد" الفلسطيني، بشاطئ البحّارين، حيث ترجع أصول ريان إلى مدينة يافا.
في اليوم ذاته الذي تصارحا بما يُكنه قلبيهما، عقد سميح وريان الخِطبة 24 يونيو الماضي. تعاهدا على السير معًا، أن يظلا سندًا لبعضهما البعض كما كانا طيلة الفترة الماضية "أنا وريان تساعدنا بكل شيء. طورنا من نفسنا وصرنا نصور أفلام ونمنتج كل شيء من الألف للياء".
جمعت الصحافة بين الخطيبين، تشاركا العمل والهموم "بكل تقرير، بكل زر تصوير، بكل حرف تحضير لموضوع ريان كانت موجودة"، رافقت المحبة الشريكان في كل شيء وأولها المكان الذي يقيمان فيه، فساهما في إطلاق منصة صحفية تسمى "كامبجي campji" تهتم بنقل حياة اللاجئين، حتى أنهما أثناء جلسة التصوير الخاصة بهما، ظن البعض أنهم يصورون "اسكتش" جديد عن اللاجئين في المخيم.
تغيرت علاقة سميح بشاتيلا، يُدين بالفضل في ذلك إلى ريان والصحافة "هي يلي بلشت –بدأت- تقربني من الحياة بالمخيم وتعودني علي الناس وتحببني فيهم"، رويدًا صار للشاب صديق وراء الآخر، ولم يعد أحد بالمخيم يجهله "كلهم ينادوني سميح كمباجي وكأنه اسم عيلتي". أصبح للمخيم معنى آخر في نفس سميح، يود أن يصاحبه في كل تفاصيل حياته، حتى أنه اتفق مع ريان على تكرار تجربة التصوير ذاتها وقت العرس، لكن في مخيم آخر، لم يحدد العروسان المكان بعد، ففي لبنان 14 مخيمًا، يفكر سميح وريان أن يحملا قلبيهما إليها "ممكن ناخد صور فيهم كلهم وكل مخيم بالأشياء يلي بتميزه".
فيديو قد يعجبك: