"أصحاب المقامات العالية" (7)- "أبي البركات" الذي يفتح الأبواب المغلقة
كتبت-هبة خميس:
في حارة صغيرة خلف الجامع الأزهر في حي الدرب الأحمر بمنطقة درب الكعكيين، وبجوار مسجد سيدي يحيى بن عقبة يقع مسجد سيدي أحمد الدرديري العالم الكبير، يتكون المسجد من ساحة صغيرة وغرفة تحوي نسل الشيخ، وغرفة أكبر تحوي مقام الشيخ الراحل، ومكتبة علمية تزخر بأمهات الكتب، وتم تجديد المسجد و إعادة افتتاحه عام 2013.
وبالقرب من المسجد في منطقة الغورية تقع ساحة العلم الخاصة بالشيخ التي كان يدرس فيها علوم القرآن، وتسمى بقاعة الشيخ والتي كانت أشبه بمدرسة في وقتنا هذا.
في عام 1127 هجريًا وُلد الشيخ أحمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي، والشهير بالشيخ أحمد الدرديري بقرية بني عدي، التي تسكنها قبيلة بني عدي القرشية في الصعيد، ينتهي نسب الشيخ إلى الفاروق عمر بن الخطاب، ولقبّهُ الناس بالدردير تبركًا باللقب المشتق من رجل مبروك مشهور بين الناس، لذا التصق اللقب بأحمد بن أبي حامد ليصبح الشيخ أحمد الدرديري.
بالقرب من الأزهر يتوافد الناس طالبي الرحمة والمغفرة لضريح الشيخ القريب من الأزهر الشريف، في منطقة تنضح بالبركة والكرامات والسير العطرة لسكانها من أولياء الله الصالحين، يقصد الناس الشيخ دائمًا مثلما كانوا يقصدونه حيًا، ويرددون المثل الشهير المأخوذ عنه "اركب الحمارة واقضي العبارة" تعبيرًا عن سرعته بقضاء حوائج الناس.
حينما أتمّ سيدي "أحمد الدرديري" ثلاثون عامًا حزم أمره ومتاعه لسلك طريق التصوف والعلم والزهد، فذهب إلى شيخ الأزهر وقتها "شمس الدين الحفني" ليضعه على بداية الطريق، فيقول عنه الشيخ عبد الحليم محمود في كتابه "أبو البركات ..سيدي أحمد الدرديري" أنه حينما لقنه الشيخ "لا إله إلا الله " مكث بعدها الدردير حتى أحرق الذكر جسده لفرط الإيمان، وأطلق الناس عليه اسم "أبي البركات" فكان كلما صادف أحدًا جرى الخير والبركة بين يديه، فأحسّ الناس بتلك البركة التي أصابتهم بفضله.
بعدما تلقن الشيخ العلم من شيخ الأزهر استمر بإعطاء الدروس بالجامع الأزهر، وكتب الكثير من المؤلفات الفقهية التي مازالت تُدرّس على طلاب العلم حتى الآن، واتخذ لنفسه زاوية بالمسجد للتعبد وتلقين العلم، وبنى محرابًا خاصًا به للتعبد حتى تولى إمامة الجامع الأزهر، وبالرغم من مصابه الكبير إلا أن الجبرتي روي عنه أن الوالي العثماني أجبر الناس على السخرة في بعض الأعمال وأغلق عليهم باب القلعة، فاستنجد الناس بأبي البركات الذي دلف إلى القلعة، وكلما استعصى عليه باب دعى الله فيفتح الباب له حتى حرر الناس من الظلم، ولم يمنعه أحد عن الوقوف في وجه الظلم.
واشتهر عنه تحرّيه للحلال في المأكل دائمًا، فلما تولى الوالي العثماني الجديد مصر وأراد زيارة الأزهر، حتى يستميل المشايخ نحوه، فرأي الدرديري جالسًا مادًا قدميه يقرأ القرآن، فغضب الوالي فعملت حاشيته على تهدئته، فأرسل للدرديري صرة من النقود فلم يقبلها الشيخ، وأرسل للمبعوث ليقول لواليه "من مد رجليه ليس له أن يمد يديه"، وفي موقف آخر دعي الشيخ لمأدبة الوالي، لكنه لا يأكل المال الحرام، فجلس على المأدبة يتمتم والغضب بادي على وجهه ، فنظر إليه الوالي: أتعصى ولي الأمر يا شيخ أحمد ؟
فأجابه "والله لولا علمي بأني إن تخلّفت فسيتخلف خلق من الناس والطلاب وأتسبب في جلدهم، ما كنت لبيت دعوتكم ولا جلست على موائدكم، وأنتم تعرفون أني لا أحب القرب من السلاطين ولا العمل في الدواوين، ولا أحب أن آكل شيئا لا أعرف من أين اكتسب ولا ممن أُخذ وغُصِب"، فقال الوالي وقد أدرك أنه بلغ غايته من الشيخ، وأنه سوف يرتكب خطأ يسجن بسببه "أتزعم أن مالنا حرام يا شيخ أحمد، وليس لديك بينة ولا دليل؟ هذا قذف للناس واتهام لضمائرهم، وأنتم
معشر الفقهاء أعرف الناس بحكم القذف والتشهير"، فأجابه الدردير "إن كنت تريد دليلَا فهاك الدليل"، وأمسك في قبضته بحفنة من الأرز أخذها من الطبق .وعصرها، وقال "اللهم أظهر الدليل والحجة على عيون الناس"، فنزل منها دم كأنه دم إنسان
في العام 1201 هجريًا مرض الشيخ أحمد الدرديري و توفي، وصلى عليه بالجامع الأزهر، وحزن على وفاته جموع المصريين، وحينما دفن اختار الناس الزاوية الصغيرة التي أنشأها خلف الجامع الأزهر ليدفن فيها بالقرب من مسجده الحبيب.
المصادر:
كتاب الشيخ عبد الحليم محمود "أبي البركات . سيدي أحمد الدرديري"
مؤلفات الجبرتي
كتاب "موسوعة مساجد مصر وأولياؤها الصالحين"
فيديو قد يعجبك: