حكايات التهجير والتراث.. هبة تستعيد نفحات فلسطين بالتصميمات الفنية
كتبت-دعاء الفولي:
تتذكر هبة ياسين جيدا أحاديث والدها ووالدتها عن فلسطين؛ منزل عائلتهما في قرية صفورية بمدينة الناصرة، قصص الجد والجدة عن الأراضي المقدسة، وكيف تم تهجيرهم ضمن عائلات أخرى لمخيمات جنوب لبنان، وُلدت صاحبة الـ26 عامًا في وطن اللجوء وكذلك والداها، علاقتها بفلسطين حكايات متفرقة؛ أفلام، صور لمجازر ارتكبها جيش الاحتلال، وعائلات في الشتات، لم تمت الأسئلة داخلها يومًا، غير أن الرسم ظل رفيقها طوال تلك الرحلة، يسرد آلام البُعد عن الأرض، ويُمنّيها بعودة رُبما يومًا ما.
داخل مخيم بجنوب لبنان حيث عاشت هبة سنواتها الأولى، لم تنقطع علاقتها فلسطين، اعتادت سماع أغاني الوطن من مذياع مجهول في أرجاء المكان، كانت هي وأصدقائها يلعبون بالحجارة كأقرانهم داخل الأراضي المحتلة "كنا مرتبطين فيها حتى ونحنا بعاد عنها، كنا نشوفها بكل مكان، بصور الشهداء والعبارات على الجدران مثلاً، وهاد دفعني ارسم رسمة بتعبر عن كيف كنا نشوف فلسطين في المخيمات".
في البداية درست هبة الإعلام "بس مشاكل في المنحة جعلتني أتوقف، وقتها اتخصصت بالجرافيك"، كانت تلك العلامة التي تحتاجها الشابة الفلسطينية "وأدركت إني بحب الرسم الديجيتال أكتر من الرسم العادي عشان بقدر أعبر عن التفاصيل بصورة أوضح"، كانت عملة فلسطين أول عمل من إنتاجها عام 2015 "ما كان عندي أي خبرة بتصميم العملات"، لكنها أرادت المشاركة على أي حال، غير أن المسابقة تم إلغاءها في اللحظات الأخيرة وخبأت الشابة التصميم حتى نشرته لأول مرة في مايو 2016، بذكرى النكبة.
ردود الفعل التي استقبلتها هبة عبر موقع تويتر شجعتها على الاستمرار، أصبحت أكثر تركيزًا على مشروعات فنية لأجل فلسطين، بات مشروعها الأساسي قائم على رسم التراث الفلسطيني بشتى صوره "سواء الملابس.. الأماكن والمدن.. القُرى المهجرة.. الثقافة الفلسطينية وغيرها"، كانت الشابة تتعرف على وطنها من جديد مع كل تصميم، غير أن ذلك لم يكن ليعوض الفقد "هو احساسي إنه أنا حابة اقدم شي لبلدي، يعني كنت بشوف ناس بتكتب روايات وشعر عنها، ناس بتتكلم عن تاريخها، لهيك كنت بقول إنه لو رسمت أنا حقدم شي ولو بسيط لفلسطين.. لكن ما فيه شيء يعوضني عنها"، لم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ نشرت الشابة أيضًا من خلال تصاميمها قصص الجدات الفلسطينيات وأغانيهن القديمة والألفاظ الفلسطينية.
تعتمد الشابة في عملها على Adobe illustrator و Adobe photoshopوالبرامج الأخرى المستخدمة للتصميمات الفنية، لا يتعلق الأمر بالرسم فقط، فهي تحاول نشر القضية ما استطاعت لذلك سبيلاً، فتصمم نتيجة سنوية لأجل فلسطين، وتُركز فيها على الأيام المتعلقة بأحداث فارقة كتواريخ المجازر ويوم الأرض، تحكيها داخل الرُزنامة، فيما تهتم أحيانًا بتحويل لوحات شهيرة لأخرى ذات طابع فلسطيني "ما بحب أركز على أسلوب معين فقط".
رغم أن حياة هبة تدور حول الرسم عن فلسطين، لكن ثمة شيئًا ناقصًا "بسأل حالي لإمتى راح نضل نشوفها فقط بالرسومات والصور؟"، باتت تنتظر أي فرصة للحكي عن وطنها خاصة مع كبار السن، من عايشوه قبل الاحتلال، فيما تحتفظ عائلة الشابة بتسجيل وصل إليهم عام 2000 من أعمامها وأقاربها الذين مازالوا بالناصرة "ونحنا صغار جات هاي الرسالة... هي كانت مكتوبة مع شريط فيديو لهم"، كان عُمر هبة وقتها 6 أعوام فقط "وكانت أول مرة نشوفهن فيها.. كنا نعرف أساميهم بس".
متابعو هبة وأصدقائها وعائلتها لم يتوقفوا يومًا عن دعمها "بيضلوا يحكولي رسوماتك كتير جميلة" وتُذكرهم بالرسامين القدامى "بحب كمان لما يحكوا لي إنتي مفروض ترجعي فلسطين مش تكوني لاجئة". تتمنى هبة أن يكون لها متجرًا خاصًا تعرض فيه أعمالها لأجل فلسطين "لكن للأسف سوء الأوضاع الاقتصادية بلبنان يمنعني من ذلك"، وحتى ذلك الحين، تعرض الشابة رسوماتها بمنصتها الشخصية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتلفت الأنظار للقضية الفلسطينية قدر استطاعتها.
فيديو قد يعجبك: