حكايات مُحبي "تشابلن".. "عبقري وخبير في إضحاك الناس"
كتبت-هبة خميس:
في أيام الطفولة التي قضاها "محمود راضي" خارج مصر في إحدى دول الخليج، لا يملك أي ذكرى عن "تشارلي تشابلن" وفيلمه "الطفل"، سوى ذكرى عن الفيلم العربي، دهب، الذي اقتبس من فيلم، الطفل، لـ"تشارلي تشابلن"، في الفيلم يلتقط المتشرد "أنور وجدي" الطفلة "دهب" من الشارع، بعد أن تخلت عنها أمها، فيقوم بتربية الطفلة لسنوات قبل أن يقابل عائلتها الحقيقية "لما كبرت اتعرفت على الفيلم الأصلي وحبيته جدًا، وأول معرفتي بتشابلن كانت من صورة شفتها له مع الطفل بطل الفيلم".
بعد سنوات سيكمل راضي الرابعة والثلاثون، ويعمل بالترجمة ويشاهد معظم أفلام "تشابلن"، لكن ستظلّ تلك الذكرى من الطفولة، حينما يشاهد أفلام تشابلن، بالذات فيلمه المميز، الطفل "الفيلم أول مرة شفته لقيته مبهج جدًا، وفيه حس عالمي يخلي أي مشاهد من أي مكان في العالم يتعاطف معاه، ومع شخصية المتشرد نفسها".
الأثر الذي تركته أفلام تشابلن في نفس راضي كان عميقًا، للدرجة التي جعلته يبحث عن أسباب تأثره العميق ذلك، ومن وجهة نظره أن الممثل الكوميدي لم يفرض نفسه على حكاياته البسيطة التي حكاها بدون كلام، ففي فيلم "أضواء المدينة" قصة عميقة، وبها مسحة من الحزن عن فتاة عمياء تقع في حب المتشرد الذي ظنّته من الأغنياء، وفي فيلم "الديكتاتور" مُحاكاة ساخرة لشخصية هتلر "من الحاجات اللي علقتني بتشابلن إنه بيعتمد على الصورة الجميلة في توصيل المعنى، وهو مخلص للكوميديا ورسالته الوحيدة هي إضحاك المشاهد، وده نجّحه وخلى الناس تحبه".
بالنسبة لـ"محمود النوري" ذوي الثامنة وعشرون عامًا، ويعمل بالقانون، لم يتعرف على أفلام تشابلن إلا من سنوات قليلة عقب تخرجه من الجامعة "وكان بالنسبة لي اكتشاف، وبعتبره مُخترع الأفلام بشكلها الحديث".
لم يكتفي النوري بمشاهدة أفلام تشابلن المتاحة على الإنترنت؛ فحين عرف عن مذكرات تشارلي تشابلن، بحث عنها طويلًا فلم يجدها لنفاد الطبعات، فقام بطبع نسخة من الإنترنت، كي يحتفظ بها من شدة حبه للكتاب، وقد تأثر بقصة حياته كثيرًا "لأنه شخص عاش حياة ثرية مفيهاش افتعال ومرّ بظروف صعبة جدًا، لكن اتغلب عليها، عبقري لدرجة إنه اتعلم كل حاجة من الواقع، مدرسش سينما ولا كمل تعليمه".
أول فيلم لـ"تشابلن" شاهده النوري هو فيلم "أضواء المدينة"، أحبّه كثيرًا، و قرأ عن كواليس إنتاج الفيلم في مذكراته، واصرار تشابلن حتى يُصدر فيلمه صامتًا في عصر بداية السينما الناطقة، و كيف اعتبره النقاد ينتحر فنيًا بسبب ذلك، حُب "النوري" لتشابلن أثّر فيه لدرجة بحثه طوال الوقت عن معلومات تخصه، و تخص أبطال أفلامه، فيذكر منها قصة حياة الطفل الذي صاحبه في فيلم "الطفل"، فالممثل حقق مبالغ ضخمة أُثناء طفولته، لكن بدد أهله تلك الأموال ليكبر فقيرًا، وبسببه يتم إصدار قانون يحمي حقوق الأطفال من استغلال أهلهم.
دائماً يرى الناقد السينما بعين مختلفة، بوجهة نظر متخصصة في عالم السينما والأفلام، وتُدرك أبعادًا أكبر بكثير من الاستمتاع فقط بالسينما، فيرى الناقد والمترجم "نادر أسامة" أن عبقرية تشابلن سببها الأساسي هو نجاحه في اختبار الزمن بشكل ساحق، فالأفلام مازال الجمهور يحبها حتى الآن باختلاف طبقاته ولغاته، يضحكون ويبكون ويستمتعون بها، لا يشاهدونها فقط من أجل قيمتها التاريخية ودورها في صناعة السينما، ويقول أسامة "تشابلن كان بيقول عن نفسه إنه معندوش إمكانيات كتيرة علشان يضحك الناس، بس محتاج كاميرا وخلاص، لأنه عارف الضحك وعارف منبعه، وازاي بيطلع من البساطة الحقيقية ".
وعي "تشابلن" بحقيقة الضحك، هو السبب الذي يراه "أسامة" منطقيًا لخلود الكوميديا التي صنعها حتى الآن دون فقدان بريقها، ويتفق مع مقولة المؤلف الأيرلندي الشهير "جورج برنارد شو" عن "تشابلن" باعتباره العبقري الوحيد الذي ظهر في السينما، فهو رجل "one man show"، أي فنان شامل يكتب ويُمثل ويصور ويختار كادرات ويؤلف موسيقى ويصمم المشاهد بنفسه "تشابلن بيعتبره النقاد واحد من آلهة السينما"، يذكر أسامة.
من أفلام "تشابلن" المقربة لقلب أسامة فيلم "modern times"، وفيلم "the dictator"، وهم من أفلام السينما الصامتة الناطقة، وهو تصنيف يعتدّ به النقاد على هذين الفيلمين تحديدًا، لأن شابلن لم يرضخ للسينما الناطقة وتحايل على الأمر؛ ففي نهاية فيلم "modern times" يغني البطل أغنية بلغة منطوقة ليست ذات معنى فتشبه الدندنة للسخرية من تيار السينما الناطقة الجارف في ذلك الوقت "كأنه بيثبت للنقاد والجمهور إن السينما هي السينما سواء كانت ناطقة أو صامتة"، وقد أعجب اسامة بفيلم "the dictator" الذي قدم تشابلن مُحاكاة ساخرة لشخصية "هتلر" في الثلاثينات قبل الحرب العالمية الثانية، وهوجم بسببه ووصلت إليه رسائل تهديد من محبي الديكتاتور، لكنه استكمل تصوير فيلمه دون خوف "الفيلم دة اترشح لجوايز كتيرة جدا وأداؤه كان عبقري فيه للدرجة اللي يقال عنه إن هتلر نفسه شاف الفيلم وعجبه ".
فيديو قد يعجبك: