إعلان

بين واقعية وافتراضية.. العزلة تضرب العالم مرتين

06:50 م الثلاثاء 05 أكتوبر 2021

تعطل فيسبوك

كتب- عبدالله عويس:
لا مقارنة بين العزلتين، الأولى فرضها وباء مستجد قادم من الصين، مفرداتها الطيران والحدود والإغلاق على مستويين، الدول والمنازل. وللثانية مفرداتها، هجرة بين تطبيق وآخر، وتوقف صخب الإشعارات والتنبيهات، والثانية وإن بدت أقل وطأة من الأولى إلا أن تبعاتها لم تكن هينة.

هرب الناس من عزلة الواقع، وإغلاق الحدود، وتوقف حركة الطيران، والبقاء في المنازل، خلال أيام من عام 2020 في حالة كورونا، إلى العوالم الافتراضية. زادت معدلات استهلاك الإنترنت. تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي كانت تضج بالمشاركات المتزايدة يوما بعد يوم. وفي العزلة الافتراضية الأخيرة، التي فرضتها منصات التواصل الأكثر انتشارا، هرب الناس من تلك العزلة إلى تطبيقات أخرى، وقليل من نحاها جانبا، ليقضي بعض الوقت رفقة من يحب.

كانت أسماء محمود، في عزلة كورونا، تبحث عن أمور تخفف عنها وطأة ما يحدث، ولم يكن ثمة تسلية متاحة إلا في أحد أمرين بحسبها، شاشة التلفاز، وهاتفها المحمول. والأخير له ما يميزه في ظل فقدان الأول بريقه، منصات لمشاهدة أفلام، وأكثر من تطبيق للفيديو، ومساحة كبيرة للتواصل متمثلة في فيسبوك: «في تلك الفترة كان فيسبوك أكثر ما يهون علي فترة الإغلاق الجزئي، كنت أقضي وقتا كثيرا في المنزل والهاتف لا يفارق يدي».

كانت الشابة تحاول البحث عن مساحة للطمأنينة، ترى في منشورات الآخرين ما يهون عليها تلك العزلة. أحاديث عن «بسكويت العشر دقائق»، وأخرى عن وفيات كورونا حول العالم، وبعض المصابين يحكون تفاصيل ما مروا به على أمل طمأنة الآخرين: «وفي فترة الإغلاق وانتشار الإصابات كنت أخشى على نفسي من الإصابة، لم أكن أترك المنزل، وتوقف عملي في بيع الملابس لفترة بسبب ذلك الأمر».

من جديد تعطل بيع أسماء للملابس مساء أمس. مع تعطل خدمات مواقع التواصل، فيسبوك وواتساب وانستجرام على مدار 6 ساعات، انقطعت فيها أصوات التنبيهات. وحسب البعض أن ذلك الصمت له ارتباط بمشكلات خاصة بأجهزتهم. لكن الأمر كان أكبر من ذلك. «تغيير خاطئ في إعدادات الخوادم» بحسب بيان لفيسبوك، فرض العزلة افتراضيا، على مستخدمي عملاق مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقين تابعين ليه.

ومن بين 7.9 مليار نسمة يعيشون على ظهر هذا الكوكب، فإن 4.5 مليار منهم يستخدمون الإنترنت بشكل عام، فيما يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي من تلك النسبة 3.8 مليار شخص. ما يعني أن 60% من سكان العالم متصلين بالإنترنت، ونحو نصفهم يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب تقرير من «We are social» الصادر عن مؤسسة الأبحاث التسويقية «Hootsuite» خلال العام الماضي.
تقول أسماء إن الـ6 ساعات التي حدث فيها عملية التعطل أثرت على مبيعاتها في الملابس. تتواصل الشابة التي تسكن بأحد أحياء القاهرة، مع زبائنها عبر فيسبوك وواتساب فقط، وتأتيها الطلبات من خلالهما، وتروج لبضاعتها من خلال فيسبوك. الموقع الذي يعد ثاني أكبر منصة إعلانية رقمية في العالم. وتترك الشابة رقم واتساب للتواصل، ومن خلاله ترسل للزبائن صورا للملابس، وقيمتها. ويرسل الزبون عنوانه عبر مشاركة موقعه: «تعطل كل شيء في تلك اللحظات، شعرت بالخوف على عملي».

تعطلت خدمات فيسبوك وواتساب من قبل، لكنها هذه المرة كانت أكثر حدة من كل المرات السابقة. كان العطل عالميا، وليس في نطاق بعينه، واستمر لـ6 ساعات متواصلة: «لم أكن أعرف أني سأشعر بالخوف والملل في آن واحد، تركت كل شيء له علاقة بمواقع التواصل وجلست رفقة أسرتي، تحدثنا في أمور شتى، ربما كانت هذه الساعات القليلة نجلسها معا لأول مرة منذ فترة» قالتها بائعة الملابس، والتي كانت تتمنى عودة تلك المنصات سريعا للعمل، لتبدأ في بيع بضاعتها: «بالطبع لا مقارنة بين خسائري الشخصية في فترة كورونا، وما حدث بالأمس، لكن أكثر هاجس ظل يراودني، ماذا لو امتدت الأزمة لساعات أطول».

خسائر أسماء لا تقارن بما خسره العالم خلال العزلتين، في كورونا انهار الاقتصاد العالمي، إلى الحد الذي صندوق النقد الدولي، للقول إن العالم تكبد أكبر عجز مالي منذ الحرب العالمية الثانية، وأكبر ركود في وقت السلم منذ الكساد العالمي في 1930. وقدر البنك الدولي خسارة الاقتصاد العالمي خلال عامي 2020 و2021 بـ9 تريليونات دولار.

وفي العزلة الأخيرة الافتراضية، فإن مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك خسر 7 مليارات دولار من ثروته الشخصية، في ساعات قليلة، بسبب انقطاع خدمات موقع فيس بوك وتطبيقي واتساب وإنستجرام، وتراجع ترتيبه بقائمة أثرياء العالم. فيما انخفض سهم فيس بوك بنحو 5% مساء أمس الاثنين، بعد عمليات بيع مكثفة للأسهم. وهو انخفاض قدر بنحو 47 مليار دولار. فيما فقدت المنصات التابعة لفيس بوك إيرادات قدرت بـ60 مليار دولار.

«مواقع التواصل الاجتماعي مؤذية وتفتت العلاقات على مدار الوقت، أصبح الناس لا ينظرون في وجوه الآخرين» قالتها هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع، معتبرة أن الإقبال على فيسبوك بهذا الحجم الكبير عبارة عن «إدمان كبير على أصحابه أن يتوقفوا عنه، وهذا الهلع نوع من الإفاقة». يتفق معها مصطفى عبده، الطبيب النفسي، والذي يعتبر مواقع التواصل الاجتماعي، سبق وأن خلقت حالة من التواصل السهل، دون جهد حقيقي، ودون إدراك لطبيعة مشاعر الآخرين، فالاعتماد في التواصل الافتراضي يكون من خلال كلمات مكتوبة فحسب. لكن التواصل في الواقع يعتمد على الرؤية والتواصل بشكل جسدي من خلال السلام مثلا، والضحك بشكل متبادل على المقاهي أو في الأندية. ويعتقد الطبيب النفسي أن الأشخاص حين فقدوا عملية التواصل بشكل افتراضي، تلسموا أسبابا أخرى لتحقيق ذات التأثير، سواء بالاعتماد على مواقع أخرى مشابهة، أو بالعودة إلى الواقع والجلوس مع بعضهم البعض.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان