البشر الأوائل تشابهوا مع القردة.. دراسة تكشف تاريخ الدماغ البشري
كتب محمد زكريا:
لطالما افترض العلماء أن هناك علاقة بين البشر الأوائل والقردة، وظلت تلك الافتراضات محل بحث منذ مئات السنين، لكن دراسة علمية حديثة كشفت أن دماغ الإنسان الحديث تطورت بعد أكثر من مليون سنة من ظهور الجنس البشري، وقبل ذلك كانت متشابهة مع أدمغة القردة العليا (الشمبانزي والغوريلا وإنسان الغاب).
الدراسة التي نُشرت في مجلة "ساينس" المرموقة بعنوان: "الدماغ البدائي للإنسان الباكر"، كشفت أن الدماغ البشري لم يصل إلى ما هو عليه اليوم قبل 2.5 مليون سنة كما كان يُعتقد سابقا، بل بعد ذلك بكثير، تحديدا قبل 1.7 إلى 1.5 مليون سنة.
*البشر الأوائل تشابهت أدمغتهم مع القردة*
تلك النتيجة التي توصل إليها عالما الأنثروبولوجيا الأحفورية في جامعة زوريخ السويسرية مارسيا بونسي دي ليون وكريستوف زوليكوفر، تشير إلى أن الدماغ الفريد للإنسان الحديث قد تطور بعد هجرة الإنسان المنتصب الأول Homo erectus من إفريقيا.
وحول هذا يشرح أستاذ الحفريات الفقارية في الجامعة الأمريكية وجامعة المنصورة الدكتور هشام سلام أنه "بناء على عمليات إعادة البناء الافتراضية للجماجم الخمسة للإنسان المنتصب Homo erectus المحفوظة جيدا من مدينة دمانيسي بدولة جورجيا غرب آسيا، والتي يرجع تاريخها إلى ما بين 1.85 مليون و1.77 مليون سنة مضت، وجدت هذه الدراسة أن هؤلاء الأفراد كان لديهم أدمغة بدائية".
ويتابع سلام في تصريحات لموقع مصراوي: "بينت تلك الدراسة أن الفص الجبهي الأمامي المعقد تطور متأخرا نسبيا، ولم يكن ضروريا لانتشار البشر الأوائل خارج إفريقيا، فلقد أظهرت أحافير دمانيسي أنه منذ حوالي 1.8 مليون سنة كان لدى الإنسان الأول دماغ بدائي يشبه دماغ القردة العليا، مما يدل علي أن تطور الفص الجبهي الأمامي حدث في فتره بعد تلك التي ساد فيها أحافير دمانيسي، أي منذ تقريبا 1.7 مليون سنه أو أقل".
يقلب هذا الاكتشاف النظرة التي كانت سائدة سابقا، والقائلة بأنّ الفصّ الجبهي لدماغنا (الجزء الذي يعالج المهام المعرفية المعقدة والتفكير الاجتماعي واستعمال الأدوات واللغة) تطوّر أثناء مرحلة الانتقال من أسترالوبيثيكس (القرد الجنوبي هو جنس من البشراناوية ويعتبر أول من مشى على الأرض بقدمين أثنين قبل 4.2 مليون سنة) إلى الإنسان منذ نحو 2.8 – 2.5 مليون سنة.
واستنادا على هذا قال عالم الأنثروبولوجيا في جامعة زوريخ السويسرية كريستوف زوليكوفر: "من الآن فصاعدا، بتنا نعلم أن الممثلين الأوائل لجنسنا البشراني في تاريخنا الطويل للتطور كانوا من ذوي القدمين القادرتين على المشي مع دماغ قريب من القردة العليا".
وأضاف زوليكوفر: "النتيجة التي توصلنا إليها كانت مفاجأة كبيرة"، مستنتجا أن "تطور الدماغ لا علاقة له بالقدمين".
*آليات البحث والدراسة*
تمكن العلماء من التوصل إلى هذه النتيجة، بعد أن درسوا عددا كبيرا من الجماجم المتحجرة من أفريقيا وجورجيا وجاوا بإندونيسيا، ونظرا إلى أن الأدمغة نفسها لا تتحجر فإن الطريقة الوحيدة لمراقبة تطورها كانت دراسة العلامات التي تركتها داخل الجمجمة، ولذلك لجأ العلماء إلى إجراء مسح ضوئي للمتحجرات مما مكّنهم من تكوين صورة افتراضية لما كانت تضمه منذ زمن بعيد بطريقة تشبه ملء الجزء الداخلي من قالب.
وحول تلك الآلية، يقول سلام: "استخدم الباحثين تقنية التصوير المقطعي المحوسب CT التي سمحت التطورات فيها مؤخرا بتحديد العلاقات بين الدماغ (المخ) والقالب الداخلي لها في الأنواع الحية، فإذا كان من الممكن تحديد هياكل الدماغ من الخلايا الداخلية للأنواع الحية فسيتمكن العلماء من استنتاج الشكل التركيبي للمخ في الأشعة المقطعية للجماجم المتحجرة".
ويضيف سلام في تصريحات لموقع مصراوي: "بعد خطوة التصوير المقطعي لـ40 جمجمه بشرية قديمة، قارن العلماء بنية الأدمغة البدائية أو المبكرة ببنية عشرات الأدمغه البشرية الحديثة، حيث نظروا إلى الأقارب الحية الأقرب للإنسان وهي القردة العليا جنبا إلى جنب مع البشر المعاصرين، الأمر الذي مكنهم من تحديد مدى البدائية أو التقدم في أدمغة الجماجم البشرية القديمه من خلال مقارنتها بالقردة العليا والقوالب الداخلية للإنسان الحديث".
وتمكن الباحثون من خلال دراسة الجماجم من إفريقيا من أن يكتشفوا أن أقدمها التي يعود تاريخها إلى أكثر من 1.7 مليون سنة كانت لها في الواقع خاصية الفص الأمامي للقردة العليا.
بالإضافة إلى ذلك كشفت المتحجرات الإفريقية التي تعود إلى تاريخ أحدث هو 1.5 مليون سنة عن خصائص أدمغة الإنسان الحديث.
وهذا يعني أن التطور حدث بين هذين التاريخين في إفريقيا، بحسب الدراسة.
*لماذا حصل هذا التطور؟*
أشارت فرضية الباحثين إلى أن تطور الدماغ البشري نشأ نتيجة ترابطا ظاهرا بين الابتكارات الثقافية والتغيرات الجسدية في الدماغ، وكل منها حفزت الأخرى.
فيديو قد يعجبك: