مقرئون حول العالم (4) لماذا استقر طفل من جامبيا على الحدود بسبب القرآن؟
كتب- محمد مهدي وإشراق أحمد:
خفق قلب "محمد الهاشمي جالو" بقوة بينما يغادر منزله في جامبيا غربي إفريقيا، تحرك الطفل البالغ من العمر حينها 9 سنوات أمام والده بخطوات مرتبكة في طريقه إلى مدينة سانت لويس، الواقعة على الحدود السنغالية الموريتانية، استجابة لطلب عائلته من أجل حفظ القرآن الكريم على يد أحد المشايخ الكبار في تلك المنطقة "قضيت فيها 5 سنوات بعيدا عن سائر أهلي حتى تخرجت من التحفيظ وعدت إلى بلادي مرة ثانية" يذكرها الشاب الجامبي لمصراوي.
كان الأب شديد الاهتمام باستمساك أبنائه بآيات الله "كان يراه خير مستقبل لنا، وأن المصحف قادر على تربيتنا بصورة صالحة ووضعنا على الصراط المستقيم". لم تكن التجربة هيّنة على الهاشمي. الغُربة في صغره والمسؤوليات الخاصة بحفظ القرآن والاعتماد على نفسه في بلد لا ينتمي إليه، لكن توصيات الوالد كانت واضحة "يقول لنا دائما لا تبتعدوا عن حفظ القرآن حتى وإن بلغكم خبر وفاتي، فلا تتركوا الحفظ وتعودوا إلى البيت، بل ابقوا هناك حتى تكملوا المصحف"، أدرك حينها الصبي قيمة القرآن الكريم.
دلفت الآيات القرآنية إلى قلب الهاشمي مبكرا "عشقتها وتعلقت بها منذ طفولتي، فكان حفظ القرآن هدفي وأملي، ونجاحي وسعادتي في الدارين تكمن وراء تلاوتي للمصحف"، لذلك انكب الصبي على تعاليم شيخه "محمد الهادي" يوما بعد يوم حتى نجح في الانتهاء من الختمة الأولى في عام ونصف، "كنت أُسمع على الشيخ ربع القرآن يوميا، واحتجت إلى أربع جلسات لتلاوة المصحف كاملا". وبقي لسنوات أخرى من أجل المراجعة والاستزادة من الحفظ.
عاد إلى بيت العائلة بجامبيا في سن الـ12 عاما بين ترحيب من والديه واهتمام من أبناء مدينته، "كنت أصلي بالناس إماما في صلوات التراويح وقيام الليل أثناء شهر رمضان في أحد المساجد الكبرى". حين يتلو الآيات القرآنية يستشعر تلك النعمة الكبيرة "راحة النفس والسكينة والطمأنينة، فلا أجد هما ولا غما ولا ضيقا في الحياة". يُنير له المصحف عقله ويُصفي ذهنه ويوسع ذاكرته حتى يقدر على التعلم وفهم الأمور بيسر وسهولة.
يشعر الهاشمي أن صاحب القرآن اصطفاه الله من بين كثير من عباده، "لذلك أحرص على تحقيق ذلك الاصطفاء في مداومة قراءة القرآن"، كما يسعى للاحتكاك المباشر مع غيره من القراء من خلال الانضمام إلى تجارب التلاوة، مثل مسابقة رئيس جامبيا السابق يحيى جامي، واختبارات أخرى على مستوى الدولة تمنحه القدرة على المشاركة في المسابقات الدولية، حيث فاز بالمركز الأول في حفظ القرآن بجامبيا عدة مرات.
"واحدة منها رشحتني لتمثيل بلادي في جائزة الخرطوم الدولية ومرة ثانية لجائزة دبي الدولية"، فضلا عن المشاركة في مسابقة بورسعيد الدولية بمصر. "لها دور كبير في نشر القراءات العشرة المتواترة وتحفيز الناس على حفظها وإتقانها". يرى أن المشارك فيها يتعلم ويستفيد من تعليقات لجان التحكيم "لتفادي أي قصور ومعرفة مواطن الضعف حتى يعمل على تحويلها إلى مصدر قوة". وخلال التجربة نجح الشاب الجامبي في الوصول إلى التصفيات النهائية نتيجة لأدائه الجيد.
عندما يشرع الهاشمي في تلاوة القرآن الكريم يتضح تأثره بالشيخ محمود خليل الحصري "هو القارئ المفضل لدي، أستمع إليه دائما وأتعلم منه كثيرا في حسن الأداء وإتقان الأحكام والمحافظة على جودة التلاوة" يتذكر القارئ الشاب عندما كان يعيش في مدينة سانت لويس والتنافس بين الطلبة في تقليد الشيخ المصري الجليل "كنا نسمع تسجيلات الحصري يوميا في الصباح والمساء" يدفعه ذلك إلى الدعاء بصورة مستمرة للراحل الذي غادر عالمنا في نوفمبر عام 1980.
عندما يخلو الشاب الجامبي إلى نفسه يستعيد ذكريات الحياة على الحدود لسنوات عديدة حتى يصل إلى تلك المكانة في القرآن الكريم، يبتسم بينما تنساب المشاهد الطيبة على مخيلته للشيخ وهو يشد من أزرهم للحفظ بطريقة متقنة ويؤكد عليهم الانصات جيدا واستشعار جمال الآيات، يرى أن تلك النقطة هي الخيط الأول لخطواته القادمة، "أن أصبح ملما بالقراءات المختلفة وما يتصل بها من علوم وأكون في خدمة كتاب الله من خلال نشره بين سائر المسلمين". وهو ما يتمنى الهاشمي أن يتحقق مع مرور الوقت.
فيديو قد يعجبك: