"أصدقاء الأقصى" في شوارع بريطانيا.. قصة مؤسسة إنجليزية تدعم فلسطين منذ 24 عاما
كتبت-دعاء الفولي:
في التسعينيات، حصل إسماعيل باتل على فرصة الذهاب إلى القدس المحتلة، كل ما كان يعرفه حينها أن اسمها "إسرائيل"، وأن بها بعض المواطنين الفلسطينيين "وحين وصلت إلى هناك تغيرت دفة حياتي تماما.. أدركت كم كنت مخطئا ومُضلَا"، عاد الشاب البريطاني وقتها وقد أقسم على تسخير ما استطاع من وقته لخدمة القضية الفلسطينية.
منذ بداية إبريل الماضي، ومع تصاعد أصوات الاحتجاجات الفلسطينية ضد محاولات الاستيطان بحي الشيخ جراح بالقدس، كانت مؤسسة "أصدقاء الأقصى" التي أسسها باتل تحاول جاهدة تسليط الضوء على القضية؛ بالنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي حينا، وبالتعريف بتاريخ فلسطين حينا آخر أو بتنظيم تظاهرات سلمية زادت كثافتها بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مع أواخر شهر رمضان الماضي، مخلفًا وراءه ما يقارب الـ 260 شهيد و8011 مصاب.
لم يحتج باتل وقتا طويلا ليتفاعل مع ما يحدث في القدس وغزة؛ على الفور بدأت حملات مختلفة للمؤسسة الموجودة ببريطانيا منذ عام 1997 "لدينا محاور مختلفة كنا نعمل عليها.. أهمها الشق الإعلامي والخبري ثم الشق السياسي وأخيرا الشق المرتبط بالمجتمع المسلم هُنا.. لا أقول أننا موجهين فقط للمسلمين ولكنه جزء من دورنا تعريفهم بتراث المسجد الأقصى وباقي المقدسات في فلسطين".. يحكي باتل لمصراوي عبر مقابلة بتطبيق زووم.
ما يحدث بفلسطين الآن، لا يفاجئ باتل "تلك حلقة واحدة فقط من سلسلة اعتداءات إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني على مدار 73 عاما"، غير أن الوضع أفضل كثيرا، فالآن تمتلئ مؤسسة "أصدقاء الأقصى" بشباب متطوعين من مختلف الأطياف العرقية "لدينا بريطانيون.. عرب… آسيويين وأفارقة.. الأمر لم يعد مرتبطا بالناشطين والمثقفين فقط"، يوما بعد آخر تزداد رقعة الاهتمام بما يحدث "نجد ذلك حتى من قبل بعض لاعبي كرة القدم أو الفنانين.. لم نعد وحدنا من يرى أن إسرائيل ترتكب جرائم مختلفة"، حين يرى باتل ذلك يتذكر كيف بدأ مشروع المؤسسة.
At Hyde Park to make some more noise! ✊🏽🇵🇸#FreePalestine #Palestine #AlAqsa #SheikhJarrah #Gaza #StopArmingIsrael pic.twitter.com/W58hTQO9Ik
— Friends of Al Aqsa (@FriendsofAlAqsa) May 22, 2021
حين زارها للمرة الأولى والأخيرة، ذهب باتل في جولة مع بعض أهالي القدس، يعرفونه على تاريخها، يتنقلون بين شوارعها القديمة، لم يكونوا بحاجة لوصف "عنصرية" نظام الاحتلال الإسرائيلي "رأيت ذلك بعيني.. شاهدت كيف يعامل الجنود المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض، وقتها أدركت إنني يجب أن أفعل شيئا لهم.. هذا يعني أن الكثيرين مثلي لم يسمعوا بهم.. وحينما عدت لبريطانيا وتحدثت لمن حولي لم يكونوا قد سمعوا بالقضية أيضا"، تطورت أنشطة المنظمة مع الوقت؛ بدأت ببعض المؤمنين بالفكرة "كنا نتحدث للناس عن القضية وجها لوجه.. في المساجد أو في الأحداث العامة"، فيما تخطى عدد المتطوعين الآن 400 شخص، يشعر باتل بالفخر قائلا إن عشرات الآلاف شاركوا في تظاهرة السبت الماضي التي خرجت في لندن، وهي واحدة من سلسلة وقفات احتجاجية تنظمها المؤسسة رفقة حركات أخرى منها "حياة السود مهمة" أو black lives matter
لا تعمل المؤسسة على تحريك التظاهرات أو نشر ما يحدث عبر منصاتها فقط؛ طوال الأعوام الماضي حاول باتل تحريك الساحة السياسية في بريطانيا؛ أطلقت المؤسسة حملة قبل سنوات بعنوان "أوقفوا تسليح إسرائيل"، باتت عنوانا لكثير من أنشطتهم على الأرض، ركزوا فيها على ما تفعله تلك الأسلحة بأطفال غزة تحديدا وكيف يقصف الاحتلال منازل المدنيين الآمنين بها عكس ما يُشاع "لأن الإسرائيليين يدّعون دائما أنهم ضحايا وأنهم يدافعون عن أنفسهم وللأسف كثير من وسائل الإعلام الغربية تروج لذلك".
كان تغيير تلك النظرة من مكتسبات التظاهرات الأخيرة حسب تعبير باتل "لم تعد قناة بي بي سي لدينا في بريطانيا هي مصدر المعلومة.."، استخدم المتابعون هاشتاج #أنقذوا-الشيخ-جراح وهاشتاج #غزة- تحت-القصف لرؤية الصور من الفلسطينيين أنفسهم وسماع رواياتهم "نعتبر ذلك انتصارا، لا نُجبر الناس على اعتناق فكرة بعينها ولكن علينا تقديم جميع الخيارات لهم ونؤمن أن عقولهم ستذهب للاتجاه الصحيح".. يقول باتل.
"أوقفوا تسليح إسرائيل" جزء من حملات أخرى تقوم بها المؤسسة؛ هناك واحدة عن أطفال فلسطين؛ ماذا وكيف يخسرون كل عام بسبب الاحتلال، أخرى عن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ثالثة عن دعم فلسطين ماديا والتبرع لها "لدينا حملات نعمل عليها ونتوسع بها بقدر توسع استيطان الاحتلال"، لكن لا يحدث ذلك دون ثمن؛ فقد اعتاد باتل على تلقي تهديدات "عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مجموعات إسرائيلية متشددة في بريطانيا"، بعض تلك المجموعات اتهمت المنظمة مرارا بأنها تعادي السامية أو تدعو لمذبحة جديدة بحق اليهود "وهناك بعض الجمعيات اليهودية المتشددة التي تحاول إقناع أعضاء البرلمان أننا نسعى للعنف.. ولكن مع الوقت خفتت تلك الاتهامات الباطلة لأن الناس تعلم ما نفعله وكيف نفعله ولا نخفي شيئا عن أحد".
منذ الأحداث الأخيرة بفلسطين، تحرك "أصدقاء الأقصى" تظاهرة أسبوعية في لندن لأجل القضية، يشاهد باتل بعينه كيف بات ذكر فلسطين الآن أوسع وأكثر تداولا، يسأل المارة المتطوعين عما يحدث فيجيبونهم "وهؤلاء المواطنون حين يعودون لمنازلهم يبحثوا عن الهاشتاجات وينضموا لصفحتنا ويتابعوا القضية.."، يسمع باتل كثيرا جملة "لم أكن أعرف أن هذا يحدث"، ويسعد بالتغيير الذي يتسلل للشارع البريطاني ولو كان طفيفا.
وفي المقابل لا يعتمد باتل على الحركة الشعبية فقط، ففي كل مناسبة تطلب المؤسسة من المتابعين التوقيع على عريضة أو المشاركة في دعم موقف بعينه في القضية الفلسطينية ليتم إرسال تلك العريضة إلى نواب البرلمان "كنا نستقبل ما بين 2000 إلى 3000 توقيعا ولكن حين طلبنا من الناس مؤخرا توقيع عريضة ضد إخلاء الشيخ جراح تلقينا أكثر من 120 ألف توقيع"، تكبر القضية وتضم مؤيدين جدد يوما بعد الآخر "يعرف العديدون أن فلسطين ليست قضية إسلامية بالأساس بل إنسانية"، يوقن باتل أن جزاء الإحسان ليس إلا الإحسان "فما نفعله لفلسطين سيظل يؤتي ثماره طالما هناك من يستمع للعقل والقلب".
فيديو قد يعجبك: