بالصور- رفقة زملائها.. كيف أعادت "شيماء" الحياة إلى معبد عظيم في إسنا؟ (حوار)
كتب- محمد مهدي:
فوق سقالة خشبية يصل ارتفاعها إلى 13 مترا داخل معبد إسنا بالأقصر، تقف شيماء أبوالعباس، مُرممة الآثار، بثبات شديد، تنهمك في ترميم أعمدة وأسقف المكان الذي تحول على يدها وفريق العمل من زملائها إلى لوحة فنية كبيرة عقب أعمال الترميم التي جرت بالمعبد خلال السنوات الأخيرة، نجاحات دفعت وزارة السياحة والآثار إلى منح الشابة الثلاثينية تكريم خاص في عيد الأثريين.
كانت شيماء قد نشأت على حُب الآثار في "إسنا"، زيارتها إلى المعابد في الأقصر هي رحلتها المفضلة نظرا لقُرب المسافة من مدينتها "لما كنت أحضر أي رحلة بقعد أفكر إزاي أجدادنا صنعوا الحضارة العظيمة دي" أحست برغبتها في التواجد وسط هذا العالم، أخبرت أسرتها بأحلامها الصغيرة حينذاك، الالتحاق بكلية الآداب قسم ترميم الآثار بجامعة جنوب الوادي "كانوا بيدعموني رغم إن اضطريت اسافر وأعيش هناك، الحقيقة عمرهم ما وقفوا ضد اختياراتي".
تذهب شيماء يوميا إلى الكلية متلهفة لسماع الجديد عن مجال الترميم، الاقتراب من تاريخ بلادها ومعرفة القيمة الحقيقة من تلك المهنة الثرية "وصفها بالنسبالي هي إعادة الحياة للأثر من جديد، إننا بنزيح الستار عن اللي خباه الزمن من جمال وتاريخ وعظمة، عوامل التلف طمست حضارة بلدي واحنا نقدر نرجعها مرة تانية" هذا الشعور جعلها تتفوق في دراستها للتخرج عام 2009، تبحث عن فرصة تلو الأخرى للتواجد في قلب الأحداث الأثرية حتى التحقت بالعمل رسميا في الآثار عام 2012.
اختيرت للانضمام إلى فريق الترميم بمعبد الإله خنوم بإسنا "كان أول مرة أدخله في حياتي، حسيت بفرحة شديدة، إني هأكون جزء من مشروع مهم حيث انخرطت في ترميم الجدار الغربي من الناحية الشمالية بصالة الأعمدة "دورنا هو إزالة السناج (هباب الفحم والاتساخات) من الجدران، وإعادة الألوان الأصلية للجداريات" وبعد جهد شاق نجحت وزملائها في ترميم 7 أعمدة ظهرت بصورتها الزاهية البديعة "هأقعد أحكي للأجيال الجاية إني شاركت في التجربة وأظهرت جمال المكان للعالم".
بعد فترة من العمل في معبد إسنا، انتقلت شيماء لتجربة جديدة مع مركز البحوث الأمريكي في الأقصر "مشروع توثيق وترميم عدد من المقابر المهمة بالمنطقة" من أشهرها مقبرة 110 بمنطقة الخوخة ومقبرتي 159 و286 بمنطقة ذراع أبوالنجا بالبر الغربي "كمان ترميم مقصورة 6 بمعبد خونسو بالكرنك" تزاول مهنتها بشغف شديد، تعبر عن ابتهاجها بسبب الاكتشافات اليومية التي تدور على أرض الواقع "لقينا مقابر وتوابيت ومومياوات أثناء عمليات الحفائرة" اكتسبت خبرة واسعة خلال تلك السنوات.
الترميم مهنة شاقة، لكن سرعان ما تمكنت المُرممة الموهوبة تلك العقبة "تأقلمت سريعا على الموضوع، بقينا نطلع نقف على سقالة بينها وبين الأرض مسافة كبيرة، أو أنزل بير عمقه 11 متر واشتغل خلال وجود مومياء جنبي" أيضا العمل في الكرنك يتسم بالتعامل مع ارتفاعات ضخمة- على حد وصفها- فيما يلتزم الجميع بعوامل الأمان المختلفة "والحقيقة إن السيدات قدرت تظهر بقوة في مجال الترميم، وأصبح ليها تأثير كبير في الشغل وإنتاج متميز".
في عام 2018 عادت شيماء مرة أخرى إلى بيتها- معبد إسنا- للتعاون مع البعثة المصرية الألمانية المشتركة بين مركز تسجيل الآثار المصرية وجامعة توبنجن الألمانية "قدرنا نعمل تحول واضح في المعبد". كان الدعم حاضرا طوال الوقت أثناء عملهم "اتشرفنا بزيارة من رئيس الوزراء اتصور مع الفريق وبلغنا برسالة من الرئيس، تحيته وتقديره للمرمم المصري" كما جرى عرض تقرير مصور عنهم أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال افتتاح طريق الكباش بالأقصر.
مطلع العام الحالي تلقت شيماء الخبر السار باختيارها ضمن عدد من الأثريين لتكريمهم على جهودهم على مدار العام الفائت من قِبل وزارة السياحة والآثار "انا اتفاجئت، مكنتش متوقعة، حسيت بالفخر وأنا بطلع على مسرح دار الأوبرا وبتكرم من الوزير والأمين العام والدكتور زاهي حواس" تقدير ملأ قلبها بالبهجة وأن هناك من يتابع عن كثب ما تبذله في المواقع الأثرية وهو ما يمنحها طاقة لاستكمال مسيرتها على النسق نفسه وبصورة أكبر من ذي قبل.
تعكف المرممة الشابة هذه الأيام على الانتهاء من رسالة الماجستير في مجال الترميم "أتمنى ربنا يوفقني في دراستي وأقدر أعمل حاجة مختلفة" تطمح شيماء لأن تترك بصمة غير تقليدية في الآثار المصرية "مش عايزة أكون واحد رممت عدد من المواقع وخلاص" أحلامها تعانق السماء، تضع نصب أعينها الوصول إلى أعلى مكانة في المجال، أن يتحول اسمها إلى أيقونة لدى الأجيال القادمة "أبقى ضمن الناس اللي عملت فرق وتتعد على صوابع الأيد في الآثار".
فيديو قد يعجبك: