بالحرف والجسد.. شيرين أبو عاقلة مقاومة حتى «ما بعد النفس الأخير»
كتب- عبدالله عويس:
بأبجدية الحقيقة، حاربت «ابنة القدس» حتى الحرف الأخير. بعدسة الواقع وصوته، حققت انتصارات متتالية حتى أُغمضت العينان في «نوم طويل»، وأُطبقت الشفاه وما يزال للصوت صدى. كان للزيف أن يختال للحظات بقتل الحقيقة. لكن شيرين أبو عاقلة عادت كما لو كانت أسطورة. تقود مظاهرة بجسدها المسجى، في مواجهة جند بأسلحتهم ورعونتهم. لم يسقط التابوت، كما لم يسقط العلم، في مشهد جمع بين أسطورة المقاوم وخسة المحتل.
على مدار ربع قرن، كانت شيرين أبو عاقلة، تنقل ما يحدث في فلسطين، متنقلة بين مكان وآخر، مسجلة بالصوت والصورة والكلمة وقائع لأحداث مهمة في تاريخ ذلك البلد. تفتحت عين سمير غالي على القضية الفلسطينية وهو صبي على وجه شيرين، وما تنقله عبر شاشة القناة الإخبارية التي عملت لديها منذ عام 1997، كان الصبي يرى في فعلها مقاومة، فالكلمة في رأيه سلاح، لا يقل أهميته عن الرصاص، وربما كان أهم وأكثر تأثيرا.
«كنت أعرف ما يحدث في فلسطين من خلال شيرين أبو عاقلة، كنت أتابع صفحتها أيضا على فيسبوك» يقول سمير، الذي بكى حين عرف خبر مقتلها، شأنه شأن آخرين. لم يتوقع الشاب أن تقتل صحافية لا تحمل سلاحا غير الكلمة، ولا أن تقع في ميدان حرب جثة هامدة، لأنها نقلت الواقع: «ما أعرفه أن الصحافيين والعاملين في القنوات لا يتعرضون للقتل، لكن الاحتلال له رأي آخر».
صباح الأربعاء الماضي، كانت شيرين تغطي اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين، قبل أن تتأثر بإصابات خطيرة في الرأس، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، التي اعتبرت أن شيرين استشهدت جراء إصابتها برصاص الجيش الإسرائيلي. وهي رواية تنفيها إسرائيل، ثم تعدل روايتها، لما يزيد عن 5 مرات. يقول باسم زكريا، وهو أحد أصحاب المحال التجارية في منطقة الدقي بالجيزة، إن نبأ مقتل شيرين كان صادما. شعر الرجل بأن السيدة التي كانت تنقل الحقيقة، أصبحت هي الحقيقة نفسها، لإيضاح زيف وبطش العدوان الإسرائيلي.
«لقد جددت فينا شيرين الشعور بالقضية الفلسطينية من جديد، جاءت مثل محمد الدرة مثلا، توقظ فينا الشعور بالغضب، والأمل في حل عادل يعيد أبناء فلسطين إلى أرضهم» يحكي الرجل، الذي أغضبه مشاهد تشييع الجنازة، غير أنه رأى فيما ملمحا آخر، يتمثل في مقاومة أخيرة لجسد غابت عنه الروح، لكنها لم تغب: «الطبيعي أن يقاوم الأحياء، لكن أن يقاوم الأموات هذا أمر جديد».
وكانت عناصر من الشرطة الإسرائيلية، قد استخدمت الهراوات والقنابل المسيلة للدموع، في وجه مشيعي أبو عاقلة، مقتحمين ساحة المستشفى الذي خرج منه جثمانها، في مشهد وصفه كثيرون بالعبثي والمقزز. وأدانته منظمات حقوقية دولية، وأدانه الاتحاد الأوروبي، كما قال البيت الأبيض، إن «صور الشرطة الإسرائيلية وهي تهاجم حاملي نعش شيرين أبو عاقلة مقلقة للغاية، ولا يمكن تبرير تلك الأفعال».
على أن الأمر لم يخل من رمزية، فاعتبر كثيرون من العرب، كما عبروا على مواقع التواصل الاجتماعي، أن شيرين حتى وهي جثة هامدة، قادرة على مقاومة من نوع خاص، وبشكل استثنائي، للدرجة التي أفزعت قوات الاحتلال، ما اضطرها لمحاولة تفريق الحشود، بدعوى أن ما حدث «إخلال بالنظام العام».
يقول أحمد عواد، وهو أحد سكان محافظة المنيا جنوب مصر، إن شيرين تحولت إلى رمز «كان يكفي أن ترى الأطفال وهم يضعون الورود حيث ماتت لتتأكد من الأمر، كان يكفي أن ترى مشهد الجنود وهم في رعب من جسد شخص ميت، هذه أمور لن ننساها» ويعتبر الشاب الذي كان يتابع شيرين عبر شاشة الجزيرة أن اسمها سينضم لقائمة طويلة، من أبطال قتلهم الاحتلال، لكن اسمها سيكون مضيئا أكثر ربما، لأبناء هذا الجيل.
فيديو قد يعجبك: