إعلان

الوجه السياسي لفاتن حمامة.. ما قبل "يوليو" وما بعدها

05:18 م الجمعة 27 مايو 2022

كتب- أحمد شعبان:

وصفها الكاتب الراحل خيري شلبي بـ"اللؤلؤة"، فهي "أول دم مصري حقيقي يؤرّخ للمزاج المصري الخاص، على شاشة السينما المصرية.. هي شباب السينما ومرحلة نضجها العظيم، هي فجرها وصباحها وضحاها"، على ما كتب صاحب "الوتد".

هي التي خاضت رحلة طويلة ولافتة مع السينما؛ بدأتها طفلةً وامتدت لأكثر من 50 عاماً. عاصرت عقوداً من تطور السينما المصرية، عملت مع كبار مخرجيها ووقفت أمام أفضل ممثليها. قدمت نحو 100 فيلم؛ اختُير 8 منها ضمن أفضل 100 فيلم من أحسن ما أنتجت السينما المصرية.

هي علامة، نَقلة، أيقونة، لحنٌ خالد، ونهر عطاء لا يَنضب، ركيزة كبرى من ركائز القوة الناعمة المصرية، قال عنها الناقد الراحل سمير فريد إنها "رمزٌ مُكافئ لسيد درويش في الموسيقى، ومحمود مختار في النحت وأم كلثوم في الغناء". هي فاتن حمامة، صاحبة الطلّة الأثيرة والأداء الفاتن.. والآراء السياسية اللافتة أيضاً.

1

عاشت فاتن حمامة حياتها، كـ"فنانة تهتم بالإحساس والإبداع أكثر مما تهتم بالتطور السياسي والاقتصادي لمصر. إنني لم أتخرج في السياسة ولم أدرس السياسة، ولكنّي عشت السياسة.. عاشت حولي السياسة"، على ما نقل عنها أحمد المسلماني في كتابه "مصر الكبرى".

عبّرت سيدة الشاشة العربية، التي ولدت في السابع والعشرين من مايو عام 1931، عن آرائها في رؤساء مصر وأحوالها السياسية المتقلّبة، من حزب الوفد والملكية وما قبل يوليو 1952 إلى الثورة ورجلها القوي جمال عبد الناصر، وخلَفه أنور السادات. ومن انكسار يونيو 67 إلى انتصار أكتوبر 73، وصولاً إلى حرب الخليج.. وكذلك بنيامين نتنياهو والقضية الفلسطينية.

جاء ذلك في حوار أجراه معها في أواخر تسعينيات القرن الماضي، الصحفي والباحث في “الأهرام” وقتها أحمد المسلماني، ونُشر في مجلة "أحوال مصرية"، التي تصدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وهي المجلة الفصلية التي تعنى بالشأن العام في مصر، وقد كان رئيس تحريرها آنذاك الراحل الكبير محمد السيد سعيد.

على صفحات جريدة "الحياة" اللندنية، في 30 أبريل 1999، أشار الكاتب يوسف القعيد إلى أجزاء متفرقة من الحوار. وكان مما استرعى انتباهه أن حوراها مع المسلماني – الذي نشر الأخير أجزاء منه لاحقاً في كتابه "مصر الكبرى"- كان حوراً سياسياً "من الألف إلى الياء"، في حين أن حوارات سيدة الشاشة العربية، دائماً ما كانت تدور حول الفن والفنانين والسينما.

ما قبل "يوليو 1952"

نحو 20 عاماً عاشتها فاتن حمامة في زمن كان الفاعلون في نظام مصر السياسي، هم: الملك، والاحتلال البريطاني، وحزب الوفد، وهو حزب الغالبية المصرية المطلقة قبل يوليو 1952، تقول عنه فاتن حمامة: "البيت الذي تربيت فيه لم يكن له ميل وفدي، لم يكن والدي أحمد أفندي حمامة متحمساً للوفد، ومما كنت أسمع من منزلنا نشأتُ ضد الوفد، وعندما كبرتُ فهمت أنه لا يوجد ضد، وأن الأمر كله يقبل الجدل والحوار، لكن كنت أكره الوفد، وكانت عندي رغبة في الثورة عليه"، على ما قالت في حوارها مع أحمد المسلماني.

غير أن المسلماني يتوقف هنا مشيراً إلى أن فاتن وعائلة حمامة "كانوا من السعديين، الذي يمثلون انشقاقاً على الوفد واختلافاً مع النحاس باشا.. لذلك فقد تشربت فاتن حمامة على نحو بريء كره الوفد لصالح السعديين وإبراهيم عبد الهادي، وهي ليست ضد المبادئ السياسية العامة للحزب".

كانت سيدة الشاشة العربية تكره القصر أيضاً "إنني لم أكن يوماً قريبة من القصر، وكنت بشكل طبيعي أكرهه وأكره رجاله، لأن الشائعات كانت تملأ الدنيا من حولهم، كانت شائعات كثيرة، ولكن الآن ربما أكون أقل كراهية لهم، عندما كبرت".

2

ما بعد يوليو

كانت فاتن حمامة قد أتمت عامها الحادي والعشرين قبل شهرين من الثورة، استقبلتها بفرح شديد، تقول: "صدقناها وكنا نطوف وراءها، كنا نحب محمد نجيب عند قيام الثورة. لقد قدموه لنا بوجهه الطيب السمح. كنا معه، ولكن عندما ظهر جمال عبد الناصر غطى عليه وعلينا. عبد الناصر كانت لديه كاريزما قوية، كانت عيونه ثاقبة، وعندما وقع حادث المنشية عام 1954 التف الناس حوله وتأكدت الكاريزما الخاصة به".

بينما كانت فاتن حمامة تعرف بعض الشيوعيين، الذين كانوا "أولاد ناس أغنياء، وكانوا على علم وثقافة، كانوا يعرفون أشياء كثيرة ويديرون حوارات ونقاشات عالية المستوى، وكان الفكر الشيوعي يتحدث باستمرار عن قيم مثالية كالمساواة والعدالة، كان الكلام جميلاً لكن اتضح من كل البلدان الشيوعية أنه كان يوجد الغني والفقير ولم يتحقق المجتمع المثالي الذي بشروا به لذلك فإنني لم أصدق ذلك في أي وقت. إذ لم يظهر أن ذلك كان حقيقياً في أي لحظة كانت الشلة نفسها تحكم وتملك"، على ما قالت في حوارها.

ماذا عن نكسة 1967؟ تمضي فاتن حمامة قائلة إن "يوم 5 يونيو 1967 هو أسوأ الايام، والعام 67 هو أسوأ الاعوام على امتداد العمر. لا أستطيع أن أحكي مشاعري. الحزن والانكسار وحجم الدمار الذي لحق بأنفسنا وذواتنا بلا حدود. لقد أُصبت بالذهول، لم أصدق ما حدث. شعرت أنني لم أعد أنا. كل شيء تحطم في داخلي. كنت خارج مصر وزادت الغربة حتى لم أعد أعرف ذاتي. ما الذي يملكه مواطن مصري في الخارج في هذه اللحظة؟ الدموع والحزن والإحباط، وكراهية كل ما هو موجود.. الثورة والدولة والهزيمة".

انتصار أكتوبر 1973

تستطرد فاتن حمامة أن "وفاة الرئيس عبد الناصر لم تغط على الهزيمة. لقد بقيت الهزيمة إلى أن محاها أنور السادات. كانت هناك أخطاء كثيرة في عصر عبد الناصر. لم تكن هناك حرية ولا حقوق إنسان، وانتهى عصر عبد الناصر، والروس وإسرائيل في مصر، إنني لا أنكر فضائل كثيرة للثورة لكن الحرية والاستقلال لا يعوضهما شيء، ويكفي السادات أنه طرد الروس واليهود، طرد الروس سنة 1971 وبهذا أنهى نصف احتلال وفي أكتوبر 1973 انقشع الضباب وعاد للوطن الجريح اعتباره".

قالت فاتن حمامة ذلك وهي التي كانت تفصّل "البيجامات" لجرحى الحرب في المستشفيات، وتحملها إليهم في أكياس الهدايا، مرتدية الزي الأبيض كمتطوعة وعضو في الهلال الأحمر. وقد قالت لمحرر مجلة "الكواكب" في عددها الصادر يوم 6 نوفمبر 1973: "فكرت في أن أكون قريبة من الجنود، أخدمهم بيدي التي لا تعرف كيف تحمل السلاح، وكان العمل في الهلال الأحمر هو أقرب الطرق، وهذا الجهد ضئيل جداً إذا ما قورن بما يبذله الجندي العادي على الجبهة..".

3

حرب الخليج ووجه نتنتياهو "غير المريح"

يسأل المسلماني سيدة الشاشة العربية: ماذا عن حرب الخليج؟ فتجيب: لا أرى أي لها، والآن المعنى الوحيد لها يحتاج إلى بيان، من له المصلحة في ما جرى؟ هذا هو المعنى. العراقيون كانوا يتحدثون عن حق تاريخي، الآن يقبلون أي شيء، لكن ماذا بعد أن افقرت العراق وعمّ الخراب، الآن العراق والكويت وكل الخليج. الجميع يستنزف. الكل يدفع والخراب أصبح شاملاً.

وماذا عن شعورك تجاه إسرائيل والقدس وعملية التسوية السلمية في الشرق الاوسط؟ تجيب فاتن حمامة: أكره اسرائيل، لا أكره اليهود، لكن أكره الدولة اليهودية. والقدس عربية، وربما يكون من الأفضل أن تكون لها إدارة دولية، تكون فيها كل الديانات، ولا يبقى فيها جيش ولا حكومة، تصبح مدينة لله والإنسان. أما عن التسوية فأنا لم أتفائل بوجه نتنياهو، عيناه زائغتان ووجهه غير مريح بالمرة، ومنذ أن جاء إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية والأمور سيئة للغاية.

اقرأ أيضا:

تفاصيل بيع وهدم "سينما فاتن حمامة".. ومالكها: تحوّلت إلى وكر للمخدرات (مستندات)

قبل رامي مالك.. قصة "العامل البسيط" أول مصري حصل على الأوسكار (صور)

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان