"زواج بالمستعمل".. ارتفاع الأسعار ينعش سوق التونسي

كتابة وتصور- محمود عبد الرحمن:

بين محلات الموبيليا المستعملة بممرات سوق التونسي الحضاري بمنطقة البساتين، تنقل محمد رمضان من محل إلى آخر، بحثا عن غرفة نوم جيدة وبسعر يناسب إمكانيات شقيقه الذي يعمل في مهنة المعمار، ولا تسمح ظروفه المادية بشراء غرفة نوم جديدة عقب موجة ارتفاع أسعار غير مسبوقة في أسعار الخشب.

قبل شهرين ونصف، جمع خالد رمضان (شقيق محمد)، صاحب الـ29 عاما ما قام بادخاره من أموال طيلة 3 سنوات من عمله كـ"مبيض محارة"، لشراء غرفة نوم وأخرى للأطفال استعدادا لإتمام حفل زفافه، ليتفاجأ الشاب خلال جولة له على محلات الموبيليا بمحل إقامته بأحد المراكز التابعة لمحافظة بني سويف، بارتفاع الأسعار إلى أرقام تفوق قدرته المادية ولا تمكنه من شراء غرفة واحدة.

"الأسعار مرتفعة جدا أقل غرفة نوم جديدة بـ40 ألف جنيه وكمان خشب ورق"، يقول محمد شقيق خالد، الذي استجاب إلى نصيحة أحد أصدقائه من العاملين معه في مجال المعمار بالذهاب إلى سوق التونسي الجديد بالقاهرة، وإجراء جولة على محلات الموبيليا المستعملة لشراء الموبيليا التي يحتاجها شقيقه والتي لا تختلف كثيرا في شكلها عن الجديدة ويمتاز سعرها بالرخص.

"الحال المادي مش أحسن حاجة عشان نشتري جديد"، يقولها محمد. استيقظ الشاب مع ساعات الصباح الأولى وجاء إلى سوق التونسي الحضاري لإجراء جولة داخل محلات الموبيليا المتخصصة في بيع المستعمل لشراء غرفة نوم شقيقه الذي فضل البقاء معه على الهاتف المحمول في مكالمة فيديو لاستكشاف الغرف والاختيار معه: "جاي أشوف الأسعار ولو عجبتني حاجة ناوي أشتري".

منتصف عام 2021، أنشأت محافظة القاهرة سوق التونسي الحضاري على مساحة 70 ألف متر مربع بتكلفة بلغت 300 مليون جنيه، وذلك لاستقبال 7 أسواق مختلفة أسفل كوبري التونسي بهدف القضاء على الأسواق العشوائية ونقل الباعة إلى أسواق حضارية ذات طابع جمالي وحضاري.

على مدخل أحد المحلات التي تضم أنواعا مختلفة من الموبيليا ما بين مستعملة وجديدة، جلس "ربيع الشبح" أحد أشهر التجار داخل سوق التونسي الذي يتكون من 5 مبان ويضم 640 محلا منها للسيراميك والموبيليا والأدوات الصحية، في انتظار قدوم الزبائن لشراء المستعمل أو الجديد أو حتى معرفة الأسعار.

"الحاجات المستعملة شغلها أحسن وعليها إقبال مقارنة بالجديد"، يستكمل ربيع الذي يعمل في تجارة الموبيليا المستعملة والجديدة منذ 20 عاما، لما تمتاز به تلك الموبيليا المستعملة من غرف نوم وغيرها من جودة الخامات بجانب انخفاض أسعارها مقارنة بمثلها من الموبيليا الجديدة.

"الناس ظروفها تعبانة والمستعمل كويس مش وحش"، يقول ربيع. يصف الرجل حالة الإقبال الشديدة على سوق المستعمل خلال السنوات الأخيرة الماضية، وذلك عقب الارتفاع الكبير في أسعار الأخشاب وأدى هذا الارتفاع إلى مضاعفة أسعار غرف النوم وغيرها: "غرفة النوم اللي كانت تكلف 15 ألف جنيه بقت تكلف 45 ألف دلوقتي"، الأمر الذي دفع مواطنين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة إلى شراء المستعمل.

"في غرفة نوم مستعملة بـ 10 آلاف وعليها طلب"، يستكمل ربيع، وتمتاز هذه الغرف في جودة خاماتها مقارنة بنظيرتها الجديدة فيما لا تختلف كثيرا من حيث الشكل يقول "في ناس بتكون جاية السوق تشتري جديد لما تشوف الأسعار تتصدم وتقرر تشتري غرف نوم مستعملة"، موضحا أن السوق لا يقتصر على الزبائن فقط، بل أن هناك العديد من تجار الموبيليا من مختلف المحافظات يقومون بشراء الموبيليا وبيعها في محلاتهم.

"يشتروا الموبيليا المستعملة دي وتضربها لون وتبيعها كسر زيرو"، يقول ربيع، من بين هؤلاء التجار محمد إبراهيم أحد تجار المستعمل بمركز فاقوس بمحافظة الشرقية. مع ضوء الصباح الأول من كل جمعة يستيقظ محمد صاحب الـ48 عاما، متجها إلى سوق التونسي للتسوق وشراء أنواع مختلفة من المستعمل.

"الأسعار هنا حلوة جدا وفي بنات كتير اتجوزت منه"، يستكمل إبراهيم الذي يقوم بتجميع قائمة بمتطلبات زبائنه من الفتيات والشباب والأسر من أجهزة كهربائية وغرف نوم قبل قدومه إلى السوق بعربة نصف نقل لشراء تلك المتطلبات "الناس تيجى المحل تقولي محتاجة إيه أنزل أشتريه"، يقول الراجل.

منذ عام ونصف بدأ إبراهيم التركيز على تجارة المستعمل، وذلك عقب حالة الركود على شراء الجديد التي فرضتها موجة ارتفاع الأسعار خلال الفترة الماضية: "كانت الحاجات كل يوم بسعر والناس مش مستحملة"، ليقرر بعد الطلب المتكرر من الزبائن على شراء المستعمل والتجارة فيه: "الأول كان لو في شخص عايز يبيع حاجة اشتريها واعرضها في المحل"، ليختلف هذا الأمر وتتحول النسبة الأكبر لمبيعات المحل الذي يمتلكه للأشياء المستعملة.

"بسبب زيادة طلبات الزبائن ممكن أنزل يومين في الأسبوع"، يستكمل إبراهيم. وتختلف هذه الطلبات ما بين غرف نوم وأجهزة كهربائية بجانب الأشياء الفردية يقول "في ناس تقولي هات سرير أو مراتب"، حيث يبلغ سعر السرير المستعمل ما بين 500 جنيه إلى 1000 جنيه على حسب مقاس السرير وجودته، نفس الأمر ينطبق على الأجهزة الكهربائية: "الحاجات المستعملة أوفر بكثير من الجديدة".

وتتنوع مصادر الأشياء المستعملة التي تباع في سوق التونسي الجديد، ما بين دخول التجار في مزادات أو الشراء من الأشخاص الذي يقومون بالتجديد وفقا لما يقوله عصام حسين أحد تجار المستعمل بالسوق.

"في ناس تتصل علينا تقول عندي كذا وكذا للبيع"، يستكمل عصام الذي يقوم بإرسال أحد العمال بالمحل إلى الشخص لمعاينة الشيء المطلوب بيعه وشرائه: "نجيب الحاجة دى نعرضها هنا ولو جابت حسنة نبيعها"، موضحا أن هناك العديد من التجار يقومون بشراء المواد التي لدى المؤسسات التي تعلن بيع بعضها للتجديد: "لسه شاري كمية مراتب الواحدة بـ500 جنيه وحالتهم زي المراتب الجديدة"، التي وصل سعرها في السوق إلى 4 آلاف جنيه.