العلاج بالدفن| رحلات استشفاء بالشمس والرمال في صحراء سيوة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
كتب – محمود الطوخي:
موعد الظهيرة قد اقترب وشمس صيف أغسطس الحارقة تعامدت فوق الرؤوس، يقف عبدالفتاح عطية في مدخل خيمته التي نُصبت وسط خيمات عديدة بأحد حمّامات الدفن بالرمال لا تتعدي مساحة كل منها الخمسة أمتار، يستقبل بصفحة وجهه اليمنى لفحات حارة، تظهر علامات القلق والخوف على وجهه من تجربة ستلهب جوارحه، يتأمل بحرا أصفر اللون أمامه امتد من سفح (جبل الدكرور بشرق واحة سيوة) وحتى مرمى البصر، بعدما قضى 12 ساعة في رحلته من القاهرة إلى الواحة الواقعة أقصى الحدود الغربية المصرية.
بينما يتجول شابان يتصببان عرقا بين عشرات الحفر العرضية بعمق لا يتخط النصف متر، أعدوها مسبقا في رمال قد تشبعت بالحرارة على مدار ساعات النهار الأولى.
الدفن في الرمال، أحد أنواع العلاجات الطبيعية التي تشتهر بها مدينة سيوة، حيث تشهد إقبالا كبيرا من مواطنين مصريين وعرب وأجانب خلال الفترة ما بين منتصف يونيو وحتى منتصف سبتمبر من كل عام؛ بغرض السياحة العلاجية وخصوصا حمّامات الرمال التي يحرص على ارتيادها كثيرون ممن يعانون من مشاكل في الهيكل العظمي.
لا يعاني عبد الفتاح من أية مشاكل في العظام، لكنه أتى رفقة والدته التى تعانى من مرض "الروماتويد المزمن"، كحال كثيرين غيره أتوا رفقة أحد أفراد أسرهم المرضى من الرجال أو السيدات؛ للخضوع لعملية الدفن في الرمال التي ينصح بها الأطباء، وقرروا خوض التجربة كعملية استشفائية في سبيل تنشيط الدورة الدموية كما يقول محمد شريف عامل بأحد حمّامات مدينة سيوة.
يضطر عبد الفتاح صاحب الـ 38 عاما ورواد الحمّام إلى تناول الإفطار في وقت مبكر؛ إذ يتحتم عليهم الصيام قبيل الدفن بثلاث ساعات على الأقل؛ حتي لا يصاب بالقئ أو الغثيان نتيجة الضغط الذي تسببه الحرارة المرتفعة على المعدة خلال عملية الدفن التي تستمر لنحو 10 دقائق على الأقل أو 15 دقيقة كحد أقصى.
اعتاد شريف وزملاؤه خلال سنوات عملهم الماضية العمل في تمام الساعة الثالثة عصرا؛ حتى تكون الرمال قد اكتسبت حرارة كافية، لكن ارتفاع درجات الحرارة هذا العام اضطرهم إلى العمل بحلول الواحدة ظهرا قبل أن تصبح درجات الحرارة أكثر تطرفا بمرور الوقت: "نبدأ العمل في هذا التوقيت خشية إصابة المرضي أو الوافدين بضربات الشمس أو حدوث نزيف ما نتيجة النشاط الكبير للدورة الدموية".
لم يألف شريف ورفاقه هذا الهدوء النسبي الذي تشهده حمامات الدفن بالرمال، إذ تراجعت الأعداد الوافدة إلى الواحة بغرض التنشيط (الخضوع للدفن دون دواع صحية) الذي يرى أن بسببه ارتفاع الأسعار السفر والإقامة: " حاليا لا يأتى إلى هنا سوى من يعانون من أمراض مزمنة مثل الروماتيزم والروماتويد فقط وبخلاف ذلك تراجعت الأعداد كثيرا عن الأعوام السابقة".
لم يكد عبد الفتاح ينتهِ من قضاء فترة العشر دقائق مدفونا في الرمال والعرق يسيل من جبينه والتي لم يحتمل أن يزيد عليها، حتي كان شريف وزميله الآخر قد جهزا "بالطو" ثقيلا ليرتديه عبد الفتاح فور إخراجه من الحفرة، فيسنّدانه ويتجه مباشرة إلى خيمته ليبقي فيها مدة لا تقل عن 15 دقيقة، يقضيها في تناول المشروبات الساخنة مثل "الحلبة والينسون" التي تساعد في إفراز كميات كبيرة من العرق.
وتختلف المدة التي يقضيها الفرد داخل الخيمة من شخص لآخر، إذ تعتمد بشكل أساسي على قدرته على التحمل، يقول محمد شريف: "بسبب الحرارة المرتفعة تكون الخيمة أشبه بنظام الساونا، وقد تصل فترة بقاء الفرد داخلها إلى نحو ساعة في حالات نادرة".
تنتهى تلك الدقائق سريعا فيُنقل رواد الحمّام إلى النُزل الذي يقيمون فيه داخل عربات محكمة الغلق؛ كى لا يتعرضوا لنسمات الهواء التي ستكون ضارة بالنسبة إليهم حتي ولو كانت خفيفة.
يرفض شريف التشكيك في الطريقة التي يتبعونها في العلاج حيث توارثوها عن أسلافهم، ويدلل على صحتها بقدوم كثير من الأطباء للخضوع لعملية الدفن بالرمال: "لمدة 5 سنوات كانت جامعة عين شمس تجرى دراسات على الحالات التى تخضع للعلاج بالدفن".
تصل العربات إلى النزل الذي يقع على مقربة من موقع الدفن فيتجه الرواد كل حسب رغبته إما إلى جلسات التدليك التى تتكلف 100 جنيه أو الحجامة بـ 250 جنيها كما حددها مالك الحمّام الذي يعمل فيه محمد شريف.
بينما يفضل عبدالفتاح التوجه إلى غرفته وهو في حالة إعياء شديد لن يستفيق منها قبل ساعتين، يتوق لشربة ماء تبرد جوفه الملتهب، لكنه لا يستطيع بل يتوجب عليه أن يشرب عصير الليمون الساخن لتعويض الأملاح التي فقدها خلال عملية الدفن، يغلبه الإجهاد فيلقى بجسده علي سرير مكسو بفرش بلاستيكى ليحتمل كميات كبيرة من العرق سيفرزها جسده خلال ساعات نومه حتي حلول السادسة مساء، حيث يمكنه تناول الغداء ويروى ظمأه الموحش كما يصفه.
تتفاوت مدة البرنامج العلاجي بحسب حالة الشخص فلا تقل عن 3 أيام وتمتد إجباراً إلى 5 أيام لمرضي الروماتويد ولا تزيد على 9 أيام كحد أقصى يوضح شريف: "العامل النفسي هو الذي يحدد المدة التي يقضيها قصّاد التنشيط أو رواد الحمّام عموما فيجب أن يكون مُهيأ نفسيا لتحمل درجة حرارة الرمال المرتفعة للغاية وكذلك حظر الاستحمام الذي نفرضه عليهم طوال فترة العلاج وبعد انتهائها لمدة لا تقل عن 3 أيام".
انتهى عبد الفتاح ووالدته من فترة علاجهم التى تكلفت نحو 5 آلاف جنيه، وسيعود إلى بيته مشتاقا إلى استحمام يرطب جفاف بشرته، لكنه لن يتمكن من ذلك قبل ثلاثة أيام على الأقل بحسب نصائح المشرفين على حمامات الدفن، بينما سيجهز شريف وزملاؤه مكانا آخرا للدفن ريثما تطهّر الشمس الموقع الحالى تمهيدا لاستقبال زبائن جدد.
فيديو قد يعجبك: