فرنسا في 2015: العام الأسوأ على بلاد الفرنجة
باريس – (أ ش أ):
شهدت فرنسا خلال 2015 أحداثا مأساوية عديدة جعلت منه بلا شك من "أسوأ الأعوام التي مرت عليها". وكانت أبرزها العمليات الإرهابية غير المسبوقة التي وقعت خلال شهري يناير ونوفمبر الماضيين بالإضافة إلى حوادث سير وطيران وكوارث طبيعية متمثلة في فيضانات مدمرة ضربت جنوب شرق البلاد وتسببت أيضا في أضرار مادية وبشرية بالغة.
وقد بدأ العام بهجمات يناير - التي وقعت يومي 7 و 9 يناير 2015 - وتمثلت في خمسة أحداث إرهابية في منطقة "إيل دو فرانس" لا سيما في العاصمة باريس، وأسفرت عن مقتل 17 شخصا بالإضافة إلى منفذي الاعتداءات الثلاثة وإصابة 22 أخرين. وبدأت الهجمات في 7 يناير عندما شن الأخوان كواشي (فرنسيان من أصول جزائرية) هجوما على صحيفة "شارلي إبدو"، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً وإصابة 12 آخرين، ولاذ المسلحين بالفرار.. وتتبعت الشرطة المهاجمين في 9 يناير لمنطقة صناعية في "دامارتان أون جويل" (شمال شرق باريس) وتمكنت من القضاء عليهما.
وفي 8 يناير، أطلق اميدي كوليبالي، (فرنسي من أصل سنغالي)، النار على ضابطة بالشرطة المحلية بمنطقة "مونروج" بالضاحية الجنوبية لباريس واحتجز رهائن في اليوم التالي في متجر للأطعمة اليهودية بالقرب من "بورت دو فينسن" في الدائرة الثانية عشر في باريس.
وقامت القوات الخاصة للدرك والشرطة الفرنسية بمداهمات في وقت متزامن في دامارتان وفي بورت دو فينسين. وقتل الإرهابيين الثلاث، بالإضافة إلى أربع رهائن في المتجر اليهودي قبل تدخل الشرطة، وأصيب بعض الرهائن الآخرين. وكانت اعتداءات يناير أكثر الأعمال الإرهابية التي تشهدها فرنسا منذ تفجير القطار المتجه من ستراسبورج إلى باريس في عام 1961 من قبل منظمة الجيش السري.
وأعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب - الذي يتخذ من اليمن مقرا له منذ 2009 - مسؤوليته عن الهجمات.
وقد صدمت "اعتداءات يناير" الرأي العام الفرنسي والعالمي، ودفعت الحكومية الفرنسية إلى تنظيم مسيرة هي الأكبر في تاريخ البلاد يوم 11 يناير للتنديد بالإرهاب وشارك فيها ملايين الفرنسيين و 44 من قادة العالم. كما أعلنت فرنسا - عقب الاعتداءات - حالة التأهب القصوى وأطلقت عملية "الحارس" وهي قوة قوامها 10 آلاف جندي تم حشدهم لحماية المواقع الحساسة في البلاد لا سيما دور العبادة.
ومن أهم الأحداث الإرهابية التي شهدها عام ٢٠١٥، هجمات 13 نوفمبر التي كانت الأكثر دموية في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية والأكثر دموية في الاتحاد الأوروبي منذ تفجيرات قطارات مدريد عام 2004.
ووقعت سلسلة من الهجمات المنسقة شملت عمليات إطلاق نار جماعي على عدد من المطاعم والمقاهي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن في العاصمة الفرنسية باريس، لا سيما في الدائرة 10 و 11 في مسرح "باتاكلان".
كما حدثت ثلاثة تفجيرات انتحارية في محيط "ستاد فرنسا الدولي" في ضاحية باريس الشمالية في حي "سان دوني" بالإضافة لتفجير انتحاري آخر وسلسلة من عمليات القتل الجماعي بالرصاص في أربعة مواقع. وقد أسفرت هذه الاعتداءات عن مقتل 130 شخصا وإصابة نحو 350 أخرين وتبناها تنظيم "داعش" الإرهابي و اعلن انها جاءت انتقاما من فرنسا بسبب مشاركتها عسكريا في سوريا لضرب مواقعه وتوعد بشن المزيد من الاعتداءات. وحيال هذه التهديدات، قررت السلطات الفرنسية إعلان حالة الطوارئ في البلاد للمرة الأولى منذ أعمال شغب 2005 في ضواحي باريس وقامت بتشديد الرقابة على الحدود الوطنية. وكثفت ضرباتها ضد مواقع التنظيم في الرقة بسوريا.
وفي 18 نوفمبر، تم الإعلان عن مقتل المشتبه به المدبر للهجمات البلجيكي عبد الحميد أبا عود في مداهمات شنتها الشرطة الفرنسية في ضاحية سان دوني.
كما شهدت فرنسا في ٢٦ يونيو حادث أخر أكثر بشاعة، حين أقدم فرنسي من أصول مغاربية يدعى ياسين صالحي على شن هجوم على موقع للغازات الصناعية ببلدة "سان كونتان فلافييه" على بعد 30 كم من جنوبي مدينة ليون، وقام بذبح رب عمله وتعليق راْسه على سياج المصنع بجوار رايات سوداء لتنظيم داعش. ثم أرسل صورة "سيلفي" التقطها مع رأس الضحية إلى شخص موجود في سوريا.
وتنامى في عام 2015 تخوف السلطات الفرنسية من عمليات التجنيد التي تستهدف الشباب الفرنسيين عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إذ أن فرنسا تتصدر الدول الأوروبية المصدرة للجهاديين لسوريا والعراق.
وكان رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس قد صرح مؤخرا بأن هناك أكثر من 1000 فرنسي، انضموا لـ"داعش"، بينهم 600 شخص ما زالوا داخل سوريا والعراق، بينما لقى 148 فردًا حتفهم، وعاد 250 أخرين إلى فرنسا.
وبعيدا عن الأحداث الإرهابية، لم تسلم فرنسا من الكوارث الجوية وشهدت يوم 24 مارس 2015 حادث تحطم رحلة شرك الطيران الألمانية "جيرمان وينجز" التي كانت تقل 150 راكب لم ينج منهم أحد. وقد أقلعت الطائرة من برشلونة متجهة إلى دوسولدروف ولكنها اصطدمت قرب بلدية "برادز-هوت-بلون" في سلسلة جبال الالب حوالي 100 كم شمال مدينة نيس بعد ان حال مساعد الطيار دون عودة قائد الطائرة إلى مقصورة القيادة، وتسبب متعمدا في هبوط الطيارة المفاجئ، و لم تعرف دوافعه وراء ذلك.
كما شهدت فرنسا في 23 أكتوبر حادث سير هو الأسوأ منذ عشرات السنوات أسفر عن مقتل 43 شخصا احترقوا أحياء، إثر تصادم بين حافلة وشاحنة على طريق فرعي بالقرب من "ليبورن" جنوب فرنسا، واندلاع النار فيهما. وكانت الحافلة تقل 48 شخصا، بالإضافة للسائق الذي أصيب بجروح بسيطة، وقتل سائق الشاحنة التي كانت فارغة مع ابنه البالغ ثلاث سنوات.
ويعد هذا الحادث هو الأسوأ في فرنسا منذ 1982 عندما قتل 53 شخصا بينهم 44 طفلا في حادث حافلة على طريق سريعة قرب "بون" في الشرق. واستتبع الحادث تشديد قوانين السلامة على الطرق ومن ضمنها خفض الحد الأقصى للسرعة.
وفي 3 أكتوبر، تعرضت منطقة "الب كوت دازور" بجنوب فرنسا لموجة من العواصف والفياضنات هي الأعنف منذ عدة أعوام وتسببت في خسائر بشرية وأضرارا مادية بالغة. وارتفعت حصيلة الضحايا الى ما لا يقل عن 20 قتيلا ، فضلا عن انقطاع الكهرباء عن ألاف المنازل، واضطراب حركة القطارات وتعذر السير في العديد من النقاط على شبكة الطرقات. وقد أعلنت الحكومة عن حالة الكوارث الطبيعية في تلك المنطقة ورفع حالة التأهب القصوى إلى اللون البرتقالي، فضلا عن إنشاء صندوق لتعويض السكان وأصحاب المتاجر المتضررين.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد اودوكسا للدراسات ونشر الأحد الماضي في صحيفة "لو باريزيان اوجوردويه اون فرانس" أن عام 2015 كان عاما سيئا لفرنسا بالنسبة للأغلبية العظمى من الفرنسيين. وكشف الاستطلاع أن 81 % من الفرنسيين رأوا أن حصاد 2015 كان سلبيا بالنسبة لبلادهم وجاءت أبرز الأحداث من بعد الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها البلاد في يناير ونوفمبر الماضيين كالآتي: أزمة المهاجرين (%58) الحرب في سوريا (%49) ارتفاع معدلات البطالة في فرنسا (%41)، تصدر حزب اليمين المتطرف الجولة الاولى من الانتخابات الجهوية (%31)، تحطم مروحية فريق العمل لبرنامج "دروبد" لتلفزيون الواقع (%7)، و الفضائح في عالم الرياضة في قضيتي نجم كرة القدم كريم بنزيما ورئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ميشيل بلاتيني (%4), فيما امتنع %1 عن التعبير عن رأيهم.
وبالرغم من النجاح الذي حققه مؤتمر المناخ بباريس (30 نوفمبر-12 ديسمبر) على مستوى التنظيم فضلا عن التوصل الى اتفاق عالمي غير مسبوق لمكافحة الاحتباس الحراري والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، إلا أن وقع الأحداث الإرهابية وغيرها من التحديات التي تواجهها فرنسا جعل من 2015 عاما سيئا بالنسبة لأغلب الفرنسيين.
فيديو قد يعجبك: