بالفيديو- الهواري يعدد الانتصارات في رمضان: انتصار على النفس والشهوات
كتب ـ محمد قادوس:
في إحدى حلقاته الخاصة بمصراوي، قال الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر الشريف، إن للنَّاس مع رمضان مواقف غريبة، فبعض الناس يرتبط رمضان في أذهانهم بأكلات معينة في الفطور والسحور، وبعض الناس يرون رمضان على أنه شهر للنوم والكسل وترك العمل!
والنظر إلى شهر الصيام على أنه شهر الطعام وملء البطون من ألوان الأطعمة، وأنه شهر الكسل من المفاهيم السلبية التى انتشرت في الناس، حتى قلَّ العمل والإنتاج بحجة الصيام والتراويح.
وأوضح الهواري: أن العبادة والعمل في الإسلام صنوان لا يفترقان، وقيمتان متلازمتان، وكلاهما تكليف إلهي، ودائما ما نجد في القرآن اقتران العمل مع الإيمان في سياق واحد.
وأضاف الهواري أن المتأمل في التاريخ يستطيع أن يقيم الحجة على المتكاسلين في رمضان، فقد كان شهر رمضان على مدى التاريخ شهر الانتصارات العظيمة والبطولات الكبرى، التي شكلت جزءا مهما من تاريخ الإسلام على مر العصور.
فهذه غزوة بدر الكُبرى، التي وقعت في السنة الثانية من الهِجرة بين المسلمين بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم -ومُشركي مكة، وقد سمَّى الله ذلك اليوم (يوم الفرقان)؛ لأنه -سبحانه -فرَّق بين الحق والباطل بنصر رسوله -صلى الله عليه وسلم -والمؤمنين وخذْل الكفار المشركين.
وبين عضو المكتب الفتي أن عدد المسلمين يومئذ ثلاثة عشر وثلاثمائة رجل، والمشركون ألف رجل، وفيها دعا النبي - صلى الله عليه وسلم -ربه وناشَده نصره الذي وعده، فأنزل الله -تعالى- نصره على المؤمنين وأمدَّهم بالملائكة المسومين؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 123 - 125].
ولم يمنعهم الصيام على قلة عددهم من هذه المعركة الفاصلة!
وقال الهواري: وقع الفتح الأعظم - فتح مكة- في السنة الثامنة لهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ومعه عشرة آلاف من الصحابة - رضي الله عنهم - فافتتح مكة، ودخلها فطاف بالبيت الحرام، ثم حطَّم ثلاثمائة وستين صنمًا حول الكعبة، ثم دخل الكعبة فصلى فيها ركعتين، وكبَّر في نواحي البيت، وخطب من الغدِ في الناس خطبةً عظيمةً، وبايَعه أهل مكة رجالاً ونساءً على الإسلام، وأصبحت مكة دار إسلام وإيمان، وأقام بها النبي - صلى الله عليه وسلم – أياما يُجدِّد معالم الدِّين، ويُرشِد الناس إلى الإسلام، ويبثُّ سراياه حول مكة للدعوة إلى الإسلام وتحطيم الأوثان.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين يصوم ويصومون، ولم يمنعهم الصيام من هذا الفتح المبين!
وهل ننسى معركة القادسيَّة، وهي المعركة الفاصلة بين المسلمين والفرس، والتي وقعت في رمضان من السنة الرابعة عشرة للهِجرة، بقيادة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد عانى المسلمون في هذه المعركة من الفيَلة، ونفرَت منها الخيل، ولكن أبطال الإسلام شدوا عليها وقلعوا عيونها برماحهم وخراطيمها بسيوفهم، فولَّت هاربةً تدكُّ أصحابها، وانتصر المسلمون انتصارًا عظيمًا.
أو تلك الصرخة "وا معتصماه" تلك الصرخة التي هزت قلوب الأبطال، وكان من نتيجتها فتح عمورية: وهي بلدة كبيرة وكانت من أفضل بلاد الروم، وأشرف عندهم من القسطنطينية، وكان الروم قد هاجموا المسلمين وقتلوا منهم مقتلةً عظيمةً، وأسروا الرجال وسبَوا النساء، فصاحت منهم امرأة هاشمية هذه الصيحة: "وامعتصماه"، فبلغ الخبر المعتصم، فأجابها وهو جالس على عرشه: (لبيك، لبيكِ)، وجهز جيشًا عظيمًا، وخرج إلى الروم، فافتتح عمورية في رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين، ولم يمنعهم الصوم من المعركة!
أو معركة عين جالوت: التي حدثت بين المسلمين والتتار سنة ثمان وخمسين وستمائة للهجرة، بقيادة سلطان مصر الملك المظفَّر قُطز، فلما التقوا ألقى الملك المظفر خوذته عن رأسه إلى الأرض، وصرخ بأعلى صوته: (واإسلاماه)، وحمل بنفسه ومَن معه حملةً صادقةً فانهزم التتار، ثم رجعوا ثانيةً، وتزلزل المسلمون زلزالاً شديدًا، فصرخ السلطان صرخةً عظيمةً سمعه معظم العسكَر وهو يقول: (واإسلاماه) ثلاث مرات، يا الله، انصر عبدك قطز على التتار، فقاتلوهم قتالاً شديدًا فهزموهم، ونزل السلطان عن فرسه ومرَّغ وجهَه على الأرض وقبَّلها، وصلى ركعتين شكرًا لله – تعالى.
وهذا الفتح المبين الذي نصر الله فيه مصر على الصهاينة في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة في حرب العاشر من رمضان (حرب أكتوبر)، أو (معركة العبور)؛ أي عبور القوات المصرية قناة السويس واسترداد سيناء، وتحطيمهم لأكذوبة الجيش الذي لا يقهر، وخط بارليف الحصين.
لقد أثبت المصريون أنهم أهل شجاعة، وأن عندهم من الإرادة والعزيمة والقوة ما يمكنهم أن يقودوا قاطرة التقدم ببلادهم، وتخبرنا هذه المعركة أن الاتحاد قوة، والائتلاف منعة، والتآخي.
وفي نهاية حلقته قال الهواري: هذا ينبغي أن يفهم الصائمون أن الصيام والعبادة عامة لم تكن يوما مانعا من العلم والإنتاج، ولم تقف العبادات بأنواعها حجر عثرة ضد التقدم والرقي.
والعبادات على اختلاف أنواعها ليست حركات تؤدى بالبدن، أو جزءا يدفعه الإنسان من ماله، بل إن للعبادات مقاصد عالية، فالصيام مصدر قوة روحية تدفع إلى بذل مزيد من الجهد لإتقان العمل، واعتقاد المؤمن أنه يؤدي عبادة فرضها الخالق مما يمده بالعزم القوى؛ لذلك كانت شهور رمضان أيام نصر وفوز.
إننا نحتاج إلى أن نفهم مقاصد عباداتنا، وألا تؤدي بنا العبادات إلى قعود أو تكاسل، فرمضان شهر العمل، وشهر الانتصار على النفس الأمارة بالسوء؛ لتعود أمارة بالخير، وشهر الانتصار على العادة ليحكمها الإنسان بدلا من أن تحكمه، وشهر الانتصار على الشهوات، لتحل مكانها العبادات.
فيديو قد يعجبك: