"المصريون يلقون 60 % من الأكل بالقمامة".. موائد رمضان تفيض بالطعام المهدر
صورة / Flickr
-مارينا ميلاد:
مساء كل ليلة من ليالِ رمضان، تفكر "عواطف" في وجبة إفطار اليوم التالي. فعلى المائدة، يجتمع زوجها وأبناؤها وزوجاتهم. فتُزحمها بأصناف عدة، ترهقها جسديًا وماديًا أيضًا. وعندما ينهي الجميع تناول الطعام، يتبق عليها الكثير، فيكون مصير أغلبه سلة القمامة.
ما تفعله "عواطف" غير مألوف بالأيام العادية، فهي ضمن نحو 85% من المصريين الذين يغيرون عاداتهم الغذائية خلال شهر رمضان، ويرتفع حجم استهلاكهم بنسبة تقترب من 150%، بما يعادل حجم استهلاك 3 أشهر بالسنة (وفقا لبيانات الدخل والإنفاق للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء).
الكم الذي تلقيه بسلة القمامة يمثل جزءا بسيطا بين 9 مليون طن من الغذاء تهدره مصر، لتكون الأولى عربيا في هذا الأمر (بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة).
قبل رمضان بأيام، اشترت عواطف عبدالرحمن (63 عامًا) احتياجاتها الأساسية لهذا الشهر والتي تكلفت قرابة ستة آلاف جنيه، ويشكل قوامها اللحوم والدجاج. وهي التكلفة التي تزيد عن نصف معاشها وزوجها البالغ نحو عشرة آلاف جنيه شهريًا.
فتقول، وهي تفرز محتويات ثلاجتها لتضع بعضها عند جارتها بسبب امتلاؤها، "رمضان نعرفه بهذا الشكل، ليس حبًا ورغبة في الأكل الزائد، لكنها عادات وفرحة رغم التعب والمصاريف".
في الأيام العادية، تنفق أسرة "عواطف" كغيرها من الأسر في مصر نحو 37% من ميزانيتها السنوية على الطعام والشراب (وفقًا لبيانات سابقة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء). لكن يبدو أن الأمر في رمضان يأخذ النصيب الأكبر في هذه النسبة.
فلا تتردد "عواطف" كثيرًا في اتخاذ قرارتها الشرائية رغم ارتفاع الأسعار عليها، والتي "تفاجئها وتصدمها" طوال الوقت، كما تصف، فتضطر إلى التقليل والاستبدال، إلى جانب بحثها عن "العروض الرمضانية" سواء بالمتاجر أو التطبيقات.
وقد زادت معدلات التضخم في مصر خلال السنوات الأخيرة أكثر من مرة، حتى وإن تراجعت قليلا خلال الشهر الماضي، حيث أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أنه سجل نسبة سنوية 12.5% مقارنة بـ 23.2% في يناير2025. ويعود التراجع بشكل أساسي إلى انخفاض أسعار بعض السلع، كالخضروات بنسبة 8.2%، إضافة إلى انخفاض طفيف في أسعار البن والشاي والكاكاو وثبات أسعار المياه والخدمات المتنوعة المتعلقة بالمسكن.
وبحلول منتصف رمضان، استهلكت "عواطف" أغلب خزينها وبدأت في تقليل أصناف مائدتها إلى حد ما وتنوعيها، بشرط وجود اللحم أو الدجاج. لكن في كلا الحالتين، تفيض أطعمة من المائدة، بنسب متفاوتة، بعضها يُلقى بسلة القمامة والآخر تحتفظ به لليوم التالي أو تستخدمه كطعام للكلاب والقطط.
فعلى سبيل المثال، تستفيد من الخضار المتبقي في إعداد شوربة أو سلطة، وتأكل الطعام المخزن حال عدم وجود غرباء وتناول أبناؤها الفطار خارج المنزل. لكن في بعض الأحيان، كما تحكي، "يظل الطعام بالثلاجة لأيام، فتضطر أن تتخلص منه، خاصة مع وجود عزومة، لا ينفعها غير طعام طازج، وهناك أطعمة أيضا مضرة للكلاب".
هذه الكمية التي تخرجها "عواطف" ضمن 60 % على الأقل من الأطعمة الصالحة للأكل يتم التخلص منها، فهناك 50% من الخضار والفواكه و40% من الأسماك و30% من الحليب والقمح تهدر كل عام في مصر خاصة في فترات رمضان والأعياد، وفقا لدراسة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).
ذلك في الوقت الذي يزداد فيه عدد سكانها، البالغ نحو 107مليون نسمة، ومعه احتياجاتها من الغذاء.
لذا أطلقت منظمة "الفاو" خلال شهر رمضان عام 2022 حملة توعوية مع بنك الطعام المصري ضد مسألة هدر الطعام تحت شعار " 30 نصيحة في 30 يوم". ويقول محسن سرحان (الرئيس التنفيذي لبنك الطعام المصري)، إن "هدر الطعام من المسببات التي تؤدى إلى تفاقم أزمة المناخ، خاصة في ظل الاشتعال الذاتي لنفايات الطعام داخل مقالب القمامة وما ينتج عن ذلك من توليد غاز الميثان ومن الضروري تغيير الثقافة الخاصة بالاستهلاك، وتعزيز فكرة تغيير العادات السيئة من أجل الأجيال القادمة، حفاظا على الموارد".
ولا تعي "عواطف" تلك الأسباب التي يسردها "سرحان"، وأن وجبتها الملقاة تسبب كل ذلك، فهي فقط تحس "إن إلقاء الطعام حرام" ليس أكثر. فيقدم معهد جوته الألماني لـها وغيرها عدة نصائح لتقليل الهدر في حملته "معًا لرمضان مستدام".
لم تصل تلك الحملات والأفكار إلى مسامع يحيى محمد (مدير أحد المطاعم بمنطقة المهندسين). فيكتظ محله قبل وبعد موعد الإفطار بالزبائن غير طلبات التوصيل. يوضح أنه "نتيجة ذلك، تمتلئ أكياسه بقدر كبير من الطعام، لكنه لا يحسبه ولا يفكر في إعادة استخدامه بسبب ضغط العمل وضيق الوقت خلال رمضان".
في حين أن مطعم آخر، يستغل كمياته المهدرة الصالحة للأكل في توزيعها على العمال والمحتاجين بالشوارع خلال ساعة الإفطار بعد إعادة تغليفها. فيقول أحد عماله، الذي يقف على عربة للتوزيع، "نحن نفعل ذلك بالأيام العادية أيضًا ونعطي المحتاجين الذين يمرون بنهاية اليوم، فما بالك برمضان".
وفي تلك الساعة نفسها، تقف "عواطف" في مطبخها لتطهو وجبة الإفطار التي تعزم عليها خمس أفراد. وتدرك في تلك اللحظات أنها تزيد من كميات الأكل، لكنها تقول: "اعتدنا أن نعمل كل ما لدينا أمام الناس ويتبقى أفضل من تقديم شيء أقل ويقوموا من المائدة جائعين!".
ومن كل أجواء رمضان التي اعتادتها خلال عمرها ربما لم يتبق سوى تلك "اللمة"، كما ترى.. وتلك "اللمة" التي تتحدث عنها "عواطف" يفضلها 85% من المصريين الذين يتناولون الوجبات داخل المنزل في رمضان، مقابل 15% خارجه، بحسب تحليل أصدره مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، خلال الأيام الماضية، حول عادات وتقاليد رمضان.
فيديو قد يعجبك: