- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
بقلم - الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي*:
رغم أن خريطة الشرق الأسط قد استقرت منذ مائة عام على هذه الحدود المصطنعة التي قسمت تركة الدولة العثمانية في الاتفاقية الشهيرة لوزيري خارجية بريطانية وفرنسا سايكس/بيكو ، إلا أن الخرائط البديلة كانت دائما محجوبة عن الأنظار في أدراج دوائر صنع القرار السياسي في الغرب تنتظر الوقت الملائم لتحقيقها. وقد بدأت أولى ملامحها بالظهور في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها العراق مع التطور المتسارع والتقدم المفاجئ لتحالف الثوار وداعش، وخروج المعابر الحدودية عن سيطرة القوات النظامية، وتقدم قوات البشمركة للسيطرة على كركوك وما يحاذيها من المناطق المتنازع عليها .
إن تصوير وسائل الإعلام الغربية ما حدث بالمفاجأة إنما هو مادة إعلامية لاستهلاك الشعوب، فالغرب لا يؤمن بالمفاجأة، وساذج هو من يظن أن الغرب قد تفاجأ بهذه الأحداث، فمطابخ السياسة الغربية تؤمن بصنع الأحداث وتتوقع النتائج وتوجه المسار لتصل إلى ما رسمت من الأهداف، ولذلك أسباب ليس هذا محل التوسع في بيانها لعل أهمها سبق الوصول إلى المعلومات، واختراق معظم الحركات والثورات والتنظيمات والحكومات ودراسة نماذج التغيير السياسي في تاريخ العالم، مما يصبح معه أي مشهد جديد معادلة رياضية أو قياسا منطقيا لا يحتاج إلا إلى ترتيب المقدمات للوصول إلى النتائج الحتمية.
لقد كان أعظم أهداف السياسة الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط تأمين حدود آمنة لإسرائيل، وكان ذلك يتم خلال العقود السابقة عبر مستويات عدة من العلاقات مع الحكام العرب منها تفاهمات وتعهدات متبادلة تطورت إلى معاهدة فك اشتباك مع سوريا دامت أربعين سنة لم تطلق فيها رصاصة واحدة من الحدود السورية على إسرائيل، ووصلت إلى الذروة في اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة. وكان من الضروري في تلك المرحلة الحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية سيادة الدول في المنطقة.
ولكن تلك المعاهدات والتفاهمات لم تكن كافية لتحقيق الطموحات الإسرائيلية على المدى البعيد. ومن هنا ولدت فكرة الفوضى الخلاقة التي تقوم في الدرجة الأولى بوظيفة تسريع مجريات الأحداث والسماح للعدو باللعب في الوقت الضائع والمساحة المفقودة لتحقيق أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي أهداف تتلخص في:
- تفتيت الدول المجاورة إلى صغيرة تقوم على أقليات قومية ودينية تتحالف مع إسرائيل أو مع أعداء إسرائيل، تتقاتل فيما بينها، ليؤدي قيامها إلى القضاء على الأغلبية الغالبة في المنطقة وهم أهل السنة.
- تدمير الترسانات العسكرية لدول المنطقة، وهي ترسانات بنيت عبر خمسين سنة من استراتيجيات عسكرية كانت تهدف أساسا لحماية الحدود والدفاع عن أمن البلاد وتضع نصب أعينها تحرير الأراضي المحتلة وفلسطين. ومع تدمير هذه الترسانات سيتم تفتيت الجيوش القوية في المنطقة من مصر إلى تركيا لكي يزول أي خطر يهدد وجود إسرائيل.
- توسيع حدود إسرائيل باتجاه النيل والفرات للهيمنة على الشرق الأوسط والسيطرة على موارده لكن لا بشكل عدواني كما كان يحدث في السابق في حروب ال 56 وال 67 بل يكون تدخل إسرائيل لإنقاذ شعوب المنطقة . وهذا ما سيؤدي إلى إركاع شعوب المنطقة وتهيئتها لقبول الهيمنة الإسرائيلية بلا تحفظ.
إن قيام إسرائيل بهجوم عسكري لتحقيق هذه الأهداف هو جنون مطبق يستعدي عليها دول العالم أجمع، ولكن ماذا لو قام العرب أنفسهم بتحقيق تلك الأهداف لإسرائيل من خلال تناحرهم دون أن تطلق إسرائيل رصاصة واحدة؟ هكذا فكرت دوائر صنع الأحداث في إسرائيل والغرب فقامت بتهيئة المناخ وإعداد الظروف الملائمة لولادة تطرف شيعي نصيري في سوريا والعراق، يقابله تطرف سلفي جهادي مع جبهة النصرة وداعش يمهد لحرب تحرق الأخضر واليابس وتعود بالمنطقة إلى العصر الحجري وتمهد لتدخل إسرائيل لإنقاذ شعوب المنطقة .
الحقيقة أن الكثير من أبناء شعوب المنطقة كان يفضل إسرائيل على الأنظمة الديكتاتورية التي تحكمه، وقد رأينا أمثلة لهذا في بعض المظاهرات السورية وتصريحات بعض زعماء المعارضة، ولكن إسرائيل لا تريد التدخل الآن إلى أن تكتوي الشعوب بنار التطرف الديني المنتسب زورا للإسلام، ليظهر فشل التجربة الدينية وييأس الناس من أي مخلص باسم الإسلام، ويثور الناس على الدين وقادته، فيذهب الصالح بجريرة الطالح ويتم القضاء على كل ما ينتسب للدين بذريعة الإسلام السياسي.
وقد يتساءل المرء ولماذا تريد إسرائيل القضاء على أنظمة تعاملت معها وعقدت معها اتفاقيات وأسست تفاهمات ضمنت لإسرائيل البقاء؟ والجواب أن بقاء إسرائيل مبني على الحرب لا على السلام، وأن وجود إسرائيل مؤسس على الخوف لا على الأمن. إن ضمانة وجود إسرائيل كانت دائما وجود عدو تخاف منه، فهي دائما الضحية والعرب في الجوار هم الوحوش المفترسة، هكذا اكتسبت إسرائيل عطف دول العالم. ثم إن إسرائيل (وأعني الدولة الصهيونية العميقة التي تقودها) لا تريد أن تقف عند ما وصلت إليه، بل لها طموحات تلمودية أكبر من ذلك تبدأ من هدم الأقصى الشريف وبناء الهيكل على أنقاضه، وتنتهي بالسيطرة على المنطقة ومواردها، واستعباد شعوبها من المسلمين والمسيحيين على حد سواء .
كانت إسرائيل تعول على حماس، التي مثلت بغباء شديد ذلك البُعبع، الذي استعملته إسرائيل - رغم أنه لم يُخِفها على الإطلاق - لتستدر عطف الشعوب وتواصل سياساتها في التوسع وبناء المستوطنات. وتعد سياسات حماس في منظور التخطيط الاستراتيجي نوعا من الغباء لأنها تعتمد على تخطيط قصير المدى، يهدف إلى ضجة إعلامية تخدم سياسة إسرائيل أو إلي تحقيق أهداف ثانوية كاختطاف بعض الرهائن للمبادلة عليهم . إن بناء الدولة الفلسطينية يحتاج إلى تخطيط بعيد المدى لا تستطيع القيام به إلا دول قوية. ولكن حماس التي شعرت على أية حال أن ورقة الصواريخ لم تعد تثمر إلا جعجعة إعلامية دخلت لعبة التهدئة ففقدت بذلك المبرر الأساسي لوجودها وهو إرعاب إسرائيل، ولم تعد تخدم الأهداف والمصالح الإسرائيلية في الوجود، فكان لا بد من التحول إلى وسائل أخرى. وهنا لا بد من التنبيه إلى أن حماس بعد أن استنفذت ورقة إخافة إسرائيل ربما تنغلق على نفسها وتوجه المشاعر الثورية والطاقات الحماسية إلى دول الجوار العربي، وهو ما ظهرت بوادره في تورط حماس في مصر مع ثورة يناير ثم بُعيد سقوط مرسي، وربما يكون الأردن حقل الاستعراض الجديد لعضلات هذا التنظيم في سيناريو قد يشهد عسكرة الإخوان في الأردن وظهور الكتائب السلفية الجهادية في شمال الأردن مدفوعة بحماس انتصارات داعش في العراق. ولا يستطيع أحد أن ينكر الإحباط الذي أصاب الغرب بعد المصالحة الأخيرة بين حماس والسلطة الفلسطينية، ولكن هذا الإحباط ليس من أجل تحالف عباس مع "منظمة إرهابية"، وإنما لخروج هذه المنظمة عن الأهداف التي وجدت من أجلها ورسمت لها في سلوك سبيل العنف والتطرف؛ فمتى يتعقل الثوار ويعلمون أن الخطاب الثوري المبني على رد الفعل إنما هو كالقياس العقيم لا يمكن أن ينتج؟ وأن ما نحتاج إليه هو فعل مبني على تخطيط قد يستغرق نصف قرن للوصول إلى الهدف المنشود، لا رد فعل مبني على ساعة غضب نتائجها كالفقاعات سرعان ما تذوب.
لقد خطط الغرب طويلا لهذا التغيير الجذري في منطقة الشرق الأوسط، ورغم عفوية المظاهرات في شوارع المدن السورية في بدايات الثورة إلا أن من السخرية بمكان تصديق عفوية المحركات الأساسية للثورة التي رأى الغرب فيها فرصة لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وإسقاط حدود سايكس / بيكو، ومع سقوط الحدود تسقط أنظمة وتتفتت دول. والأمر ذاته ينطبق على ثورة تونس ومصر وليبيا، إنه تخطيط عميق يعتمد في اختيار ساعة الصفر على أحداث عفوية تكون شرارات تنطلق معها ثورة مساراتها ونتائجها محسوبة بكل دقة.
وهل يمكن لأمريكا أن تتخلى عن أنظمة تعاملت معها إلى درجة اتهامها بالعمالة لها وللغرب؟ الجواب بكل صراحة نعم، ولذلك سوابق بعيدة وقريبة، فكل من شاه إيران وحسني مبارك دليل على أن أمريكا وإسرائيل لا تعبآن بولاء الصديق بعد انتهاء دوره على الإطلاق. إذ إن السياسة الأمريكية تقوم على قاعدة مشهورة في السياسة الغربية: عدو ضعيف خير من صديق قوي.
ولذك فإن خطابات الشارع الثوري الجهادي الذي يتهم حكام مصر والأردن والخليج وغيرها بالعمالة للغرب خطاب عاطفي يعتمد على الغضب والإحباط لا على التحليل والدراسة. دول الشرق الأوسط دول نشأت بعد عقود من الاحتلال في أعقاب سقوط الدولة العثمانية، وأراد حكامها الحفاظ على مصالح وجودها في ظل وجود قطبين يسعيان إلى الهيمنة على المنطقة وخدمة أهداف إسرائيل: قطب شيوعي سوفياتي يهدد بثورات على طريقة ستالين تستأصل الدين والثقافة والحضارة والتاريخ في هذه الدول، وقطب غربي استعمر البلاد زمانا يدافع عن إسرائيل ويضغط دائما باتجاه تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان. إنها البراغماتية التي يتبعها الحكام العرب لإنقاذ دولهم. ولا يستطيع المحلل لمجرى السياسة الدولية أن يشك في أن هؤلاء الحكام يسعون إلى حماية المصالح الوطنية والقومية لبلادهم وشعوبهم رغم الفساد والاستبداد المستشري في بعض هذه البلاد، واستطاعوا حماية أمن بلادهم وسط دوامات تحيط بهم من كل جانب. من خلال التحالف مع القوى الغربية، ولكنهم الآن أحسوا بما تبيته هذه القوى من نوايا في تغيير خارطة الشرق الأوسط، وفي هذا السياق يلاحظ المراقب للأحداث محاولات عدد من حكام المنطقة إيجاد بدائل للعلاقات مع أمريكا، وربما كانت هذه الصحوة من أهم الأسباب التي أطاحت بمبارك. وأجدني هنا مضطرا لاستثناء الأسد من بين هؤلاء، لأنه فرط بالمصالح الوطنية والقومية لبلاده من خلال التحالف مع إيران، فقام بتسليم سورية إليها على طبق من ذهب، رغم المغريات التي قدمت إليه من دول الاتحاد الأوروبي في أعقاب توليه الحكم.
ولذلك فإن الغرب ورغم كل اتفاقات التعاون الأمنية والعسكرية والاقتصادية، بل ورغم الوجود العسكري الأمريكي في بعض هذه الدول، سيقلب الآن ظهر المجن لهذه الدول، وذلك لأن إسرائيل صارت تعتبر هذه الدول عقبة أمام تحقيق أهدافها. فإسرائيل لا تريد اتفاقية سلام تمنعها من التوسع و تلزمها بالعيش ضمن الحدود الحالية، لأن السلام في هذه المرحلة مكسب للدول العربية يتيح لها التفرغ لبناء اقتصادها وتطوير إمكاناتها وهو ما يشكل خطرا على إسرائيل على المدى البعيد. ولذلك فإن التغيير باتجاه تأسيس كيانات متشددة تتملص من كل التعهدات السابقة وتقلب لإسرائيل ظهر المجن قد بدأ على قدم وساق.
كما أن إسرائيل لا تريد دولة مثل سوريا تتفاهم معها على حماية الحدود - رغم إمعان النظام السوري في العمالة لإسرائيل. لأنها تطمح لما وراء الجولان. ودول مثل مصر وسوريا والأردن صارت أيضا عقبة أمام خطط إسرائيل للمرحلة القادمة للوصول إلى إسرائيل الكبرى. ولذلك فإنها تريد التخلص من هذه الأنظمة بدون أن تتدخل عسكريا، لأن تدخلها سيرسم لها صورة الدولة المعتدية، وهي صورة قاتمة في السياسة الدولية لا تريد أن تصل إليها. لقد جربت إسرائيل في الخمسينات والستينات سياسة التوسع فلم تجن منها إلا استنكارا عالميا وقرارات ملزمة من الأمم المتحدة بالانسحاب ومقاطعة من دول عديدة. تلك مرحلة انتهت مع كامب ديفيد ووادي عربة، ولكن مرحلة السلام الجديدة التي بدأت مع فك الاشتباك عام 1974 وكامب ديفيد سنة ١٩٧٨ هذه أوشكت على الانتهاء اليوم، وأشد ما تحتاجه إسرائيل اليوم هو أنظمة جديدة متشددة متطرفة تلغي هذه الاتفاقيات، ونحن على مشارف مرحلة جديدة تؤسس لمرحلة جديدة في السياسة الإسرائيلية تقوم على التوسع.
كانت إسرائيل تعول في مصر على تنظيم الإخوان المسلمين والرئيس المنتخب بفارق ضئيل (أو الإطار البديل الذي جيء به في آخر لحظة) مرسي. كانت إسرائيل تزغرد مع وصول مرسي للحكم، لا حبا بالإسلام، ولكن لأن التنظيم صُنع للقضاء على الإسلام من داخله ولتفتيت المجتمعات الإسلامية. إذ الخطر على الغرب إنما هو في الإسلام السني المعتدل الذي افتتح أوروبا ووسط آسية وبلاد الملايو ووسط إفريقيا. ولذلك فإن الغرب شجع ودعم كل فرقة أو تنظيم انشق عن بنيان الإسلام لأنه يحقق أهدافه في تفتيته، هذا إن لم نقل إنه صنع بعض هذه التنظيمات والفرق، كما يعرف المتتبع لتاريخ الفرق والحركات الإسلامية في القرنين الماضيين.
بعض الحكام العرب مثل ملك الأردن والملك السعودي والمشير السيسي وحكام الإمارات فهموا لعبة الغرب بشكل جيد، وعرفوا مكمن الخطر، وأن هدف الغرب وإسرائيل من خلال الربيع العربي هو ليس تغيير الأنظمة فحسب، وإنما تدمير هذه الدول المحيطة بإسرائيل والقضاء على الإسلام من خلال إيصال المتطرفين إلى الحكم لمساعدة إسرائيل على تحقيق أهدافها. ورغم أن مرسي حاول تقديم ضمانات للغرب بعدم تغيير سياساته تجاه إسرائيل ولكن الكل كان يعلم أنها تعهدات جوفاء، وهم سعداء بها، والمطلوب منه في حقيقة الأمر كان هذه الأهداف:
- شرخ المجتمع المصري.
- إرهاب الأقباط وإثارة العالم للدفاع عن المسيحيين في مصر.
- تشجيع الجماعات الجهادية على حدود إسرائيل.
- تفتيت الجيش المصري أقوى جيش عربي ما يزال قادرا على مواجهة إسرائيل.
- ليصار في نهاية الأمر إلى إبطال معاهدة كامب ديفيد للسلام وتبدأ إسرائيل التوسع إلى ضفاف النيل.
ومن هنا فإن الغرب يهدف حقا من خلال تشجيع الثورة السورية في بداية مراحلها (ولا أقول دعمها) إلى إسقاط النظام السوري، لكن ليس الآن وإنما في الوقت الذي يختاره، لا تعاطفا مع الشعب وإنما للتخلص من مرحلة معاهدة فك الاشتباك مع إسرائيل والانتقال إلى مرحلة تقديم الذرائع لإسرائيل في التوسع، ويتم من خلال ذلك القضاء على الترسانة العسكرية السورية وتفتيت سوريا إلى دويلات. ومشروع التقسيم هذا جربته فرنسا ولم تنجح فيه، ثم بشرت به عدد من الكتب التي نشرت أو عربت في الستينات مما قرأناه ونحن ناشئة، ولكن الوقت لم يكن قد حان لتنفيذه، فإسرائيل كانت الدولة المعتدية، وشعوبُ المنطقة التي اكتسبت تعاطف العالم كانت ضحية الهمجية الإسرائيلية، وكان لا بد من تغيير هذه الصورة من خلال سيناريو جديد يظهر همجية جيران إسرائيل العرب والمسلمين تحديدا، وهذا ما بدأت به جماعات مثل النصرة وداعش ومن على شاكلتهما.
لم يخطئ الغرب عندما رأى أن خير سبيل لتحقيق أهداف إسرائيل هو دعم الإسلام السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر، هذا الإسلام الذي يمثله الإخوان المسلمون والجماعات الجهادية (والعلاقة بينهما وثيقة) التي أصبحت منذ زمن بعيد أداة في يد الغرب لتنفيذ مخططات التوسع.
لا يخفى على أحد كيف أن الغرب تقاعس عن دعم الثورة السورية وترك الأمور تجري على الأرض باتجاه نمو سرطان التطرف. ورغم أن زعماء الغرب دعوا الأسد بإصرار عجيب إلى التنحي منذ بدايات الثورة، إلا أن من الخطأ فهم هذه الدعوة على أنها إرادة غربية لعزله، فهذه الدعوة لم تكن موجهة له، وإنما وجهت للشعب لكي يستمر في ثورته، هذه الثورة التي ستحقق للغرب أهدافه. وبالفعل لا ينكر أحد أنه كلما خرج الرئيس أوباما مصرحا على الأسد أن يتنحى كانت المظاهرات تشتد وحماس الثوار يقوى. ولا يعني هذا أننا نفضل بقاء الأسد اليوم أو كنا نفضل ذلك في أي وقت مضى، فهو مجرم حرب يجب رحيله بأية وسيلة، ولكن العمل على إسقاطه كان يجب أن يتم بتخطيط أعمق من قبل المعارضة وتوحيد للجهود يجنب سوريا ما وصلت إليه، وهذا ما فشلت فيه المعارضة التي يتحكم بها الإخوان المسلمين أو فصلت على مقاسهم ومقاس من يختارون من تجار السياسة ، وهو ما يعرفه الغرب ويتوقعه ويتحرك على أساسه.
لقد مهدت أمريكا لهذه المرحلة عبر عقود من اضطهاد السنة في سورية على يد النظام الطائفي، ولكن هذا الاضطهاد الذي لم ينجح في تفجير ثورة شعبية في الثمانينات رغم فظاعته آنذاك، استطاع تفجير ثورة شعبية عارمة في مارس 2011. وكما كان الغرب يصفق للأسد الأب في الثمانينات كان الغرب يفرش السجادات الحمراء للأسد الابن في قصر الإليزيه وغيره احتفاء به بينما تغص السجون بالمعتقلين. لقد أرخوا له العنان تماما كما أرخوا العنان لصدام من قبل ثم للمالكي ليحقق لهم ما يريدون من تأجيج نار الحقد والكراهية عبر سنوات من القمع والاضطهاد لأهل السنة على أيدي الميليشيات الشيعية، مما أوصل الأمور إلى فوهة بركان انفجر مع سقوط الموصل بيد تحالف العشائر وداعش.
لقد وصلت المنطقة الآن إلى حافة الهاوية، ونحن ولا ريب على أبواب تغييرات جذرية. وكل من يظن أن أمريكا وإسرائيل قلقة من نمو داعش أو النصرة فإنه مخطئ. صحيح أن داعش ليس المشارك الوحيد في ثورة السنة في العراق، ولكنها ستحاول الهيمنة على الثورة بسياسة الإرهاب والقتل وقطع الرؤوس مما لا يستطيع فعله أبناء العشائر الأبطال الذين تربوا على أخلاق العرب في حماية الجار والوفاء بالعهد. وسيترك الغرب المشهد كما هو إلى أن تقوم دولة العراق والشام وترسم حدودها وتفرض نفسها، وتبدأ بإزعاج جيرانها، وربما يشتري الغرب النفط من داعش عبر وسطاء، إذ إن أمريكا مستعدة للتعاون مع الشيطان من أجل استمرار تدفق النفط (إلى أن تحقق الاكتفاء الذاتي منه خلال سنوات يسيرة) .
كما أن داعش ستظهر من البرجماتية والتعاون مع أمريكا ما قد يفاجئ المراقبين، إلا أننا لن نتفاجأ على الإطلاق، لأن فكر داعش يقوم على التفريق بين الكفار الأصليين والمرتدين، فالأوروبيون والأمريكيون من اليهود والنصارى هم كفار أصليون، وأهل الشام والعراق والجزيرة العربية هم كفار مرتدون لأنهم رضوا بالحكم بغير ما أنزل الله. وقتال هؤلاء كما صرح بعض مسؤولي داعش منذ مدة وجيزة أولى وأهم. وهذا هو مبدأ الخوارج، حتى أنه يروى في ذلك من الطرف أن قوما من المسلمين اجتازوا بأرض الخوارج فأخذوهم وسألوهم من أنتم فأجابوا: "نحن قوم من أهل الكتاب جئناكم نستجير بكم لكي نسمع كلام الله"، فأجاروهم وحمَوهم حتى تجاوزوا أرضهم، عملا بالآية الكريمة :{وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} بينما كانوا يقتلون من يمر بهم من المسلمين يزعمون أنهم مرتدون . وهذا ما ستفعله داعش، وسيتعامل معهم الغرب كما تعامل مع إيران من قبل. فالسياسي عند الغرب هو من ليس له عدو ثابت ولا صديق ثابت وإنما مصالح ثابتة.
ستقوم دولة داعش لأنها التنظيم الوحيد الذي استطاع أن يقدم تصورا لدولة إرهابية وحشية مرعبة، تزعزع جميع العروش، وتعادي جميع المسلمين والحكام، وتشوه صورة الإسلام، وتجعل العرب ينسون مجازر دير ياسين وصبرا وشاتيلا. إنها حلم للغرب يتمنى تحقيقه لما له من مصالح واسعة في قيام دولة متطرفة في هذه المنطقة، ولا أقول دولة سنية، فمذهب أهل السنة والجماعة أبعد ما يكون عن تلك المبادئ التي تتبناها داعش. فالإسلام السني المعتدل هو الخطر الحقيقي على الغرب وإسرائيل، الأزهر والزيتونية والقرويين والمفتون وعلماء المسلمين في كل بلد هم الخطر الأكبر الذي يهدد بقاء إسرائيل ووجود أوروبا، ولم تكن تنظيمات الإسلام السياسي تشكل في يوم من الأيام أي خطر على وجود إسرائيل وبقاء أوروبا ونفوذ أمريكا.
ومن جملة هذه الأهداف والمصالح التي ستتحقق للغرب من خلال السماح بقيام دولة داعش إلى جانب إعطاء المبررات لإسرائيل في التوسع:
- توريط إيران في حرب داعش واستهلاك مقدراتها، رغم أنها أي إيران جزء لا يتجزأ من أدوات تنفيذ مخططات إسرائيل وأمريكا، ولكن لتبقى تحت السيطرة.
- تشريد أهل السنة وهم السواد الأعظم المتضرر من تنامي نفوذ داعش وإيران، كما أنهم المتضرر الأكبر من جرائم النظام السوري وجرائم داعش والنصرة.
- القضاء على أي طموح لأهل السنة في تأسيس دولة مستقلة لهم.
- استعمال داعش لتهديد أمن دول الخليج والأردن والسعودية.
إن ما تبقى من الدول في الشرق الأوسط يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، إنها تحديات البقاء:
- تدخل إيران لحماية الشيعة في دول الخليج.
- إعلان داعش الجهاد لإسقاط هذه الأنظمة.
- تصعيد نشاطات المعارضة السياسية وجماعات حقوق الإنسان.
إن بقاء الأسد أو عدم بقائه أصبح أمرا ثانويا، لأن حلم قيام دولة ديمقراطية قوية موحدة في سوريا قد تبخر، وهو بالضبط ما تريده إسرائيل.
وحق لدول الشرق الأوسط أن تنشد قول المتنبي:
فصرت إذا أصابتني سهام * تكسرت النصال على النصال
وليس الأردن ومصر ولا تركيا بمعزل عن ذلك. تفتيت مصر والأردن وإلغاء معاهدات السلام هو من أهم أهداف المرحلة القادمة، ولن تقوم بذلك إسرائيل على الإطلاق، ولكنها ستترك هذه الدول تسقط الواحدة تلو الأخرى بين إيران وداعش، وستتدخل بعد ذلك بدعم دولي، بل وبتفويض مما تبقى من شعوب المنطقة. وستكون صورة إسرائيل القادمة صورة المنقذ للشعوب العربية من همجية التطرف السني والشيعي. وسيمشي العربي بجانب اليهودي سعيدا يقبل يد منقذه، لكنه سيكون ذليلا يفرض عليه القوي ما يريد من شروط. وعند ذلك لن يكون هناك مجال للحديث عن القدس والأقصى، فالتحديات أكبر.. إنها تحديات الطعام والماء والمأمن. وكل من يوفر هذه الثلاثة سيكون سيد تلك المرحلة.
إن تصور سيناريو انهيار مصر قد يكون صعبا بعد نجاح المشير السيسي في إفشال المخطط الغربي وإنقاذ بلاده من براثن الإخوان المسلمين. ولكن في لعبة الشطرنج قاعدة هامة وهي: إذا أردت القضاء على قطعة من قطع خصمك فاستهدف القطعة التي تحميها ، وهذا ما يخطط له الغرب لانهيار مصر ذات التسعين مليونا: فاقتصاد مصر اليوم يعتمد اعتمادا كليا على المساعدات التي تأتيه من دول الخليج، فإذا ما تم استهداف دول الخليج تم القضاء على الاقتصاد المصري.
إننا نحذر السنة في العراق من التحالف مع داعش ، إنه تحالف مع الخاسر الأكبر، وتحالف يوقع السنة في مطب الانتقام الطائفي، فالإسلام أوسع من داعش. كما أننا نحذر المعارضة في سوريا والفصائل المسلحة من التحالف مع الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة، فالإسلام بمبادئه أوسع وبعلمائه أقوى .
الإسلام الذي فتح مكة هو إسلام الرحمة الذي قاده الشعار الذي أطلقه النبي عليه الصلاة والسلام لأعدائه "اذهبوا فأنتم الطلقاء"..
والإسلام الذي فتح القدس هو إسلام العفو الذي قاده صلاح الدين حين عفا عن ألد أعدائه....
والإسلام الذي فتح القسطنطينية ووصل إلى أسوار فيينا هو إسلام الحكمة والرحمة، إسلام الذكر والسلوك، يقوده خلف السلاطين علماء كالجبال في العلم والحلم..
لا إسلام الخوارج والشيعة، ولا إسلام الإخوان المسلمين والقاعدة، ولا إسلام داعش والنصرة.
وسيأتي اليوم الذي يعود فيه هذا الإسلام إلى الصدارة، حين تلتف الشعوب حول العلماء وترى فيهم الممثلين الحقيقيين للإسلام. ولن يكون ذلك إلا بعد أن تنكشف حقيقة كل ناعق باسم الإسلام، وبعد أن تنكشف للشعوب حقائق هذه التيارات والجماعات.
نحن أمام بضع سنين من صراعات سنية شيعية يسيطر عليها المتطرفون من كل اتجاه، قد تسقط فيها عروش وتزول دول وتقوم دول، إلى أن يتم القضاء على كلا الخطرين معا، ولكن الثمن سيكون باهظا من جهة الضحايا في القتل والتشريد فنحن لم نشهد إلا البدايات بعد، ومن جهة المواقف فالحليف الذي سيتدخل لإنقاذ شعوب المنطقة هو الغرب وإسرائيل التي ستقدم الفتات لإطعام هذه الشعوب.
لكن.. وبعد فشل المشروع "الجهادي" الموجه بأزرار خفية من الغرب، وبعد القضاء على طموحات التشيع الفارسي، فإن المرحلة التالية ستشهد ولادة فجر جديد يقوده الإسلام السني بشيوخه وعلمائه الذين هم ورثة الأنبياء.. الذين كانوا هم المخَلّصين للأمة في الأزمات والكوارث أمام الصليبيين والتتار والمستعمرين. ولو نظرنا في قادة الثورات ضد الدول الاستعمارية في القرنين الماضيين لرأينا الأغلبية الغالبة منهم من العلماء وشيوخ الطرق الصوفية، بدءا من الشيخ شامل في الشيشان الذي قاد الثورة ضد روسيا والشيخ بدر الدين الحسني الذي قاد الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين وانتهاء بالشيخ ماء العينين الشنقيطي الذي قاد الثورة في المغرب ضد الفرنسيين والإسبان.
التحديات كبيرة، والمصاعب جمة، والخطوب كثيرة، ولكن الأمل كبير في وحدة الأمة والالتفاف حول العلماء وعودة الوعي إليها، لتدرك أن المنقذ الوحيد هو الإسلام الوسط إسلام الرحمة والحكمة مع الإعداد والاستعداد الذي يتجسد في اجتماع كلمة العلماء والحكام ومن وراءهم الشعوب لقيادة الأمة إلى طريق النصر بإذن الله تعالى.
*الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي، هو فقيه صوفي وداعية من سوريا وأحد حد أبرز علماء الدين السنة. وهو مدرس في الجامع الأموي بدمشق. وغادر سوريا بعد منعه من الخطابة.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن كاتبه ولا تعبر عن موقع مصراوي.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
إعلان