- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
"هوّ يا دكتورة، مصاصين الدماء دول حقيقيين؟" باغتتْني خادمتي بسؤالِها بعد أن بسملَتْ واستغفرَتْ وتعوّذَّت ناظرةً حواليها بعينين يملؤهما الخوف. رأيتُ في عينيها رجاءً بأنْ أجيبَها بالنّفي؛ استفسرْتُ منها عن بعض الأشياء قبل أن أحقّقَ رجاءَها، ثم أخبرْتُها بأنّ مَن تتحدثُ عنهم ما هُم إلا شخصياتٌ وهميةٌ لا وجودَ لها سوى على الشاشات وفي الروايات والقصص الخيالية.
أخبرت صديقتي- وهي أيضًا دكتورة نفسية- عمّا حدث، ردّتْ مداعبةً: "وهل أخبرتِها بالحقيقة؟" ضحكتُ قائلةً: "بالطبع لا".
في واقعِ الأمر، لقد قلتُ الحقيقة، فقد سألتْني عن مصّاصي الدماء الذين رأتْهُم في أحد الأفلام، غير أن ذلك يستوجبُ تفسيرًا ويقودُنا إلى سؤالٍ هام: هل مصّاصو الدماء خيالٌ أم حقيقة؟ والإجابةُ تحتمل الوجهين، فهذه الكائنات التي تحدثت عنها الروايات والأساطير وصوّرتْها أفلام الرّعب هي محضُ خيالٍ من أجل الإثارة، إلا أن لهذا الخيالِ أصلاً في الحقيقة، وهو وجودُ بعضِ البشر ممن يشربون الدم، بل ويتغذّون عليه ويمارِسون من أجلِهِ طقوسًا تشبهُ تلك التي استغلتْها الأساطيرُ والروايات، ولكن لدينا قطعًا تفسيرٌ طبّي عضويّ أو/و سيكولوجي لهذه الحالاتِ، فأما التفسير العضوي فهو الإصابةُ بمرضِ فقرِ الدم أو بمرضِ البورفيريا، ويقولُ الأطباءُ إنّه قد توجدُ أسبابٌ عضويةٌ أخرى لم يتوصّلْ لها العلمُ بعد.
وأما بالنسبةِ للشِقّ النفسيّ، فقد أُطلِق على هذه الحالةِ لمصّاصي الدماءِ في مطلع التسعينيّات مصطلح "متلازمة رينفيلد"، نسبةً لاسمِ تابع دراكولا، أحدُ أبطالِ روايةِ الرّعبِ الخياليةِ الشهيرة "دراكولا" لمؤلّفها برام ستوكر عام ١٨٩٧. وقد ظهر هذا المصطلحُ كدعابةٍ قالها الدكتور ريتشارد نول دكتور علم النفس الإكلينيكي، عندما كان يتحدثُ عن الأشخاص المصابين بمرض "مصّاصي الدماء"، وبذلك استمرت دعابته كاسم لهم حتى اشتهرت بعد ذلك كمصطلح عام.
ولمصّاصي الدماء ممارساتٌ مختلفةٌ كلٌّ حَسَب نوعِه، فبعضُهم يتغذّى على طاقةِ الآخرين ليستمِدَ قوةً وطاقةً بدنية وعقليةً وروحية، ويكونُ ذلك إمّا عن طريقِ شربِ الدماءِ إيمانًا منه بأن الدم يحتوي على تلك الطاقةِ التي يحتاجُها، وعادةً ما يحصُلُ عليها بطريقةٍ سلميةٍ من "متبرع" يُطلق عليه "مُريق الدماء"، أو بطريقةٍ أخرى يظنُّها بعضُهم قدرةً لديه، وهي الحصولُ على هذه الطاقةِ عبرَ اللمسِ أو بمجردِ الاقترابِ من الآخر دون اللجوءِ لشُربِ دمائِه، ويدّعي بعضُهم أنّ لديْهِ القدرةَ على قراءةِ أفكارِ الآخرين، كما توجدُ مجموعاتٌ أخرى فرعيةٌ تمارسُ طقوسًا مختلفةً يتعلقُ بعضُها بالعلاقاتِ الجسدية الحميمية. وغالبًا ما يقومُ المصابون بهذا المرضِ بتركيبِ أنيابٍ حتى يقتربوا شكليًا من صورةِ مصّاصي الدماءِ التي رَوّجت لها الأساطير.
وإذا ما تحدّثْنا عن الأسبابِ المؤديةِ إلى هذا الخللِ النفسيّ فإنّنا لا نستطيعُ أن نُعمّمَها أو نجزمَ بها، فلكلّ مصابٍ حالتُه. إذْ نجدُ أنّ إصابةَ البعض تكونُ نتاجًا لحدثٍ مؤثرٍ مرتبطٍ بالدمِ منذ الطفولة، فيؤدي إلى إحداثِ إثارةٍ للشخص، تتحولُ لديهِ بعدَ حينٍ إلى ارتباطٍ شرطيّ بينَ الدم والإثارة. وآخرون غيرُهم تكونُ أسبابُهم متعلقةٌ بالرغبةِ في السيطرةِ والشعورِ بالقوّة. وقد تَكهّن ريتشارد نول دكتور علم النفس الإكلينيكي بأن المرضَ عادةً ما يبدأُ بإيذاءِ الشخصِ لنفسِه، ثم يتطورُ إلى أنْ يتحولَ لمصّاص دماء. ووُجِد أيضًا أن بعضَهم قد تعرّض لاضطِراب نفسيّ شديد أُصيبَ على أثرِه بوهمٍ بأنّه مصّاصُ دماءٍ يحتاجُ للتّغذيةِ عليها.
وفي عالم الجريمة كان هناك "مصّاصو دماء" سفّاحون، وهم مَن ارتكبَوا ثلاثَ جرائمَ قتلٍ أو أكثر، ومن أشهرِ القضايا على سبيلِ المثال، السفاحُ الألمانيّ بيتر كيرتن، الذي أُطلقَ عليه لقبُ "مصّاص دماءِ مدينةِ ديسلتورف" في الثلاتينيّات، وقد اعترفَ بذبحِهِ لثمانٍ وستين ضحيةً. وبعدها بأكثرَ مِن عِقدٍ كانت قضيةُ السفاحِ جان جورج هاي، الإنجليزيّ الذي أُطلق عليه لقب "القاتل بالحمام الحامِض"، ذلك أنه اعترفَ بقتلِ نحوِ ستةَ أشخاصٍ أو أكثرَ وادّعى بأنّه شرِبَ دماءَهم قبل وضعِهم في حمام الحامِض أملًا في اختفاءِ جثثِهم. وتتوالى الحوادثُ والأسماء، ففي السبعينيّات كان سفاحُ كاليفورنيا يشربُ دماءَ ضحاياه ويأكلُ أجزاءً من أجسادِهم، ومصّاصُ الدّماء "رود فيريل" الذي قتلَ والديْ أحدِ أصدقائِه، ثمّ كانت قصةُ منتصفِ الثمانينيات الشهيرةِ في فلوريدا، حين تمكّنت فتاةٌ- تبلغُ من العمرِ تسعةَ عشرَ عامًا- من الهربِ من خاطِفِها الذي كان يسحبُ دمَها بحقنةٍ ثمّ يشربُه، لأنّهُ كما قال لها "مصّاصُ دماء". وغيرِ ذلك الكثير من قضايا أخرى لا يتسعُ المقالُ لذِكرِها جميعًا.
وعلى جانبٍ آخر لا يتعلق بمصّاصي الدماء أنفسِهم بقدر ما يتعلقُ بخرافاتٍ حولهم يعتقدُ بها بعض الناس، فنجدُ أشخاصًا يؤمِنون بوجودِ مصّاصي دماءٍ يعودون بعدَ الموت، فكانت عشراتُ القضايا التي تمّ فيها نبشُ القُبورِ لاستخراجِ قلوبِ موتاها مِمَن يُعتقدُ بأنّهم مصّاصو دماء [تذكرُ بعضُ الأساطير أن طعنَ مصاصِ الدماء في قلبه يقتلُه] لاعتقادِ البعضِ بأنّ هذا الميتَ عادَ بعد موتِه في أحلامِهِم أو قامَ من قبرِهِ كشبحٍ لترويعِهم و/أو نشرِ الأمراضِ بينهم. ولعلّ من القضايا التي حدثَتْ مؤخرًا وهزت رومانيا حينها، في يناير عام ٢٠٠٤ في إحدى القرى الرومانية حيثُ ذهبَ ستةُ رجالٍ ليلًا إلى المقابرِ لنبشِ قبرِ أحد أقاربهِم كان قد مات حديثًا، واكتُشِفَ أمرُهم وقُبِض عليهم، ثم أسفرَت التحقيقاتُ عن أنهم فتحوا صدرَه فأخذوا جزءًا من قلبِه ليتمّ حرقُه في حضرةِ باقي أفرادِ أسرتِه، ثمّ خُلِطَت رفاتُ القلب بالماءِ ليشربَها أقاربُه المرضى إيمانًا بأن ذلك سيشفيهِم. وقد اعترفَ الجناةُ بأنّهُم أقدموا على هذا الفعل لاعتقادِهم بأنّه تحوّل لمصاصِ دماءٍ بعد وفاتِه، وأكّد الكثيرُ منهم أنهم رأوه بعد وفاته سواءً في الأحلامِ أو شبحًا، ثم مرِضَ معظمُهم بعدَ رؤيتِهم له، لذلك كان لا بدَّ لهم أن يفعلوا ما فعلوه ليحموا أنفسَهم منه. وقد أكّد أحد المتهمين أيضًا بأنهم حينَ نبشوا قبرَه وفتحوا التابوت كانت هناك آثار دماءٍ على فمِ الميت. هذه وغيرها الكثيرُ من القصصِ التي لجأ فيها أشخاصٌ في دولٍ مختلفةٍ لنبشِ القبور ونزعِ قلوبِ موتاها. وقد أعودُ لهذه القضيةِ في مقالٍ آخر لتفسير كيف يمكنُ لمجموعةٍ ليست بالقليلةِ أن تؤمنَ بخرافاتٍ تصوِّرُ لهم أنهم رأوا ميتًا عاد إليهم كشبحٍ أو طاردَهُم في أحلامِهم، فيصِلُ بهم الخوفُ إلى ارتكابِ جريمةٍ يبررونها بأنّها دفاعٌ عن أنفسِهم أو غيرِهم.
حاولت في هذا المقالِ أن أبيّنَ بعضًا من التفسيراتِ العلمية لهذه الظاهرة، وأسردَ جانبًا من الأسبابِ التي تؤدّي إليها وأستشهدَ ببعضِ القضايا التي أثارتْها دونَ الدخولِ في مزيدٍ من تفاصيلَ أخرى آثرتُ الحديثَ عنها في مقالاتٍ قادمة.
إعلان