- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تسببت إصابته بمرض الجدري في فقدانه نعمة البصر وهو لا يزال في سن الرابعة من عمره، وبرغم ذلك فقد أوقدت بصيرته وذكاءه وانتعش وجدانه وخياله وعقله واتسعت قراءاته إلى درجة كونت لديه خبرة معرفية عظيمة بالأديان والمذاهب والعقائد والتنوعات الفكرية والتاريخ والأخبار... إلخ.
تلك الخبرة التي جعلت منه أستاذا يقصده تلامذته من كل صوب وحدب، ليأخذوا من علمه ويستفيدوا من تجاربه ويجدوا عنده الإجابات لأسئلتهم التأملية الحائرة.
إنه الشاعر الفيلسوف أو الفيلسوف الشاعر أبوالعلاء المعري المولود في 973 ميلادية بمعرة النعمان شمال سوريا حاليا وقد لُقبَ أبوالعلاء برهين المحبسين نسبة لمحبس العمى ومحبس البيت الذي عاش فيه طيلة فترة اعتزاله للناس بعد عودته من بغداد مباشرة.
عاش المعري بعد خيار العزلة زاهدا في الدنيا معرضا عن لذاتها، فلم يتزوج ولم ينجب أولادا، فكان يعتبر الإنسان يجني على من ينجبه من الأولاد والبنات، وهذا ما كتبه على قبره "هذا جناه أبي عَلَي وما جَنيت على أحد".
لم يكن يأكل لحم الحيوان ولا ما ينتجه من الدهن واللبن فامتنع عن البيض والعسل الذي رآه نتاجا لنحلة مجدة، صنعته ليكون طعاما لها لا طعاما للبشر، حتى لباسه كان خشنا وبسيطا للغاية، فبدى كالرهبان في نمط معيشته، وأصر على ألا ينشغل بالدنيا وبترفها، وكان يراها خسيسة تافهة والناس ما هم إلا أخساء، وكم في هذه الدنيا من أنواع العظات ولكن الناس لا يرون ولا يسمعون :
خَسِستِ يا أُمنا الدنيا فإُف لنا بنو الخسيسة أوباش أخساءُ
وقد نطقت بأصناف العظات لنا وأنتِ فيما يَظُن القوم خرساءُ
قرأ المعري الشعر وهو لا يزال في الحادية عشرة من عمره بمعرة النعمان، ثم انتقل لمدن سورية أخرى ليدرس بها علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والسيرة والشعر والبلاغة، من هذه المدن: "أنطاكيا وحلب".
جاءت عبقرية أبي العلاء عن طريق امتلاكه لناصية اللغة العربية وقدرته على الغوص في بحورها من أجل استخراج كنوزها والتفنن في تحويل صيغها الصرفية والتركيبية لأنساق هندسية صارمة التنظيم والبناء وتمكن أبوالعلاء من خلال تلك الأنساق من تحويل أشعاره لنمط فني فريد لم تعرف له العربية مثيلا، وأظنها لن تعرف، فقد فرضت عليه تجربته الإنسانية الغرق في متاهة اللغة وإعادة تفصيل الأشياء على مقدار اللغة، بحيث لا تبدو الكلمات وصفا للأشياء أو تمثيلات رمزية لها، بل تبدو الأشياء تمثيلا للكلمات، التي – من فرط كثرتها وتنوعها – تتصارع في عقله وتنسال عليه إنسيالا، وكأنها تطلب منه دلالات كي تتلبسها حتى أصبحت الأسبقية عند شاعرنا للدوال على المدلولات؛ لذلك كان للغة حضور طاغ إلى حد الهيمنة الكاملة على إبداعه الشعري، حتى بدت بعض قصائده مجرد حُلَى لفظية خالصة أو فسيفساء مُلَونة بألوان الكلمات وكأنه يأتي إلى هذا العالم اللغوي بالأفكار لكي تكون وسيلة يستعمل من خلالها اللغة وينثر الكلمات ويتلاعب ويلعب بها لتسلية نفسه في عالم عزلته الممتدة، تلك العزلة التي دامت حوالي نصف القرن من الزمان، لا يؤنسها فيها إلا رفاقه من الكلمات ولا يحرص على شيء قدر حرصه على استدعاء الكلمات، وإذا بنا إزاء العالم الشعري لأبي العلاء غارقون في لغة لا تعكس صورة للأشياء أو للواقع وإنما بإزاء صورة لغوية غير مسبوقة وبخاصة في ديوانه المتفرد "اللزوميات" والذي التزم من خلاله بنظام صارم في بناء القوافي فلم يكتفِ برَوي واحد مثلما كان يفعل الشعراء من قبله، التزم حرفين وثلاثا وأربعا وخمسا:
يا أُمَّة في التراب هامدة تجاوز الله عَن سرائركُم
يا لَيتَكُم لَم تطوا إماءكم ولا دنَوتُم إلى حرائركم
إذن، لقد جعل المعري من اللغة همزة وصل بينه وبين العالم، يرى بها غيره ويراه غيره من خلالها، لذلك كانت ملجأه كلما تزاحمت الهموم فوق صدره، يجربها ويَقلبها ويعيد ترتيبها بل ويعرضها على حسه السمعي حتى لا يكتبها إلا وهي متوافقة مع ذوقه وتجاربه وخياله الطليق، ولا غرابة في ذلك وقد أضحت اللغة له غاية وهدفا وسميره في التغلب على آلام الوحدة ومحاولة تخطي الهموم وتهوين الفراغ على نفسه.
لقد أجمع النقاد على معرفة أبي العلاء الواسعة العميقة باللغة، فقال عنه التبريزي: "ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة لم يعرفها أبوالعلاء، وقال الصفدي: "كان اطلاع أبي العلاء على اللغة وشواهدها أمرا باهرا" وأستطيع أن أجزم بأن عبقرية المعري تمثلت في ثقافته اللغوية العميقة ورهافة إحساسه بموسيقى جرس الكلمات، وحرصه على التواشج بين وعيه بالصوت واعتماده على أذنه في صياغة سلاسل صوتية يمكن اعتبارها البديل المنطقي للصورة البصرية التي يجيدها الشعراء المبصرون.
رحم الله المعري، ورحمنا من أولئك الذين يقتلون فينا الهوية ويقطعون كل الروابط بيننا وبين تراثنا.
إعلان