جيلي وأفتخر.. كاتب على درجة محارب

كثيرون هم من يطلون علينا كل يوم عبر نوافذ الإعلام المختلفة بأحاديثهم وتحليلاتهم وحواراتهم وآرائهم التي لا وظيفة لها سوى إشاعة أجواء الاحتقان والكراهية والتشكيك والتخوين بين عموم الناس، وقليلون هم من نتعلم منهم ونستزيد برؤيتهم ومواقفهم وإنجازاتهم المستوحاة من خبراتهم المعرفية والحياتية والوعي بقيمة الزمان والمكان والإنسان والتاريخ والرغبة الصادقة في مواجهة التخلف والرجعية ونشر الديمقراطية والأخذ بيد الناس من ظلمة الجهل لنور المعرفة وبلوغ منتهى الأمل.

من هؤلاء الباحث السياسي والكاتب الصحفي والأديب دكتور «عمار على حسن» المفطور على حب الموروث والحاضر في آن واحد، والعاشق لتراب هذا الوطن، والقادم من عمق الريف المصري محملًا بفكره، قويًا بإرادته، لم يولد وفى فمه ملعقة ذهب وبرغم معاناته الفقر في طفولته وصباه لم يكسره الفقر وحفر بأظافره طريق حياته حتى أصبح ملء الأسماع والأبصار.

وقد اخترته موضوع هذا المقال بوصفه نموذجًا يتعلم منه الشباب ويسيرون على خطاه، بوصفه نموذجًا للكاتب الثابت على المبدأ وغير المتلون، إذا قال لم يخف، وإذا نزل لأي ميدان فلا بد أن ينتصر مهما كانت شراسة المعركة، وظف عمار قلمه في كشف فساد نظام مبارك والتحريض عليه، وكان واحدًا من فرسان ثورة يناير، وكذلك وقف ضد نظام الإخوان، وكتب مقالات نارية في انتقاد تلك الجماعة بوصفها خارجة على القيم المصرية وأداة الحكام في شق الصف الوطني والرجوع بالبلاد للنظام العشائري الموالي للفرد على حساب الوطن، وكان ولا يزال يناضل من أجل الدفاع عن الحريات والدولة المدنية المبنية على العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان.

وُلِدَ عمار على حسن في 21 ديسمبر عام 1967 بقرية الإسماعيلية محافظة المنيا، وكانت نشأته الريفية سببًا جوهريا في تعليمه احترام أهم قيمة إنسانية في الحياة «العمل»، خاصة أنه رأى والده وهو يفلح الأرض ويحصد خيرها، ووالدته تساعده وتسانده في عمله، فما كان منه هو وإخوته السبعة إلا مقاسمتهما الشقاء والمعاناة والاتساق معهما بالأرض من أجل تأمين دوران عجلة الحياة في الاتجاه الصحيح والاستئناس بحلاوة الريف الذي كان يقول عنه دائما: «أعتبر كل من وُلِدَ بالمدينة فقط، ولم يعش في الريف، هو ناقص عمر».

التحق الصبي بالمدرسة الابتدائية الموجودة في قريته، ومنذ اليوم الأول لفت إليه أنظار أساتذته بحسه اللغوي المتفرد وتفوقه العلمي خاصة في مادة الرياضيات، وظل هكذا حتى حصل على الثانوية العامة بتفوق ثم التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وتخرج فيها بتقدير عام جيد جدًا، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية بمرتبة الشرف الأولى.

استطاع دكتور عمار بحكم جرأته في الكتابة ومصداقيته وأمانته في التناول أن يفتح لنفسه نوافذ كثيرة يطل من خلالها على العالم، ويطل العالم عليه، فكتب في العديد من الجرائد والمجلات المصرية والعربية والدولية، وحرص في كتاباته على ألا يهادن أحدًا مهما كان مركزه في السلطة، وأن يؤكد دائمًا على أن ثورة يناير بمثابة القوس الذي فُتِحَ ولم يُقفل إلى الآن، وأن سلامة أهل مصر ابنة دولة الكفاءات لا دولة المكافآت.

كما صدر له العديد من الكتب منها على سبيل المثال لا الحصر: شهاد على ثورة يناير، النص والسلطة والمجتمع، القيم السياسية في الرواية العربية، وزارة العدل المصرية سيرة مؤسسية، ممرات غير آمنة، الفريضة الواجبة، الإصلاح السياسي في محراب الأزهر والإخوان المسلمين، التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر... إلخ.

كما كان له إنتاجه الأدبي الغزير خاصة في مجال الرواية والقصة القصيرة وقصص الأطفال «عرب العطيات، حكايات شمردل، أحلام منسية، جدران المدى، سقوط الصمت».

وكذلك شارك عمار في العديد من المراكز البحثية، وقدم عشرات الحلقات لإحدى القنوات الفضائية في التنوير الديني والتفكير العلمي، ولا يزال في جعبته الكثير والكثير.

لكن تبقى الأسئلة المهمة دائما تطرح نفسها: هل حظى ما كتبه هذا الرجل بما يستحق من اهتمام؟، هل استفاد أهل الحُكم والمسؤولية من أبحاثه وتحليلاته وآرائه المبنية على المنهج العلمي ودقة الاستنباط؟، وإلى متى سيظل عمار وغيره من فرسان هذا الوطن بعيدين عن التأثير في صناعة القرار ووضع خريطة إصلاح حقيقية تمكن أهل الخبرة من الإدارة الحكيمة لأمور البلاد؟.