إعلان

تنفيسة| «كنفاني».. شهيد القضية الفلسطينية (1 – 2)

محمد جادالله

تنفيسة| «كنفاني».. شهيد القضية الفلسطينية (1 – 2)

محمد جادالله
09:02 م الإثنين 21 أبريل 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هو ركن من أركان الأديب الفلسطيني المقاوم، الذي لا يمكن تجاوزه لمن يريد أن يعاين واقع القضية الفلسطينية منذ عام 1948م وحتى بداية السبعينات من القرن العشرين. هو أدب غسان كنفاني. كتب غسان الرواية والقصة القصيرة والمسرحيات والرسائل، وكانت القضية الفلسطينية هي هاجس غسان كنفاني الأول والأخير، لذلك يعد بحق خير راصد لتاريخ القضية الفلسطينية بمعاناتها، وألمها، وكفاحها، ونضالها. وسنتأمل معًا في السطور التالية المحطات التي تنقل بها غسان، وصنعت منه أديبًا للمقاومة.

في التاسع من شهر إبريل سنة 1936م، ولد الأديب المناضل غسان كنفاني في عكا، حيث وافق مولده الثورة الكبرى لأبناء فلسطين في ذلك العام، احتاجاً على ما تقوم الصهيونية من هجرة إلى فلسطين، وتمردًا على سياسة الانتداب البريطاني، صاحب اليد الطولى في إحلال اليهود محل أبناء الأرض الحقيقيين.

لم يكتب لسيرة روائي فلسطيني الخلود كما كتبت لحياة غسان كنفاني، والتي تحددت في حقبة زمنية قصيرة كانت مدتها ستة وثلاثين عامًا وشهرين وثمانية وعشرين يومًا، لكنها على قصرها أحدثت تغييرًا جذريًا في مسيرة الأدب والنضال الفلسطيني.

رغم حياته القصيرة، إلا أنه تنقل من قطر لآخر، حاملًا هم المأساة، فنراه في مرحلة دمشق طفلًا يعمل في إحدى المطابع؛ ليساعد أباه الذي ترك مهنة المحاماة في إعالة الأسرة، وتأمين ضروريات الحياة، كما عمل في أحد المطاعم، وإلى جانب ذلك كان يتابع تحصيله العلمي في مدرسة مسائية من مدارس دمشق، حيث حصل على الشهادة الإعدادية، وفي ذلك الوقت بدأ التدريس في مدرسة تابعة للأمم المتحدة في دمشق، وبجانب عمله هذا استطاع أن يحصل على الشهادة الثانوية، مما مكنة من دخول جامعة دمشق، درس فيها لمدة ثلاث سنوات، إلا أنه فُصِلَ بعدها لأسباب سياسية.

والشيء بالشيء يذكر هنا على غرار مواقفه السياسية، عندما كان عمره خمس عشرة سنة ألتقى بـ"جورج حبش" أحد مؤسسي حركة القوميين العرب في دمشق، حيث أثرت هذه الحركة في توجهه السياسي والأيديولوجي، وعدت كثيرًا من حماسه تجاه القضية الفلسطينية، فقد كان لهذه الحركة انتشار واضح في صفوف الجماهير الفلسطينية، الأمر الذي أدى بدوره إلى إشاعة الفكر القومي ذي البعد العربي الواضح، مُتخذًا من الوحدة والتحرر والثأر شعارًا له، في هذه المرحلة عمل أديبنا في صحيفة (الراية) الناطقة باسم هذه الحركة.

وفي عام 1956م سافر غسان كنفاني إلى الكويت، ليعمل مدرسًا للرياضة والرسم، وأقام مع سبعة شبان في بيت واحد، يقرأون ويتناقشون ويتحاورون، ومن هذه القراءة والمناقشة والمحاورة أكتسب غسان منطقه القومي. وقد نلمح هنا أنه الوقت الذي توقف فيه غسان عن كتابة القصص فترة، وعاش في ذهول يقرأ الشعر ويفكر في المطلق، ويكتب الرسائل الشخصية، وعاد يرسم ويقرأ، ويحاور ويستوعب كتابات ماركس وإنجلز ولينين وآخرين. إلا أن هذه المرحلة أو الفترة التي قضاها غسان في الكويت، تركت لديه أثرًا فكريًا واضحًا، فما هو؟

عزيزي القارئ، إن مرحلة الكويت عمقت إحساس غسان بالوطن المستلب، والغربة عنه، مما زاد من قراءاته وتحديد أيديولوجيته اليسارية، ففي الكويت آنذاك صورة البذخ والترف، وكأنها المنقذ من حال الفقر والتشرد، كما يصورها في روايته "رجال في الشمس"، لكنه كان فقيرًا، مما زاد إحساسه بالصراع الطبقي؛ فزاد من تحمسه للماركسية. إذ في الكويت نضجت ثقافته، وتفتحت موهبته، لكن ذلك لم يأتِ بسهولة دون أن يترك أثرًا من المعاناة والألم.

ولذلك ظهرت بوادر الثورة والتمرد في كتاباته، محاولًا تعويض غربته وشقائه، فأقبل على القراءة بشكل نهم، لا يذكر يومًا نام فيه ف الكويت قبل أن ينهي قراءة كتابٍ كاملٍ، أو ما لا يقل عن ستمئة صفحة، وقد أخذ ينشط للكتابة في الصحف الكويتية، وقد نال الجائزة الأولى على قصته القصيرة "القميص المسروق" في مسابقة أدبية.

وفي سنة 1960م، رجع غسان من الكويت إلى لبنان بعد أن قضى في الكويت ستة أعوام، وفي بيروت عمل في الصحافة وظل يعمل فيها حتى استشهاده. ولكن قبل مرحلة سفره إلى بيروت، وتحديدًا في عام 1959م، أصيب غسان كنفاني بمرض السكري، مما شكل عنده قلقًا دائمًا من الموت الذي قد يفاجئه في أية لحظة قبل أن يتم مشوار النضال، لكنه سرعان ما تعايش مع هذا المرض، حتى رفض الاعتراف بكونه مريضًا، حين أدرك بأن الموت لا يمكن أن يأتي إلا مرة واحدة، فسوف يتصرف وكأنه ليس مريضًا... وللحديث بقية في الأسبوع المقبل إن قدر الله لنا البقاء واللقاء.

إعلان

إعلان