إعلان

أصداء زمن الفتنة

د. أحمد عبدالعال عمر

أصداء زمن الفتنة

د. أحمد عبدالعال عمر
07:19 م الأحد 23 مارس 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أعادني الجدل المُثار حاليا حول مسلسل "معاوية" إلى ذكريات بعيدة تعود إلى زمن دراستي الجامعية ولحكاية زميل من محافظة قنا - نسيت اسمه الآن- كان يدرس بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة المنيا، ويشاركني السكن الجامعي، وكان يتخذ موقفًا نقديًا صارمًا من الدين وقصصه وحكاياته ورجاله، ويرفض الصلاة، ويكاد لرقة دينه أن يكون بلا دين من غير إلحاد صريح.

وفي حوار هادئ بيننا سألته ذات ليلة عن سر موقفه السلبي من الدين وميراثه وطقوسه. فقال لي إنه قرأ أغلب ما كُتب عن الفتنة الكبرى التي حدثت بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، والتي حدثت من بعده مع الإمام علي وبنيه في مواجهة الخوارج ومعاوية وعمرو بن العاص، ويزيد بن معاوية. وقد صدم للغاية من هذه الأحداث، وعجز عن إيجاد تفسير يُريح قلبه وعقله عن كيفية حدوث هذا الصراع على الحكم والسلطة بين الصحابة والتابعين، وهم على مقربة من عهد النبوة وعهد الصديق والفاروق.

وأضاف أن صدمته في هذه الأحداث صدعت يقينه الديني، وصارت تمنعه من الصلاة؛ لأنه كلما هم بالصلاة وسجد، يرى في سجوده الدم الذي سال بين المسلمين في زمن الفتنة الكبرى.

بعد ذلك الحوار الذي جرى في السنة الرابعة من دراستنا الجامعية، انقطعت الصلة بيني وبين هذا الزميل تماما، لكن ظل رأيه يعود إلى ذاكرتي كلما قرأت حول زمن وأحداث الفتنة الكبرى في تاريخ الإسلام، وأسأل نفسي: هل تجاوز زميلي القديم صدمته وشكوكه، وعاد إلى إيمانه، أم لا يزال إلى اليوم عند موقفه القديم.

وكم تمنيت عندما قرأت في زمن لاحق على هذا الحوار السابق، كتاب "أبو الشهداء.. الحسين بن علي" للأستاذ عباس محمود العقاد، أن يكون زميلي القديم المتشكك، قد قرأ هذا الكتاب بدوره، واطلع على تفسير الإمام الحسين للتحول الخطير عند بعض الصحابة والتابعين من عهد الفداء في سبيل العقيدة والإيمان، وهو العهد الذي كان الرجل فيه يخرج من ماله، وينفصل عن ذويه، ويتجرد لحرب أبيه وأخيه وبنيه إن خالفوا الإسلام، إلى العهد الذي صاروا يتصارعون فيه على المال والجاه والسلطة، وصار يُخذل فيه الحسين بن علي، وينتصر يزيد بن معاوية.

وهو رأي لخصه رد الإمام الحسين على مَن جاء يطرح عليه هذه التساؤلات الموجعة المرهقة للقلب والعقل والروح، عندما قال : "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما دارت به معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون".

وهو قول يعني أن الطبائع البشرية العادية جُبلت على طلب المنفعة والمصلحة والمساومة بحثًا عن المكاسب القريبة العاجلة، ولو كانت هذه المكاسب والمنافع على حساب الدين ذاته، وعلى حساب الأخلاق والمثل العليا.

لكن هذا الفهم الواقعي للطبيعة البشرية، يجب ألا يشككنا أبدًا في قيمة الدين والأخلاق والمثل العليا، التي يصر على التمسك بها أصحاب المعادن والطبائع النادرة من البشر في جميع المواقف والأحوال، بصرف النظر عن حسابات المكسب والخسارة. وهذا الاستنتاج بالنسبة لنا، هو درس حياة ومواقف الإمام علي بن أبي طالب والإمام الحسين، رضي الله الله عنهما وأرضاهما.

إعلان

إعلان