إعلان

تنفيسة| «السباعي».. رائد الأمن الثقافي (1 – 2)

محمد جادالله

تنفيسة| «السباعي».. رائد الأمن الثقافي (1 – 2)

محمد جادالله
07:28 م الإثنين 17 فبراير 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يحل علينا الثامن عشر من شهر فبراير لسنة 1978م بذكرى وفاة (اغتيال) الأديب، موثق مباحثات السلام مع إسرائيل، شهيد الكلمة، "يوسف السباعي"، فارس الرومانسية أحد عمالقة الأدب المصري، بل والعالم العربي. استطاع السباعي أن يُعبر عن الإنسان العربي في كل لحظة من حياته، فقد شغلت القضية المصيرية لتحرير الأرض والعرض فكر كاتبنا، فتعرض لها في كثير من رواياته. وسنتعرف خلال السطور التالية عن المحطات التي مر بها السباعي، وعن معاركه النقدية، وما هي رؤيته للكاتب من حيث التزامه تجاه آمال وطموحات شعبه؟ وكيف استطاع السباعي أن يُسَخِر أفكاره ويطوعها لنصرة السلام والدفاع عن الحرية، حتى لُقِبَ برائد الأمن الثقافي؟

وُلد "يوسف محمد محمد عبدالوهاب السباعي" في العاشر من يونيو سنة ١٩١٧م، في حارة "الروم" بحي "الدرب الأحمر" بالقاهرة لأسرة هو أكبر أبنائها، دخل مدرسة "محمد علي" الابتدائية بحي "السيدة زينب" بالقاهرة، وبعد أن أنهى دراسته الأساسية التحق بـ"المدرسة الخديوية" الثانوية، وتفتَّحت عيناه منذ صغره على مكتبة والده الأديب "محمد السباعي"؛ حيث كان والده يكتب المقال والقصة ويقوم بالترجمة والتعريب لعيون الأدب العالمي، ليحملها الابن "يوسف" إلى الصحف ودور النشر المختلفة، ومن هنا كان تأثُّره بوالده الذي كان أول من قرأ له من الرواد، لتتولد لديه الموهبة الإبداعية فيكتب أول قصة في حياته سنة 1934م وهو لا يزال شابًا صغيرًا بمجلة مدرسة "شبرا" الثانوية، وكان عنوانها "فوق الأنواء"، ثم أتبعها بقصة أخرى عنوانها "تبت يدا أبي لهب وتب"! نشرتها له مجلة "مجلتي" في أوائل سنة ١٩٣٥م وهو في السابعة عشرة من عمره، ثم توالى نشر أوائل قصصه في "المجلة الجديدة" وهو ما زال طالبًا بالمدرسة الثانوية.

وبعد الثانوية نبت إليه حلم الالتحاق بالكلية الحربية، وكان موكب وداع الملك فؤاد، السبب وراء هذا الحلم، حيث تصدر الموكب فارس يمتطي صهوة جواد أبيض، أُعجب به السباعي بشدة، وقال حينها: "لو خيرت بين أن أكون ملكًا أو هذا الفارس.. لاخترت الأخير". وظلت صورة الفارس تداعب أحلام الفتي، حتى التحق بالكلية الحربية.

وفي سنة ١٩٣٧م، تخرج السباعي من الكلية الحربية، وعُيّن ضابطًا في سلاح الفرسان، ثم تولى خلال الفترة التالية لذلك إدارة المدرسة العسكرية والمتحف الحربي، وعاد للكلية الحربية سنة 1943م مدرسًا لمادة التاريخ العسكري، وفي سنة ١٩٤9م حصل على شهادة "أركان حرب"، وعُيّن كبيرًا للمعلمين بالمدرسة الثانوية العسكرية، وتدرج في السلك العسكري حتى غادره بعد ثورة يوليو ١٩٥٢م برتبة "عميد". كما حصل "السباعي" أيضًا على دبلوم معهد الصحافة من جامعة فؤاد الأول (القاهرة) سنة ١٩٥2م. وماذا عن مشوراه الأدبي؟

"الخادمة بنت الحلال" كانت أول قصة نشرها السباعي بالمجلة الجديدة في 7/8/1935م، عندما كان في السابعة عشرة من عمره ثم اتبعها بقصة "فوق الأنواء". وهي أول قصة كتبها – التي نُشِرَتَ في نفس المجلة في 21/8/1935م. كما نُشِرَتَ قصته "تبت يدا أبي لهب وتب" في مجلتي التي كان يصدرها أحمد الصاوي بتاريخ 15/10/1935م. ونُشِرَتَ قصته الشهيرة "السقا مات" بمجلة الهلال بتاريخ 1/10/1948م قبل أن تُصَدَرَ رواية طويلة "السقا مات" سنة 1952م. وفي سنة1945م كان يكتب قصة العدد كل أسبوع في مجلة "مسامرات الجيب"، وكان يرسم القصة الفنان الكبير حسين فوزي الفنان الأول في مصر الذي رسم القصة الصحفية، وكان يكتب أيضًا قصة العدد في مجلة "الأستوديو" التي تصدر عن دار الجيب ويرأس تحريرها الكاتب عمر عبدالعزيز أمين.

وفي سنة ١٩٤٧م، نُشرت أول مجموعة قصصية للسباعي بعنوان "أطياف"، وفي نفس السنة نُشِرَتَ أول رواية له بعنوان "نائب عزرائيل"، أما أولى مسرحياته فقد نُشِرَتَ في سنة ١٩٥١م؛ وهي مسرحية "أم رتيبة"، غير أن "السباعي" لم يبدأ حياته الأدبية بصورة فعلية حتى خروجه من السلك العسكري، حيث اتَّسع إنتاجه وتواتر وتفتَّحت أمامه أبواب النشر، حتى وصل مجموع ما نُشِرَ له من قصص وروايات اثنتين وعشرين مجموعة قصصية، وست عشرة رواية، كما ألَّف للمسرح أربع مسرحيات، كذلك طُبعت له ثماني مجموعات هي عبارة عن مقالات في النقد والاجتماع والخواطر المنشورة له في الصحف والمجلات، بالإضافة إلى كتاب واحد في أدب الرحلات، وقد تُرجِمَتَ بعض أعماله إلى اللغات الأجنبية؛ الإنجليزية والفرنسية والروسية، كما حُوَّلت بعض رواياته وقصصه إلى أفلام سينمائية؛ أشهرها "رد قلبي"، و"الليلة الأخيرة"، و"أرض النفاق"، و"بين الأطلال"، و"إني راحلة".

من الأعمال المأثورة والشهيرة للسباعي دوره في تأسيس "نادي القصة" سنة ١٩٥٣م؛ الذي تقدم بمشروعه إلى الرئيس عبد الناصر بإيعاز (أمر – إيحاء) من الأديب إحسان عبد القدوس، وكذلك إنشاء "المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية" سنة ١٩٥٦م وعُيّن سكرتيرًا عامًا له. وتولى السباعي العديد من المناصب الرسمية والشرفية في المؤسسات المحلية والدولية المختلفة، حيث سكرتيرًا عامًا لمنظمة تضامن الشعوب الافريقية الآسيوية سنة 1957م. وكذلك عضوًا في كلٍّ من: "جمعية الكُتَّاب المصريين"، و"نادي القلم الدولي"، و"اتحاد الكُتَّاب العرب" في سورية، وعُيّن رئيسًا لـ"جمعية الأدباء"، وأمينًا عامًا لـ"اتحاد الكُتَّاب " في مصر، وأمينًا عامًا لـ"جمعية الكُتَّاب الأفروآسيوية"،

كما تولي مجلس إدارة وتحرير عدد من المجلات والصحف منها "لوتس" وجريدة "الجمهورية" سنة 1960م، ثم عضو مجلس الإدارة المنتدب لدار "روز اليوسف" 1960م. و"المصور" و"الرسالة الجديدة"، و"آخر ساعة" سنة 1967م. و"دار الهلال" و"الأهرام"، هذا بالإضافة إلى تعيينه في سنة ١٩٧٣م بمنصب وزير الثقافة، ثم وزيرًا للثقافة والأعلام سنة 1975م. وسنة ١٩٧٦م رئيسًا لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، ثم نقيبًا للصحفيين في سنة ١٩٧٧م؛ ولدوره الريادي والنشط في المجال الثقافي لقَّبه الأديب "توفيق الحكيم" بـ"رائد الأمن الثقافي".

وفي سنة ١٩٥٩م فاز يوسف السباعي بجائزة وزارة الثقافة والإرشاد القومي عن أحسن قصة لفيلم "رد قلبي" وأحسن سيناريو لفيلم "الليلة الأخيرة"، كما فاز بجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، لكنه رفض استلام الجائزة المادية لتبعية المجلس له نظرًا لكونه وزيرًا للثقافة آنذاك، وفي سنة ١٩٦٢م منح وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الجمهورية العربية المتحدة، وفي العام التالي منح وسام الاستحقاق من طبقة "الفارس الأعظم" من دولة "إيطاليا"، وفي سنة ١٩٧٥م منح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى من جمهورية مصر العربية، وآخر الأوسمة التي حازها في حياته وسام "لينين" من الاتحاد السوفيتي سنة ١٩٧٠م، حيث حصل بعده على "قلادة الجمهورية" بقرار من الرئيس "السادات" في يوم اغتياله.

وغربت شمس الثامن عشر من شهر يناير باستشهاد يوسف السباعي بـ"نيقوسيا" في "قبرص"؛ حين اغتيل على يد اثنين من المتطرفين الفلسطينيين، حيث كان يحضر اجتماعًا لمنظمة تضامن الشعوب الأسيوية والافريقية بصفته سكرتيرًا عامًا للمنظمة. رحل السباعي، ولكنه سيظل حيًا نابضًا بمؤلفاته وأدبه ومسيرته الثقافية المفعمة بمواقف النضال والتضحية من أجل الحرية والسلام، على أن نلتقي في الأسبوع القادم لنتأمل معًا إرثه الثقافي ومعاركه النقدية، التي عكست لنا ملامح عصره.

إعلان

إعلان