- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
- أحمد سعيد
- محمد لطفي
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يأتي كتاب "الحشاشون: صفحات من تاريخ وأساطير النزارية" (دار العين، 2025) للباحث حسن حافظ، للقراء وجبة دسمة من المعرفة التاريخية بالحركة التي كانت تُعرِّف نفسها باسم "النِّزَاريَّة". ويلقي المؤلف الضوء على هذه الجماعة التي أثارت الكثيرَ من الجدل، واشتبكت على مدارِ فتراتٍ تاريخيَّةٍ مختلفة مع حُكَّامٍ من المسلمين والصليبيِّين بأفكارٍ متباينة؛ الأمر الذي ضمن لها سُمعةً واسعةً وشهرةً عالميَّة، سَرْعانَ ما تولَّدَ عنها مجموعةٌ من الأساطير التي اختلطت بوقائع التاريخ وغيَّبتها في بعض الأحيان، فظهرت أسطورةُ “الحشَّاشِين” التي دخلت في الثقافة الشعبيَّة العالميَّة؛ ما تجلَّى في عددٍ من الأعمال الروائيَّة والدراميَّة التي تنهلُ من أساطير الجماعة الفريدة في تاريخ المسلمين.
يحاولُ حسن حافظ في هذا الكتاب سردَ وقائع التاريخ وتفهُّمها في إطار سياقها الاجتماعي والسياسي والفكري، ويناقشُ الأساطيرَ التي غزلها الزمانُ حول هذه الحركة التي أسَّسها الحسن الصَّبَاح؛ تلك الشخصية المَهِيبَة، كما يسعى إلى إعادة هذه الأساطير إلى أصلها التاريخيّ بعد معرفة ظروف تكوُّنها، في محاولةٍ لتقديم سرديَّة تاريخيَّة متماسكة عن جماعة الإسماعيليَّة النِّزَاريَّة التي ظهرتْ في قلبِ الماضي واستمرتْ تراوغُ بين تَقلُّبات العصور، حتى قفزَتْ إلى مسرحِ الحاضر.
وإذا كانت هذه الجماعة لم تطلق على نفسها اسم "الحشيشية" أو "الحشاشين" قط، فإن من يطالع الكتاب الذي يقع في 264 صفحة من القطع المتوسط، سيرى كيف أن هذه الأسطورة وُلِدت من قلب القاهرة الفاطمية كدعايةٍ سلبية في إطار تنافس سياسي ومذهبي عرفته مصر في ظل الحُكم الفاطمي الإسماعيلي (ص 10).
الشاهد أن الأساطير تحلَّقت حول جماعة النزارية، فاختلطت وقائع التاريخ بخيال الأسطورة وأحيانًا الخرافة، فتولَّد عن كل هذا رواياتٌ كثيرة من مصادر نزارية وعربية وفارسية وصليبية وأوروبية تنظر إلى هذه الجماعة الفريدة في التاريخ من زوايا مختلفة. وربما كان هذا وجه الصعوبة في البحث؛ إذ ليس من السهل الوصول إلى تاريخ أقرب إلى الواقع التاريخي، ينتصر إلى الفهم لا الحُكم على تاريخ هذه الجماعة التي أثارت الكثير من ردود الفعل خصوصًا فيما يتعلق بتنظيمها الأكثر شهرةً؛ الفداوية، الذي ضم مجموعة من الشباب الذين نفَّذوا عمليات اغتيال باستخدام السكين؛ فولَّدوا حالةً من الرعب بين صفوف المسلمين والصليبيين في العصور ما قبل الحديثة، ومن ثم تولدت الكثير من الأساطير بنَفَسٍ استشراقي حولهم.
وربما خضع عنوان هذا الكتاب لثقل الأسطورة، فهو يستخدم مصطلح "الحشاشين" على الرغم من إدراك أن النزارية لم يطلقوا على أنفسهم هذا اللقب، وهو في الحقيقة نتيجةُ دعايةٍ فاطمية ضدهم، لكن من المصادفات أن هذه الدعاية هي التي حملت النزارية إلى شهرةٍ عالمية اخترقت جميع الثقافات تقريبًا. وعلى رغم الجهود التي بُذِلت على مدار القرن العشرين لدراسة تاريخ النزارية بأسلوبٍ علمي، بدايةً من مارشال هودجسون وبرنارد لويس، فإن من المفارقات أنهما استخدما مصطلح "الحشاشين" في عناوين كتبهما؛ اعترافًا منهما بقوة الأسطورة عند الحديث عن النزارية. والكتاب الذي بين أيدينا لا ينجو من سطوة أسطورة الحشاشين التي يحتفظ بها في العنوان.
يستعرض كتاب "الحشاشون: صفحات من تاريخ وأساطير النزارية" عبر فصوله التسعة تاريخ الحركة النزارية بدايةً من النبع الأول؛ أي الحركة الإسماعيلية الشيعية التي خرج من رحمها الكثير من الدول، التي تظل أشهرها الخلافة الفاطمية التي حكمت مصر لأكثر من قرنين، والتي خرجت من رحمها حركة النزارية بقيادة الشخصية المثيرة للجدل الحسن الصبَّاح، الذي أسس في شمال بلاد فارس دولةً مقرها قلعة "أَلموت" الحصينة، استمرت نحو 166 عامًا، وخلقت هذه الدولة -سواء في شمال إيران أم في امتدادها في بلاد الشام- الكثير من الأساطير التي نمت حولها وساعد في نموها أعداء النزارية الذين تنوعوا بين حكام سُنَّة مثل: العباسيين والسلاجقة والمماليك، وشيعة مثل: الفاطميين والصفويين، ووثنيين مثل: المغول، ومسيحيين مثل: الصليبيين والأوروبيين.
ببحثٍ رصين وجهدٍ يستحق الإشادة، يعمل الباحث حسن حافظ على مناقشة الأساطير الرائجة عن النزارية ويحلل كيفية تكوَّنها ويردها إلى أصلها التاريخي، وفي مقدمتها أسطورة تعاطي الحشيش وجنة ألموت.
يقول حسن حافظ إن الكتاب الذي تضمَّن سيرة الحسن بن الصباح يُعرف باسم "سيرة كدشت سيدنا" (أي: سيرة سيدنا)، وهو المصدر الأساسي لكل المعلومات التي وصلت إلينا عن هذه الشخصية المثيرة للجدل، وقد فعل خيرًا المؤرخ عطا ملك الجويني (توفي نحو 683ه/ 1282م) عندما دخل قلاع ألموت بعد سقوطها في يد المغول، واستنقذ هذا الكتاب، واختفظ بنقولات مهمة عنه في كتاب "تاريخ جهان كشاي" (تاريخ فاتح العالم)، الذي نلتقي من خلاله بالحسن بن الصباح وجهًا لوجه ونتعرف على تفاصيل تكوُّن هذه الشخصية، وأيضًا تفاصيل عصره المضطرب، والصراعات التي ميّزت القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وهو قرن التحولات والمسارات المتعرجة.
وُلِدَ الحسن بن الصباح في مدينة قُم الإيرانية في حدود عام 444ه/ 1052م. جاء والده من اليمن إلى الكوفة ومنها إلى قُم، ثم استقر بعائلته في مدينة الري، التي تقع بقاياها جنوبي مدينة طهران. عُرف عن الحسن نهمه المعرفي، فتعرَّف إلى علوم الهندسة والحساب والنجوم، فضلًا عن تربيته الدينية التقليدية. وكانت في رأسه أفكارٌ عن الحصول على مؤهلات تعليمية تسمح له بالترقي في هرمية الدعوة الإسماعيلية؛ لذا اهتم باستكمال تعليمه الدعوي في عاصمة الأئمة الإسماعيلية والخلفاء الفاطميين؛ القاهرة (ص 47).
إلا أن الحسن بن الصباح تلقّى صدمة لدى وصوله إلى القاهرة في صفر 471ه/ أغسطس 1078م، فالمتغيرات التي مرت بها مصر -حينذاك- جعلت مسار الأمور غير مناسبٍ لأحلامه في معقل الإمامة الإسماعيلية.؛ إذ اكتشف وفاة داعي الدعاة الشهير المؤيد في الدين، الذي وضع الحسن الكثير من الآمال على الالتقاء به والتعلم منه، كما تراجعت الدعوة الإسماعيلية وتقلص نفوذها في فترة حُكم بدر الجمالي، الذي وضع رؤية جديدة للسياسة العليا للدولة الفاطمية التي بدأت تتحول على يديه إلى دولة محلية. بعدما فقدت معظم أملاكها الخارجية، فانصب اهتمامه على تثبيت دعائم حُكمه في مصر (ص 70).
ويتفق المؤلف مع مارشال هودجسون فيما ذهب إليه من أن الحسن بن الصباح تأثر بشكلٍ كبير بالبيئة الفكرية التي شهدها في القاهرة الفاطمية الإسماعيلية؛ حيث تعلَّم تقنيات التنظيم والتراتبية التي اعتمدت على طاعة القائد الأعلى في مؤسسات الدعوة بالقاهرة. كما استفاد من أساليب التعليم داخل مؤسسة دار الحكمة، التي كانت في قلب الحياة الثقافية والدينية الفاطمية، وتعرَّف إلى أساليب متقدمة في نشر العقيدة الإسماعيلية من خلال التثقيف والتعليم المههجي. هذه التجربة كانت حاسمةً في تشكيل فهمه لنظام الدعوة الذي أسسه في بلاد فارس (ص 73).
بعد أن نهل الحسن من نبع مؤسسات الدعوة الإسماعيلية، من الواضح أنه بدأ في إثارة المتاعب، فقد سعى للقاء الإمام الإسماعيلي المستنصر بالله، وحين فشل في ذلك شعر بالاضطهاد والتضييق عليه من بدر الجمالي. سرعان ما تفجّر صراعٌ مكتوم بين بدر الجمالي والحسن الصباح، أي بين رجل الدولة ورجل الدعوة، انتهى بقرارٍ من الجمالي بإرسال الحسن إلى بلاد المغرب (ص 75).
غادر الحسن الصباح مصر بعدما أمضى فيها 18 شهرًا، واختمرت في ذهنه فكرة إعادة إحياء الدعوة الإسماعيلية على أسسٍ جديدة، بعيدًا عن نفوذ الجمالي. وبعد ارتحالٍ في بلاد الشام وبغداد وخوزستان، توجه إلى مدينة دامغان، التي تقع في إقليم قومس جنوب بحر قزوين، وهناك بدأ الحسن الصباح في نشر دعوته لمدة ثلاثة أعوام. النجاح الذي حققه الحسن هناك لم يكن على مستوى طموحاته؛ إذ أدرك صعوبة تحقيق نجاحٍ في الأجزاء الوسطى والغربية من بلاد فارس، والتي كانت تمثل مراكز قوة السلاجقة؛ لذا بدأ الحسن الصباح يوجه أنظاره نحو مقاطعات إقليم قزوين حيث المرتفعات الشمالية لبلاد فارس (ص 84).
بعد أن أحكم الحسن الصباح قبضته على قلعة ألموت، بدأت فعليًا دولة سادة ألموت؛ إذ اتخذها مركزًا لنشاطه الدعوي في بلاد الديلم، وفي الأقاليم القريبة، وتبنّى الحسن استراتيجية جديدة تعمل على الثورة المعلنة التي تستهدف قلب النظام السلجوقي (ص 93). أعلن الحسن الصباح انشقاقه عن الدعوة الإسماعيلية ومركزها الرئيسي في القاهرة الفاطمية، وأسس دعوةً جديدة عُرفت باسم الدعوة النزارية أو الدعوة الجديدة (ص 110)، كما سعى إلى التوسع عسكريًا لنشر دعوته في أرجاء الإمبراطورية السلجوقية.
وبالرغم من حملات السلاجقة لاقتلاع قلاع النزارية، فإن الحسن الصباح عمل من معقله في ألموت على وضع أسس الدعوة النزارية، وتنظيم آليات العمل في ظل أجواء غير مواتية.
وحتى وفاته عام 518 ه/ 1224م، نجح الحسن الصباح في جعل القيادة الدينية للحركة النزارية في قبضته المنفردة، لكنه سمح بلا مركزية إدارية وتنظيمية لمواجهة التحديات المختلفة (ص 125). ورغم انتشار أسلوب الاغتيال في حركات سابقة عن النزارية، فإن الاغتيال السياسي ارتبط بهذه الحركة بشكلٍ حصري، ورسمت الحركة صورة مرعبة للأعداء، بعد تكوين جهاز للاغتيالات يخضع لسيد قلعة ألموت. ولم يكن اختيار الشباب عادةً للقيام بهذه المهام الانتحارية تم تحت إغراء مخدر الحشيش كما زعمت بعض الأساطير، وإنما كانت عمليات اغتيال جريئة باستخدام السكين، ولم يحاول المنفذون الهرب في الكثير من الحالات، بل ضحوا بحياتهم وقتلوا أنفسهم (ص 129).
الصرامة التي اتبعها الحسن الصباح طالت ولدي؛ إذ قتل ابنه الأكبر الأستاذ حسين بعد اتهامه بقتل الداعي حسن قائيني، أحد أبرز مساعدي الحسن، فقرر الأخير قتل ابنه الأستاذ حسين، أما الابن الثاني للحسن الصباح، واسمه محمد، فقد اتُهِمَ بشرب الخمر، فلما علم والده بالأمر، أمر بقتله، واستغل الحسن واقعة قتله لابنيه للتأكيد أمام أتباعه على أنه لا يسعى إلى توريث الحُكم لأولاده (ص 133).
تحوَّل قادة دولة ألموت إلى حكام محليين في العقود الأخيرة من حياة دولتهم، لكن كل هذا تبدد مع الهجوم المغولي الكاسح الذي دمر قلاع النزارية ومنها قلعة ألموت، كما تخلص المغول من النزارية ومنهم حاكمهم ركن الدين خورشاه، ولم ينجُ منهم إلا قلة منهم، وفي مقدمتهم شمس الدين محمد بن خورشاه، الذي أصبح الإمام الجديد للنزارية حسب مروياتهم عن أنفسهم، وعاش متخفيًا في أذربيجان (ص 205).
أما نزارية الشام فقد نجوا من مصير نزارية فارس، وأصبح السلطان بيبرس هو صاحب السلطة الأعلى في قلاع النزارية. حاول بيبرس إعادة توظيف جهاز الاغتيالات عند النزارية والمعروف باسم الفداوية، للعمل تحت إمرته وتوجيهاته. وأفردت المصادر المملوكية مساحةً لعمليات الفداوية تحت توجيهات القاهرة في العصر المملوكي. وفكر السلطان السعيد بركة خان ابن السلطان بيبرس في استغلال الفداوية في صراع السلطة مع أمراء المماليك الذين حاصروه في قلعة الجبل بالقاهرة (ص 216).
وفي عصر السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون (حكم ثلاث فترات متقطعة)، ترسخت العلاقات بين السلطنة المملوكية ونزارية الشام، على أساسٍ من التبعية للسلطان المملوكي. وأرسل الناصر محمد الفداوية في مراتٍ كثيرة لقتل الأمير الهارب قراسنقُر، لكن هذه المحاولات كلها مُنيِّت بالفشل (ص 218).
المدهش أنه رغم استمرار ذكر الفداوية في المصادر المملوكية لفترةٍ طويلة بعد إخضاعهم على يد السلطان بيبرس، فإن المعلومات المتناثرة عن نزارية الشام تقول إنهم أصبحوا مجموعةً مسالمة باستثناء عملهم في خدمة أغراض سلاطين المماليك.