هل تم القضاء على داعش حقًا؟
كتب - هشام عبد الخالق:
بعد ما يقرب من أربع سنوات من القتال المرير، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية اليوم السبت، تحرير قرية الباغوز السورية آخر معاقل تنظيم داعش، من سيطرة التنظيم الإرهابي الذي كانت تمتد سيطرته على دولتين متجاورتين (العراق وسوريا).
وواجه مقاتلو التنظيم الإرهابي، في آخر معاقلهم بالباغوز، حربًا شعواء، شنتها ضدهم قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي لمحاربة داعش.
وحاول مقاتلو التنظيم الإرهابي الدفاع عن آخر معاقلهم، وفخخوا السيارات واستخدموا الطائرات بدون طيار في قذف صواريخ، وكان الانتحاريون يركضون عبر الخطوط الأمامية للجبهة المشتعلة تحت جنح الظلام، لمهاجمة قوات التحالف.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إنه في الأسابيع الأخيرة، قبل إعلان النصر النهائي على تنظيم داعش اليوم السبت، فرت أسر وعوائل التنظيم الإرهابي، وانطلقن في الصحراء. وعلى الرغم من قرب سقوط التنظيم -آنذاك- إلا أنهن كن يهتفن بشعارات تأييد له.
واليوم، أعلن كينو جبريل، متحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية: "هذه لحظة مهمة، ليس لنا فحسب بل للعالم أجمع"، قبل أن يضيف، لا يمكننا القول الآن أن داعش انتهت. نحن انتهينا من القتال على الأرض ولكن خطر داعش لا يزال موجودًا حول العالم.
وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قال للصحفيين أثناء رحلته في بيروت، إن المعركة ضد المتطرفين ستستمر حتى بعد هزيمة داعش على الأرض، وقال: "لم تتغير مهمتنا. لا يزال علينا التأكد من أن خطر الإرهاب المتطرف لا ينمو مجددًا".
تنظيم داعش، كان في الماضي منذ أربع سنوات تقريبًا، يسيطر على مساحة تماثل مساحة بريطانيا، وتحكم في مصائر ما يقرب من 12 مليون شخص، وسيطر على مناطق ذات كثافة سكانية عالية مثل الموصل في العراق، وامتدت سيطرته شرقًا حتى مدينة نينوى، وامتدت جنوبًا إلى أنقاض مدينة تدمر السورية.
وكانت الأرض التي تسيطر عليها داعش، تحتوي على 75% من محصول القطن السوري، 40% من محصول القمح، وسدود هيدروكهربائية، ومناجم فوسفات وحقول نفط.
وتشير الصحيفة، إلى أن تنظيم داعش يعيش على التمرد والانشقاق وهذا ما كون له قواعد جماهيرية وشعبية في أماكن تخطت العراق وسوريا، ليصبح له جماهيرية في أفغانستان والفلبين.
ولكن، بحسب الصحيفة، فإن خسارة المساحة الأكبر من الأراضي التي يسيطر عليها ضربة موجعة. وخسر التنظيم ما كان يتخيله أنه مركز للخلافة الإسلامية أو الامبراطورية الدينية، وهو ما جذب عشرات الآلاف من المقاتلين من جميع أنحاء العالم. ولكن كان بمثابة كابوس مشؤوم للبقية.
سمحت الأراضي الواسعة التي يسيطر عليها تنظيم داعش له بالقيام بشيء لم يفعله أي تنظيم إرهابي سابق، بحسب الصحيفة، وهو فرض الضرائب على الملايين القابعين تحت حكم التنظيم واستغلال الموارد الطبيعية في المنطقة، وكانت ثروة التنظيم تقدر بمليارات الدولارات، لتصبح أغنى منظمة إرهابية في العالم.
واستخدمت تلك الثروة لتمويل طموحاتها العالمية، وبنوا أدوات حربية، بما في ذلك برامج للطائرات بدون طيار قاموا بتعديلها لتصبح جاهزة لحمل المتفجرات.
وسمحت المدن التي احتلها التنظيم أن يكون له سجون ومعسكرات تدريب ومكاتب إدارية في المراكز السكانية المدنية، وهو ما حماهم من الغارات الجوية طبقًا لمعايير الحرب الدولية.
كانت الدولة التي بناها التنظيم، وحشية وبيروقراطية، حيث كان يتم جلد النساء من قبل شرطة الأخلاق لإظهار أجزاء من أعينهن.
تم تقديم مذكرات توقيف للمراهقين بتهمة "المرح أثناء وقت الصلاة". وبيعت الآلاف النساء المنتميات إلى الديانة الإيزيدية، والتي يعتبرها تنظيم داعش هرطقة، كعبيد جنسي، وتم اغتصابهن، وكل ذلك كان قانونيًا وبعقد مختوم.
وتقول الصحيفة، إنه الآن وبكل المقاييس تقريبًا، أصبح داعش قوة أقل مما كانت عليه قبل أربع سنوات، فهي تضم عددًا أقل بكثير من المقاتلين ولا تمتلك سيطرة على أراضٍ، كما أن عدد الهجمات التي تنفذها في جميع أنحاء العالم قد تضاءل.
الحياة في الباغوز، قبل تحريرها اليوم، كانت، بكل المقاييس، قاتمة.
وتقول آمي، 34 عامًا من كندا، التي استطاعت الفرار من القرية مؤخرًا: "إنها تركت وظيفتها في كندا كمصممة جرافيك لتنضم إلى زوجها في سوريا".
وأضافت، أود فقط أن أعود إلى الوطن، وأحظى بفنجان قهوة كبير.
ولكن، يقول الخبراء الذين يدرسون شؤون التنظيم منذ ارتقائه إلى السلطة في بداية الألفية، إنه حتى بعد أن خسر الكثير من الأراضي، فإن التنظيم الآن أقوى بكثير من آخر مرة سادت فكرة هزيمته، والتي كانت في 2011 عند انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
كان عدد أفراد التنظيم في ذلك الوقت 700 شخص تقريبًا، ولكن الآن، يقدر المسؤولون العراقيون والأمريكيون بأن عدد أفراد التنظيم آلاف وربما عشرات الآلاف من المقاتلين المختبئين في المناطق الهادئة في سوريا والعراق، وبدأت علامات تمرد التنظيم في الظهور بالفعل.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه في العشرة شهور الأولى بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي في ذلك الوقت حيدر العبادي القضاء على تنظيم داعش في بلاده، نظم التنظيم الإرهابي 1271 هجومًا إرهابيًا، بحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
وتقول الصحيفة، إن التنظيم الإرهابي نفذ أيضًا ما يقرب من 182 هجومًا إرهابيًا في سوريا، في الأسابيع التي تلت اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتحقيق النصر عليه في ديسمبر الماضي، بحسب ما ذكره شارلي وينتر، باحث كبير في المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينجز كوليدج بلندن.
ويقول وينتر: "يوجد ميل للتسرع في إعلان النصر في وقت مبكر جدًا عندما يتعلق الأمر بالجماعات الجهادية، قد تكون الجماعات أصبحت أضعف ولا يمكن أن تكون هزمت بأي حال من الأحوال".
حتى القادة الذين ساعدوا في تحرير الباغوز يحذرون من أن هذا ببساطة هو نهاية مرحلة من الصراع وبداية مرحلة أخرى.
وقال عدنان عفرين، قائد بقوات سوريا الديمقراطية: "إن تحرير المدن والبلدات التي كان التنظيم يحتجزها هو الجزء السهل"، مضيفًا، "عندما نذهب إلى الخطوط الأمامية ونواجههم، نطلق عليهم النار، فيردون علينا ونعرف من نواجهه، ولكن الآن نواجه خلايا نائمة"، مشيرًا إلى أن "المعركة ضد العدو الذي لا تستطيع رؤيته أصعب بكثير".
ويشير الخبراء، إلى أنه على الرغم من سقوط التنظيم واستعادة الأرض التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، إلا أن الجماعات التابعة له لا تزال تنمو في الخارج. ففي يناير، تسببت عمليات تفجير متتالية تبنتها جماعة تتبع تنظيم داعش في الفلبين في مقتل ما لا يقل عن 20 شخصًا. وفي أفغانستان، يواصل التنظيم شن هجمات مميتة أيضًا.
العملية العسكرية لإنهاء سيطرة تنظيم داعش على الأراضي في سوريا والعراق، كان لها ثمن باهظ، حيث تم تدمير النصف الغربي من مدينة الموصل، ومعظم مدينة الرقة السورية، والعديد من المدن الأخرى على طول الطريق وتركوا في حالة خراب.
الطريق البالغ طوله 19 ميلًا (30 كيلومترًا تقريبًا) من مدينة هجين إلى الباغوز، هو مسرح الدمار الكارثي، ومن الممكن رؤية الدمار في كل مبنى على طول الطريق، وتحدد الحفر على طول الطريق الأماكن التي كانت تسقط فيها القنابل.
وتساءل فيصل وهيب عوض، 42 عامًا، الذي كان يمتلك مخبزًا في هجين: "لماذا كان يجب عليهم تدمير المدينة؟ لقد كان هذا مصدر رزقي. لقد بحثنا في المدينة ولم نجد جثة واحدة لداعش، أو طلقة واحدة حتى، فكيف يقولون أن هذا كان مخبأ لداعش؟".
لا تزال سوريا غارقة في حرب أهلية، والحرب ضد تنظيم داعش ما هو إلا صراع واحد من عدة صراعات. وأصبح مستقبل الأرض التي كانت تحتلها داعش هناك، وتمثل ثلث مساحة البلاد تقريبًا، غير مؤكد قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من هناك.
تم احتجاز آلاف من مقاتلي داعش في السجون، في الوقت الذي تقبع فيه عشرات الآلاف من النساء والأطفال في معسكرات الاعتقال. ويخاطر معظم الأجانب الذين توافدوا على التنظيم بأن يصبحوا عديمي الجنسية وغير مرغوب فيهم من قبل البلدان التي فروا منها، وأن يصبحوا أعداء مقاتلين من قبل البلدان المعتقلين فيها الآن.
وتقول الصحيفة، إن عدد المقاتلين المعتقلين ارتفع في الأسابيع الأخيرة حيث وصل 37000 شخص من الباغوز منذ فبراير الماضي، وفقًا للجنة الإنقاذ الدولية. وكانت الغالبية العظمى منهم من النساء والأطفال، ويقول المسؤولون إن جميعهم تقريبًا من عائلات داعش.
أعضاء التنظيم الذين تحدثوا مع المراسلين، كانوا مترددين ما بين الاعتراف بخسائر داعش، والإصرار على أن هذه الخسائر مؤقتة.
ويقول ديور أحمد، 28 عامًا من تورنتو: "لقد انكمش التنظيم، بشكل كبير، لكن الكثير من الناس لا يزالون يأملون أن يزدهر مرة أخرى يومًا ما".
كانت هذه المشاعر التي رددها سلام عابد، الذي قضى أربع سنوات ونصف في مناطق سيطرة داعش، ولم يفر إلا بعد مقتل 20 من أفراد عائلته في غارة جوية.
ونقلت الصحيفة قوله في ختام تقريرها: "ربما ستُهزم المجموعة في سوريا، لكن ليس في أي مكان آخر، فهم موجودون في صحراء الأنبار (غرب العراق)، ولا يزالون يقاتلون في آسيا وأفريقيا".
فيديو قد يعجبك: