''رائد''.. ذكريات طفولة وإهانة ''شاويش'' داخل ''قطار الموت''
كتبت - شيماء الليثي:
جلس ثلاثتهم فى ''طرقة'' القطار؛ حيث المكان الوحيد الشاغر لهم، ممسكين أطراف الحديث بينهم مفكرين فى حالهم إثر دخول المعسكر، محاولين البحث عن طريقة تمكنهم من عدم الافتراق داخل معسكر التدريب كما كان حالهم فى كل شئ؛ ولم يخطر ببالهم أن دقائق قليلة تفصلهم عن الافتراق الأبدي.
''احنا صحاب من الابتدائي حتى الدبلوم، وفرحنا إن التجنيد بتاعنا جه مع بعض، كل حاجة كنا بنعملها سوا حتى ورق الجيش عملناه سوا، وعمرنا ما افترقنا، ما فرقناش امبارح غير الموت''.. خرجت هذه الكلمات متقطعة بدموع الحسرة من المجند ''رائد ابراهيم'' - أحد مصابين قطار البدرشين المنكوب - والذى فقد أحد رفيقيه والآخر مصاب فى حالة خطيرة .
يرقد ''رائد'' بمستشفى البدرشين المركزي فى حالة بدنية ونفسية يُرثى لها بعد أن شاهد أهوال حادث اصطدامهم فى منتصف الليل '' كنا قاعدين بنتكلم أنا وصحابى فى الطرقة فى القطر عشان مكنش فيه كراسي فاضية، وفجأة سمعنا صوت اهتزاز جامد ولقينا العربية فلتت من القطار، وبسرعة حسيت باصطدام قوى جداً وشوفت العربية اتقسمت نصين''.. كانت هذه آخر لحظات الشاب المكلوم داخل عربة القطار الأخيرة.
أما خارج العربة فكانت الذكريات أكثر ألماً '' محستش بحاجة تانى غير إنى وقعت، ولما فوقت لقيت كله بيصرخ حولنا والدم فى كل حتة، أقعدت أدور على زملائى اللى كانوا معايا لقيت واحد منهم بيقولى الحقنى أنا رجلى اتقطعت، كانت مقطوعة خالص وشابكة بس على جلدة صغيرة''.
ثم يتذكر ''رائد'' صديقه الثاني '' لكن صاحبي التاني رشدى ملقتهوش ولما سألت عنه بعد ما جيت المستشفى قالوا إنه توفى '' يقولها الشاب الذي أعياه ألم الفراق أكثر من ألم ساقه الممزق عصبه وزراعه المكسور وجروح جمجمته نتيجة الحادث.
وعن أهله القابعين بسوهاج والذين أتو إلى القاهرة مهرولين للاطمئنان على فلذة كبدهم، يذكر شقيق ''رائد'' حينما هاتفه أحد الأهالي فى منتصف الليل ليخبره بالخبر المشؤوم الذى جعل والدته تسقط مغشيّ عليها '' كنا نايمين وجالنا تليفون بيقول إن أخويا فى المستشفى والقطر عمل حادثة، اتفزعنا والبيت كله اتحول لصويت''.
أما عن ما حدث لأخيه فيصفه بأنه '' إهمال لازم يتحاسب المسؤول عنه''، ويضيف متسائلاً: ''إزاى يهملوا كده مع المجندين اللى بيحموا أمن البلد لازم الدولة تهتم بيهم أكتر من كده، مش تشحنهم فى قطارات الموت !''.
أما ''رائد'' فحين علم أن الدولة ستصرف لهم تعويضات تذكر اللحظات الأولى له بالقطار بأسيوط والتى حملت له من الإهانة ما حملت '' الشاويشة كانوا بيضربونا واحنا بنركب القطار بالعصيان السودة بتاعتهم وبيشتمونا وبيطلبوا مننا النظام والسكوت.. وياريتنا ماسكتنا لأننا لما سكتنا حصل لنا اللى حصل''.
وتساءل ''رائد'' بوجه ملأه الأسى والسخط ''التعويضات دي هتعوض إيه ولا إيه.. هتعوض الدم والموت ولا الإهانة.. أنا مش هبيع نفسى بتعويض وفلوس، أنا عايز حقى وحق اللى ماتوا بإن المسؤول يتحاكم والسكة الحديد تتصلح عشان حرام يكون فيه ضحايا تانى ويشوفوا اللى شوفناه !''.
فيديو قد يعجبك: