إعلان

جولة وسط القرى والجبال الخلابة في كوسوفو الجديدة

08:00 ص الخميس 02 أكتوبر 2014

الجبال الخلابة في كوسوفو الجديدة

(بي بي سي):

جميع البيوت فارغة من سكانها. كانت السيارة تهتز بشدة وهي تسير بنا في المنحنيات الحادة التي تشق سفوح جبال "سار".

أشار سائقنا إلى القرى القريبة والتي كانت عبارة عن بيوت متناثرة بلا نظام على السفوح الذهبية الداكنة، وقال "هذه القرى خالية من السكان."

سكان هذه القرى غادروا للعمل في ألمانيا التي تعتبر موطناً لأكبر تجمع في الشتات لأهالي كوسوفو خارج البلقان. من هناك يرسلون المال لعائلاتهم في مناطق كوسوفو المختلفة.

رعي الأغنام، وهي المهنة التي اعتاد أهالي كوسوفو علي ممارستها، ليست مجدية مادياً، ولذلك يسعى الغورانيون، والذين يشتق اسمهم من كلمة معناها سكان الجبال باللغة السلافية، إلى الاستقرار في أماكن أخرى.

من بين هذه القرى غير المأهولة، تدب بعض مظاهر الحياة في عدد منها. قرية "برود" الواقعة على بعد 45 كيلومتراً جنوب مدينة "بريزرين"، ثاني أكبر مدينة في كوسوفو.

ببيوتها التي تعود للحقبة العثمانية، وشوارعها المعبدة بالحصى، تعتبر بورد مثالاً ناجحاً في بناء اقتصاد قائم على السياحة، حيث ترحب بالزائرين أمثالي الذين يأتون إليها للتنقيب عن تراث وثقافة الغورانيين في أعالي جبال كوسوفو البعيدة.

ولا يزيد عدد سكان قرية "برود" عن ألفي نسمة، لكنها تضم الفندق الوحيد في المنطقة، فندق أرخينا.

وفي السنوات الأخيرة، عمل برنامج الأمم المتحدة للتنمية مع سكان المنطقة على تخصيص ممرات طويلة للتنزه حول القرية، لكن الأسلوب المفضل لاستكشاف المنطقة والتمتع بمناظرها هو امتطاء ظهور الخيل، كما سأعرف بعد قليل.

وبجداول الماء والمروج العشبية المشمسة فيها، تقف قرية بورد كواحدة من أكثر البلدات جذباً لالتقاط الصور. لدى وصولي، كانت البيوت البيضاء تميل نحو الصخور، بينما كانت نسمات سبتمبر الخريفية تملأ الشوارع الضيقة بالانتعاش.

كانت الأغنام تسبح في بحر من العشب الأخضر الطويل، وكان صهيل الخيول يختلط بأزيز حشرات الحقل، بينما استراحت الصخور تحت أشعة الشمس.

ارتبط اسم كوسوفو في العقود الأخيرة بالحرب وليس بالسكينة والهدوء. وقد تركت الحرب التي نشبت بين عامي 1998-1999 وانتهت باستقلال كوسوفو عن صربيا، آثارها على المنطقة.

فالمشي لمسافات طويلة في طرق كوسوفو لا يزال يحتاج إلى مرشد يساعدك على تجنب المناطق المزروعة بالألغام الأرضية. ولكن كما نجحت دول البلقان الساحلية مثل كرواتيا ومونتنيغرو (الجبل الأسود) في تطوير بنية تحتية ملائمة للسياحة، كذلك تفعل كوسوفو.

لقد تم الانتهاء عام 2013 من شق الطريق السريع الذي يربط ميلوت في ألبانيا بعاصمة كوسوفو بريستينا، مروراً بمدينة بريزرين بطول 272 كيلو متراً. هذا الطريق جعل الوصول إلى جنوب كوسوفو أكثر سهولة.

ويتم العمل الآن على شق طريق رئيسي آخر يمتد بمسافة 60 كيلومتراَ بين سكوبية في مقدونيا، وبين بريستينا، ومن شأنه أن يساهم في جذب مزيد من السياح.

غير أن البنية التحتية في برود ما زالت متواضعة مقارنة ببلدان الجوار. فللعثور على مكان للمبيت فيه ما كان على السائق سوى أن يخرج رأسه من نافذة السيارة وينادي على المارة ليسأل عن غرفة نقيم فيها.

وقد اكتشفنا أن كل سكان برود يعرفون رجلاً يدعى بلياغيب زيلجي، الذي يمتلك بيتاً ثانياً على أطراف البلدة، حوله إلى نزل للسياح، حيث تزيد الأسِرَّة العشرة في بيته عن حاجة السياح الذين يزورون المنطقة.

بعد خمس دقائق وصل زيلجي لينقلنا عبر ممرات البلدة وطرقاتها التي لا تحمل أسماء أو علامات مميزة. في الطريق تفاوضنا معه على ما سيتقاضاه لقاء مبيتنا في ذلك النزل، وحدثته بلغة روسية ضعيفة، حيث أن اللغة السائدة هناك هي الألبانية، واتفقنا على أن ندفع له 10 يوروللسرير، و5 أخرى مقابل الطعام، وبالطبع سيوفر لنا خيولاً للتنقل.

في برود، الخيول أكثر من السيارات حسب ما هو مذكور في كتاب الدليل السياحي. في الواقع، ومن مجرد نظرة إلى الشارع، تستنتج أنه يوجد خيول أكثر من الناس.

والطريقة الوحيدة لرؤية الأخاديد والجروف الجبلية المحيطة بالقرية هي التنقل على ظهور الخيل كما أخبرنا زيلجي. وقد استأجرنا دليلاً لمصاحبتنا مقابل 20 يورو.

كان دليلنا فتى لم يتجاوز العاشرة من عمره، وكان لا يعرف من الإنجليزية سوى تحية الصباح. امتطيت صهوة حصان، وركب هو حصاناً آخر، وانطلقنا في طريقنا.

سارت بنا الخيل عبر ممرات ومنحدرات ضيقة جداً حتى شعرت بأن حصاني سيتعثر ويقع على الصخور الممتدة في الأسفل. وفجأة توارت القرية عن الأنظار، ولم يبق على امتداد البصر سوى عشب ترعاه الأغنام، وصخور لا نهاية لها.

ألقت الغيوم بظلالها على جانب الجرف الجبلي. وكانت الكباش تحدق بنا ونحن نمر أمامها متجهين إلى الجنوب صوب الحدود المقدونية.

أسرع الفتى، وأسرع في إثره حصاني، فشعرت بالخوف من السقوط، وفي الوقت الذي وصلنا فيه نهاية الوادي، كنت متشبثاً بسرج حصاني، لأكتم صراخي.

استدار الفتى وترجل عن حصانه، ثم هدأ من روع حصاني، ثم ترجلت بدوري، وتناولت غدائي المكون من بعض الجبن والطماطم المجففة. عدد من الرجال الطاعنين في السن جلسوا قرب كوخ خشبي على ضفة جدول صغير، بينما كان يقف قربهم فتيان يعتمران قبعات مصنوعة من جلد الأغنام.

وعرض الفتيان أن يقوما بمساعدتي على امتطاء صهوة الحصان، وكانا يتحدثان بلغة ألمانية تعتبر اللغة الثانية في هذه المنطقة التي يتحدثها كثير من المهاجرين العائدين.

وكان هناك المزيد من المناظر والأماكن السياحية التي نشاهدها. انفجر الفتيان في الضحك بسبب حاجتي إلى المساعدة في امتطاء صهوة الحصان. فوجود رجل لا يجيد ركوب الخيل هنا يعتبر أمراً غير مألوف، في حين تولى كبار السن من الرجال مساعدتي على ركوب الحصان وهم يحاولون إخفاء ابتساماتهم.

انطلقنا لنقطع مسافة الخمسة كيلومترات عائدين إلى برود، بينما كانت ضحكات الفتية تجلجل على جانبي الوادي.

بيد أنني اكتشفت أن بورد ستستقبل في المستقبل القريب مزيداً ممن لا يجيدون ركوب الخيل مثلي. فعلى مقربة 3 كيلومترات من فندق أرخينا في برود يقام الآن منتجع فاخر بنظام الشاليهات بين جرفين جبليين.

وعندما توقفت عند ذلك الموقع، كان عمال البناء يضعون الأساس لإقامة ملعب للتنس.

في بهو المنتجع علقت صور لسياح وهم يسيرون في الطرق الجبلية ويمتطون ظهور الخيل، ويتسلقون الصخور، في حين كانت طيور الطاووس البيضاء تمشي على الأرض المغطاة بنشارة الخشب.

وعندما ألقيت نظرة إلى الداخل، رحب بي النادل عارضاً علي كوباً من مشروب الكابتشينو، وكلمة المرور لاستخدام الإنترنت. أخبار هذا المشروع لم تصل بعد إلى بورد. في الصباح التالي، بعد تناولي لفطيرة طازجة، ذهبت أبحث عن القهوة. وجدت بيتاً ريفياً يجلس في طابقه الثاني رجال جنباً إلى جنب، دون أن ينظروا لبعضهم البعض، يحتسون القهوة التركية ويشاهدون سباقاً رياضياً في بلغراد. في الخارج، كان دليلي السياحي يغني: صباح الخير.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان