بالصور- تُراثنا المهمل: متحف ''الركايب الملكية'' مُغلق من 12 عام والسبب ''التمويل''
كتبت- إشراق أحمد:
جوار مبنى وزارة الخارجية يقع، نالت الأتربة والزحام من لونه الأبيض، توالي الأحداث مر على جدرانه بكتابة هتاف أو سُبة، وصور المرشحين بالانتخابات برلمانية ورئاسية، لا لافتة تعبر عنه، ولا سؤال يجدي بشارع 26 يوليو إلا للعارفين بالمنطقة، فقط تماثيل رؤوس الخيل أعلاه تميزه شيئًا ما.
"متحف المركبات الملكية" أو "الركايب" كما في لفظها العامي المتداول بين مَن يعرفه، بوابة حديدة كحال النوافذ المطلة على "الوكالة"، تشهد مرور السيارات والعابرين عليها وبالرصيف المقابل، تتنقل أعينهم بين حوامل ملابس "الوكالة"، والطريق المتكدس بالسيارات خاصة ساعات الذروة، قليل مَن تقوده أقدامه بين زحام المارة أمام المبنى ليسأل عن هويته، لكنه بالنسبة للعاملين بالمكان هم كُثر.
"لما نطلع على المعاش هات أولاد أولادك وفرجهم على المتحف" ساخرون يقابل موظفي الأمن السائلين عن موعد إعادة افتتاح المتحف، ثلاثة أعوام بدأ عمل الموظفين المخول لهم حراسة المبنى، والتأكد من حصول الزائرين على بطاقات الدخول، ومراقبة التصرفات حتى لا يسيء أحد للمقتنيات التاريخية، لكنهم لم يفعلوا أي من ذلك، فقط الوقوف حينًا مستندين إلى البوابة، وحينًا آخر جلوس على المقاعد الخشبية المتواجدة خلفها.
12 عامًا منذ أن بدأ ترميم المتحف ولم ينتهي، تحفظ أبداه العاملون بالمتحف للحديث عنه ولو بمعلومات تاريخية بدعوى قرار الوزارة بعدم حديث العاملين لأي جهة إعلامية إلا بوجود تصريح رسمي، فرغم ضيق الكثير منهم لجلوسهم اليومي لسنوات بلا عمل لدرجة وصول البعض لسن المعاش ووفاة آخرين ولا زال المتحف تحت الترميم إلا أن أغلبهم يتبنى إما الصمت أو الحديث مطالبين عدم ذكر الأسماء أو التصوير لأنهم "مش عايزين مشاكل".
"قربت أطلع على المعاش وبرضه مش هيخلص" قالها أحد العاملين بالمتحف الذي غطت ساحته الرمال، والحصى، وظهرت بها عجلتان خشبيتان كالتي تتواجد "باسطبل" الخيل، وأدواره التي يتواجد بها المكاتب الإدارية لا زالت تحت أعمال الإنشاء، حيث بدت "السقالات" بالمكان.
"المتحف ده حلو جدًا من هنا كان بيطلع عربيات الموكب الملكي" قالها موظف الأمن، الذي يقضي وقته منذ الصباح الباكر وحتى الخامسة مساءًا، متحدثًا إما لرفيق البوابة فيخبره عن الرجل المسن الذي جاء لقائلًا له أن ذلك المكان كان مقر لمدرسته، فأضيف له معلومة غير مؤكدة للمكان أنه كان مقرًا لمدرسة تدريب مهني في فترة من الزمن لا يعلمها، فضلًا عن المعلومة الأكيدة أن ذلك المتحف كان "اسطبل الملك".
حفاظًا على مقتنيات أسرة محمد على من عربات ملكية وخيول تستقبل النبلاء وسليلي الأسرة المالكة؛ أنشأ الخديوي اسماعيل "مصلحة الركائب الملكية" وتم تجديدها في عهد الملك فؤاد، ليحتفظ المكان رغم مرور عشرات السنين بتاريخ 4730 قطعة أثرية بالإضافة إلى 651 درهم من الترتر الفضة وغيرها من المقتنيات الأثرية بالغرف التي لم تعدد محدد عددها الآن نظرًا لعملية الترميم المتوقفة منذ يناير 2011 حسب تأكيد "منى صالح" مدير المتحف المغلق أمام الزائرين منذ 2002 لكن موظفيه البالغ عددهم 42 يلتزمون بالتواجد اليومي رغم توقف العمل.
"التمويل" سبب توقف أعمال الترميم في المتحف حسبما قال "أحمد شرف" رئيس قطاع المتاحف بوزارة الآثار، مؤكدًا أن الوزارة هي مَن تتولى سداد تكلفة العملية برمتها لشركة "النصر العامة للمقاولات" لمالكها "حسن علام" القائمة على تنفيذ مشروع ترميم المتحف.
"نادية لقمة" استشاري ترميم الآثار قالت إنه لا توجد مدة محددة لترميم آثر بل يرجع ذلك لحالة الأثر ذاته الذي لا يتم بدء العمل فيه إلا بعد وضع جدول زمني عقب دراسة حالته، مشيرًة أن الأثار الإسلامية تأخذ وقت أطول من غيرها وأن أكثر مدة استغرقها الترميم حتى الآن كانت لمتحف النوبة، فالمهم استحقاق الأثر لتلك الفترة ليخرج في أبهى صوره.
وأوضحت "لقمة" أن تأخر الترميم إما لمشاكل مالية أو عدم توافر الإمكانيات البشرية أو المادية أو مشاكل مع شركات المقاولة، مطالبة بتغيير نظام التعامل مع ترميم الآثار بتولي قطاع المشروعات بوزارة الآثار هذه المهمة بدلًا من شركات المقاولة، عبر تكليف المرميين المتخصصين في حالة الترميم الدقيق والمهندسين في حالة الترميم المعماري.
"العامل البشري، تطوير العقليات، توفير الإمكانيات" حلول أكدت خبيرة الترميم أن توفيرها يحل مشكلة التعامل مع الآثار، موضحة أن الاهتمام بالعامل البشري من حيث الأعداد الكبيرة التي تتخرج في كلية الآثار كل عام ولا تجد ما تفعله رغم وجود الكثير من الآثار بحاجة إلى الترميم، وكذلك توفير كادر خاص للأثريين بشكل عام والإمكانيات التي توفر لهم بيئة العمل كل ذلك يغلق الباب أمام المشكلات التي تواجه الآثار من توقف العمل بالترميم وغيرها.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: