بالصور- ''الأوكازيون'' كساد في ''المولات'' ورواج لـ''البالة''
كتبت- نوريهان سيف الدين:
ينتظرونه من العام للعام، أسعار تنخفض قليلا عما كانت عليه طوال موسم العرض، فصال لا ينتهي بين البائع والمشتري، إلا أن ''يفتح الله'' أنهت الكثير من حوارات ''أوكازيون'' الموسم الشتوي هذا العام في أيامه الأولى، وقليل إذا سمعت ''ع البركة''.
· وسط البلد: القلق يفرض سيطرته
في شارع ''طلعت حرب'' والشوارع المجاورة، وقف الباعة يرصون بضائعهم المكونة من ملابس ومنتجات جلدية، ينادون عليها ويتفننون في ابتكار النداءات، مارة يدلفون بطول الشارع وعلى اتساعه، نفير السيارات يطلق إنذاراته ليفسح طريقه بين الأقدام، إلا أن تلك الأقدام وقفت تتفحص المعروضات، وتستمر في طريقها دون اتخاذ قرار الشراء.
من ''شارع شبرا'' جاء ''خالد محمد ووائل الحداد''، شابان في مقتبل العشرينات من عمرهما، حملا جوالات من الملابس الرجالي لعرضها أمام المحال الكبرى بشارع طلعت حرب، مستغلين الإضاءات القوية المنبعثة من المحلات الكبيرة لإنارة الرصيف، ومكتفين بـ''ستاند واحد'' لعرض ''سويتشيرتات رجالي ع الموضة''.
خالد ''الطالب نهارا'' بأحد المعاهد الخاصة، و''البائع ليلا'' بشوارع وسط البلد، وصف موسم ''الأوكازيون'' فقال: ''الأوكازيون دا حاجة كدا للمحلات الكبيرة، إنما إحنا بنبيع على مقاس جيب الزبون''، واصفا منطقة وسط البلد وتحديدا طلعت حرب بأنها ''بقت شعبية مش للناس –الكلاس- زي الأول''.
رأسمال تلك الفئة من الباعة هي ''البضاعة'' نفسها، لذا فإن ترمومتر البيع والشراء هو المحدد لنسبة التخفيضات على معروضاتهم، والرغبة في ''تدوير السوق والقرش'' هي المحرك الأساسي لهم، فالخوف من ''حرق الموديلات'' من موسم لآخر تجبرهم على تخفيض السعر قليلا حتى لا تتكدس البضائع في المخازن، والمهم بالنسبة لهم ''نلم فلوسنا اللي على الشماعات''.
لكن ''وائل'' له نظرة أخرى في عدم حرق الأسعار، فقال: ''أحيانا بيصعب عليا حتة غالية إني ابيعها بأقل من سعرها الجملة الحقيقي، فبحافظ عليها في المخزن وبعرضها في الموسم اللي بعده بسعر أغلى من المعروض وقتها، والزباين بالفطرة بتروح للحاجة الغالية وتحس إنها مميزة''، واصفا ما يفعله بـ''شطارة بياعين''.
الشابان صاحبا اليومية البالغة ''50 جنيها''، رغم عملهما في قلب القاهرة، إلا أنهما يفضلان الشراء من ''شبرا والعتبة والموسكي''، وأحيانا يتطلب الأمر الشراء من الماركات العالمية الكبرى (لزوم الشياكة برضو- كما قال خالد)، إلا أنهم لا يفعلونها إلا إذا كان البائع بالمحل صديقا لهم، ويخفض لهم السعر بنسبة أقل من بقية المشترين.
''المظاهرات'' هي الأخرى فرضت نوعا من تضييق البيع والشراء، فالتحرير انتقل إلى ''البورصة والجلاء وطلعت حرب- على حد وصف أحمد سعيد''، المصطحب لأسرته لشراء بعض المستلزمات بالقرب من ميدان طلعت حرب، وقال: ''المكان هنا بقاله فترة في حالة استنفار، ويوم ما بيكون فيه مظاهرة بتلاقي البياعين في حالة عصبية شديدة، وفي لحظة ممكن تلاقي الناس بتجري، فأنا إيه يخليني أنزل هنا واعرض نفسي لكل دا، لكن في نفس الوقت دا (قطع عيش) للبياعين وبيضطروا يغلوا في الأسعار''، مختتما بقول: ''أدينا نزلنا أهو عشان نشتري هدوم، والخروجة انتهت اننا اشترينا (فيشار) واتفرجنا على الفاترينات وبس).
· عمر أفندي.. متجر الباشاوات لا يجد من يشتري الآن
رحلة عمرها سنوات وسنوات، افخم متاجر القاهرة في الأربعينات والخمسينات، أحداث تاريخية مرت على سلسلة المحلات التجارية الشهيرة، وقرارات ''تأميم'' أدخلته في حيز سيطرة الدولة، تلاها ''خصخصة وبيع'' لكبار المستثمرين، حتى يعود من جديد للدولة، وبين محطات تلك الرحلة، ظل ''متجر الباشاوات'' محتفظا برونقه وشهرته، لكنه شكى قلة تردد الزبائن، واقتصار الطلب على الأدوات المنزلية والأقمشة.
''رضوان محفوظ'' البائع بأحد فروع ''عمر أفندي''، قال أن الشركة تتبع تخفيضات مواسم اوكازيون الصيف والشتا، فضلا عن خصومات الشركات والبنوك، إضافة إلى خصومات القطع الأخيرة ''البواقي''، لكن الأزمات المتلاحقة للشركة أدت بالعاملين إلى الخمول، فقال: ''طالما بيقبضوا مرتبات أخر الشهر يبأة يتعب ليه ويسوّق للبضاعة ليه''.
بين إحدى الجنبات، سيدة خمسينية جاءت مع ابنتيها لشراء ''شوار العروسة''، رافقتها بائعة لتعرض عليها السلع وتريها أكثر من خيار، إلا أن السيدة الكبيرة قالت: ''برضو الحاجة غالية لكن مضطرين نشتري، أنا عن نفسي عملت جمعية عشان أجوز بنتي وأقدر اشتريلها الهدوم وحاجاتها للبيت، بس تحس إن مافيش أوكازيون والدنيا غلا''.
مدير الفرع أكد إن التخفيضات المعلنة ليست على كل السلع، فبعض السلع قد لا تندرج تحت بند ''الأوكازيون''، وتتراوح التخفيضات حسب كل سلعة وكمية المخزون منها، ومدى حداثتها أو توافرها في السوق مع التجار المنافسين، موضحا أن شعبة التجار هي التي ترسل إلى وزارة التموين حيز التخفيضات المسموح به، لتتمكن ''الرقابة على الأسعار'' من تكييف امورها ومراقبة السوق بناء على التخفيضات المتفق عليها.
· المولات.. ''الماركة'' لها بريق و''الاوكازيون للحكومة بس''
في منطقة مدينة نصر، وحيث ''المولات الكبرى'' ومحال الماركات الشهيرة، أعلنت ''الفاترينات'' عن وجود تخفيضات تصل حتى 50%، إلا أن بالداخل الأمر اختلف قليلا.
''ميار'' مديرة فرع محل ملابس أحد الماركات العالمية، قالت أن الـ''Sale'' مستمر طوال العام كنوع من الترويج للمحل، خصوصا أن الفترة الأخيرة وارتفاع الأسعار قللت من التردد والشراء، حتى كادت المحلات هنا أن تغلق لأنها لم تستطع تحقيق هامش ربح مناسب بالمقارنة مع إيجارات المول الغالية ومصاريف الإيجار والكهرباء وخلافه، إلا أن ''الأوكازيون الرسمي'' لا ينطبق داخل المول.
''الأوكازيون دا بره عند الحكومة مش هنا''، قالتها ''ميار'' وهي منهمكة في متابعة صف منتجات ''الجينز'' الشهيرة، وأكملت: ''إحنا هنا قطاع خاص، وفقط نلتزم بتعاليم هيئة الرقابة على الأسعار وسياسات الاسترجاع والاستبدال، لكن الأسعار عالمية حسب المنتج وتكلفته الأصلية لأن 90% منها مستورد من الخارج، ومضاف إليه جمارك''.
المحل أكثر زبائنه من فئة الشباب، أكدوا ان ''الدولاب'' لا ينبغي أن يخلوا من قطعة أو أخرى تحمل اسم ماركة عالمية أصلية وليست تقليد، فهي على حد وصفهم ''لها بريق والغالي تمنه فيه وشياكة برضو''، إلا أنه رغم بريق الماركة وغلاء سعرها، فإن ''باقي الدولاب'' يحمل توقيع ''وسط البلد وشبرا وروكسي''.
· وكالة البلح.. ''البالة'' نجمة كل موسم
يجاورهم مشهد كورنيش النيل، وبالمقابل منهم حي الزمالك العريق، على أطرافها وزارات الإعلام والخارجية، وفي قلبها مساكن شعبية تجاور ''سيدي أبو العلا''، كل هذا الثراء والتنوع جعل ''أصحاب البالة'' قبلة للمشترين من أول ''السواقين وعلى أد الحال''، وحتى ''الممثلين والهاي كلاس''.
''خالد'' البائع العشريني والطالب بأحد المعاهد الخاصة، فيه تجد انعكاسا لتناقضات ''وكالة البلح''، فهو ''المكوجي'' وهو أيضا ''بياع بالة الفرز الأول''، ولا تخلوا المسألة من قطعة أو أخرى تجذب أنظاره ليحتفظ بها لنفسه، فعلى حد قوله: ''دا طباخ السم بيدوقه، يبأه إحنا هنبيع الهدوم المستورده ومانلبسهاش؟''.
''الوكالة هتعمل اوكازيون ليه؟ داحنا بنبيع بتراب الفلوس والبيه والشحات بيشتروا من عندنا بدل الحتة عشرة''، كان تعليق ''خالد'' وصاحب المحل ''عبدالمنعم التوربيني''، الذي قال: ''هنا قليل حتى أما هتلاقي محلات حاطة لوحة (جهاز حماية المستهلك)، هنا العملية ابسط من كدا والناس بتجيب من الأخر''، موضحا أن سياسة التخفيضات وفقا لحالة السوق وفترات الرواج مثل: موسم الدراسة والجامعات، دخول الصيف والشتاء، أعياد المسلمين والمسيحيين.
''الكساد'' اصبح سمة مميزة بين الأسواق بمختلف طبقاتها الاجتماعية، فأسعار الملابس زادت عن الحد المخصص والمرصود لها في ميزانية المواطن المصري''، وهو ما عبرت عنه ''عبير محمود- موظفة حكومية''، فقالت: ''احنا حاليا مش بنشتري هدوم لنفسنا إلا كل حين والتاني، لكن الأولاد بنشتريلهم تقريبا مرتين في السنة، بصراحة المهية مش هتكفي دروس ومصاريف بيت، غير إن الهدوم غالية، فبنضطر ننزل الوكالة نشوف انضف حاجة بسعر أقل من محلات وسط البلد''، موضحة أن حتى داخل ''الكانتو'' ستجد أسعارا غالية، وأن اوكازيونات المحلات شيئ ''وهمي'' لمجرد ''جر رجلين الزباين''.
· الرقابة على الأسعار: ''مهمتنا مراقبة الغش فقط''
أما في الأروقة الحكومية، فقالت ''سعاد عاشور المسؤولة في هيئة الرقابة على الأسعار أن مهمتهم فقط متابعة الأسواق وإلتزام المحلات الملتزمة بتخفيضات المواسم الصيفية والشتوية بالأسعار التي حددتها هي بنفسها، بناءً على سياسة المحل الداخلية وحالة المنتج وتوافره في السوق''.
وأوضحت أن ''التموين وحماية المستهلك'' في تنسيق دائم لتنشيط الأسواق، بعد فترة أمتدت ثلاث سنوات عقب الثورة وكساد نسبي في الأسواق، وقلة المعروض خاصة المستورد منه في الملابس والأحذية والشنط.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: