لعنة الأسماء.. جبهة أخرى في الحرب الأهلية السورية
دمشق – (هنا صوتك):
''الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون''. ينطبق هذا المثل في سوريا على شريحة واسعة من السوريين الذين يحملون أسماء ذات دلالات مرتبطة بالتاريخ أو بشخصيات عامة، ذات تأثير كبير في التاريخ المحلي والعربي أو الإسلامي، ولكن لم يتوقع الآباء أن تحمل هذه الأسماء لأبنائهم ويلات وكوارث، قد تصل لحد تهديد حياتهم، في بعض الأحيان، والالتصاق بهم كلعنة أو كنعمة في أحيان أخرى.
في المقابل، ثمة لعنة أخرى بدأت بالظهور في الآونة الأخيرة تتعلق بالسكن ومكان الولادة المسجل في البطاقة الشخصية. فنازحو الداخل الذين قدرت الإحصاءات الأولية أعدادهم بما يزيد عن أربعة ملايين نازح، يتعرضون لمساءلات مطولة وأحياناً للاعتقال على الحواجز، لمجرد أنهم يحملون على بطاقاتهم الشخصية مكان ولادة يشير إلى انتمائهم لمدينة أو قرية مصنفة ''مناطق متمردة'' أو ''مناطق موالية''.
حافظ
يقول حافظ: ''أسماني والدي بهذا الاسم تيمناً باسم الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، ولا أنكر أن اسمي منحني بعض الدعم أثناء خدمتي العسكرية الإلزامية في الثمانينات من القرن الماضي. وحدث قبل سنة ونصف السنة أن التحق أخي الصغير بالخدمة الإلزامية في ثكنة عسكرية تقع في الريف الشرقي لدمشق. وبعد مهاجمة المسلحين للثكنة واحتلالها فقدنا أي اتصال بأخي. وبعد شهر من هذه المصيبة، تلقيت اتصالاً من رجل غريب يخبرني بأن أخي أسير لدى إحدى الكتائب المسلحة، ويطالبني بفدية كبيرة. أخبرته أنني أعمل في البناء ولا مال لدي. وسألني عن اسمي فقلت له بعفوية، حافظ، فما كان منه إلا أن شتمني بأقذع العبارات وأغلق الخط في وجهي. مضى على هذه الحادثة سنة وشهرين، ويرجح الجميع أن أخي قد قتل''.
بعثية
تقول بعثية ذات الأربعين عاماً: ''كلما نظرت في عيني أبي العجوز أقرأ فيهما ما يشبه الاعتذار الضمني. فقد أسماني بعثية، لأنه كان بعثياً مخلصاً، وهذا ما أدى به إلى الإقصاء والإهمال. في طفولتي، أتذكر أن اسمي منحني امتيازات في المدرسة، فكنت المسؤولة المكلفة من قبل المدرسين في الصف دائماً. لكن في شبابي صار اسمي لعنة التصقت بي. كان بعض الشبان يعلقون ساخرين بأنهم لا يتجرأون على الاقتراب مني خشية أن أكتب فيهم تقريراً، وأرسله لدائرة الأمن السوري فيتم اعتقالهم''.
تضيف بعثية: ''أعيش الآن وحيدة، مع اسمي. لم أنجح في إقامة أية علاقة صحيحة. وفي الآونة الأخيرة بدأت أتحاشى التواصل حتى مع زميلاتي في العمل الموالين للنظام السوري. تصالحت مع الفشل الذي قادني إليه اسمي، وأمام المرآة لا أخفي حقدي على هذا العالم غير المتسامح حتى مع الأسماء''.
في نفس الحي يسكن علي وعمر، وهما صديقان وطالبان في نفس الكلية من جامعة دمشق. ويفتخران بأنهما مثالاً حقيقياً للتآخي والعيش المشترك، في زمن تنتشر فيه الأفكار الطائفية. كما قالا في حديثهما.
عقدة نفسية
في المقابل يعاني نبيل الأحمد مدرس مادة العلوم الطبيعية في مدينة السويداء، من مشكلة مكان ولادته المسجلة في ريف دمشق منطقة ''باب بيلا''.
بعد نزوحه وعائلته إلى مدينة السويداء، يتحاشى السفر إلى دمشق خوفاً من الحواجز. ويقول بمرارة: ''سافرت مرة واحدة لمتابعة شؤون تتعلق بنقل عملي من مكان إلى مكان آخر. وكلما توقفت الحافلة أمام حاجز، ينزلوني للتدقيق والتحقيق. اسمي غير مشتبه به، ولكن مكان ولادتي هو الخطر. لم أكن أتخيل أن أشعر بالرعب من ذلك وأن يتحول مكان ولادتي المسجل في بطاقتي الشخصية إلى عقدة نفسية لا أعرف كيف أتخلص منها''.
يحدث نفس الأمر مع النازحة ندى محمد. فقد نزحت إلى دمشق من حمص. ومكان ولادتها مثلما هو مسجل في بطاقتها الشخصية هو ''تل دو'' التابعة لمنطقة الحولة في حمص، والتي تعرضت في فترة سابقة لعمليات عسكرية طويلة. مع انتشار الحواجز في دمشق ، تعاني الأمرين كلما تحركت في المدينة.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: