مسلمو فرنسا.. في انتظار المجهول
كتبت- رنا الجميعي ودعاء الفولي:
سيارة سوداء تقترب من مقر المجلة صاحبة السياسة الجريئة، يخرج شخصان، يذهبا إلى غرفة التحرير، قبل أن يقتلا الحارس في طريقهما للدخول، طلقات تعرف طريقها إلى المحررين الموجودين، وقبلهم رئيس التحرير، يستغرق الأمر دقائق معدودة قبل أن يعود القاتلان إلى السيارة ويرحلا.
حادث شارلي إيبدو جاء صدمة للعالم ، بعد مقتل 12 شخصا وعشرة مصابين، فيديو مصور يوضح العملية الإرهابية ويجعل المتلقين موقنين أن المسؤولين عن الحادث مسلمين بقولهم "الله أكبر، انتقمنا للنبي"، وبالفعل أثبتت التحريات الأولية عن ثلاثة مسلحين هم "سعيد" و"شريف" كواشي، والثالث "حميد مراد"، ظل الثلاثة مشتبه بهم غير أن اثنان قُتلا في عملية تبادل إطلاق نار بينهما وبين الشرطة، لتظل الحالة غائمة.
"أنا شارلي"
هو الهاشتاج التضامني مع الحادث، دار ذلك الهاشتاج أنحاء العالم بعدة لغات، تضامن الجميع وكذلك المسلمون مع ضحايا الحادث الإرهابي، وانتشرت صورة لفتاة محجبة توزع الورد على المارة، وشارك رؤساء الدول في مسيرة احتجاجية على الحادث في سابقة هي الأولى من نوعها، ومن بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، غير أن الحادث له وجوه كثيرة ليست كلها واضحة للعيان، من بينها وضع المسلمين هناك.
تسعة أعوام قضاهم "على" بفرنسا طالبًا للعلم بجامعة السوربون، لم يرَ فيها هذه الإجراءات المشددة من قبل "لم يحدث في شدتها منذ خمسين سنة"، حراسة على الجامعات، واحتياطات يدلل عليها من خلال البريد المرسل إليه من الجامعة للتواجد قبل الامتحان مبكرًا للتفتيش، وتواجد أمني بمراكز التسوق، وفي مقابل الحادث الإرهابي اعتداءات على المساجد "الضحايا الحقيقيين لهذا الفعل هم المسلمين لأنهم يوصموننا جميعًا به"، فيما يظهر شباب واعي يحمل شعارات ضد الإسلاموفوبيا.
في فرنسا 6 مليون مسلم كما يقول سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية، والذي رأس الجالية المصرية بباريس لعشرين عاما، يصنف الخبير المسلمين هناك، بين أصليين "أبًا عن جد"، ومهاجرين أغلبيتهم من شمال أفريقيا، فيما يرى أن التضييقات على الجالية العربية والإسلامية موجودة بالأساس وستزيد في المستقبل رغم التصريحات التي يعلنها الرئيس "أولاند" التي يحذر فيها الخلط بين المسلمين والإرهاب، كما يؤكد "اللاوندي" أن هناك تعديلات على اتفاقية "شنجن" الخاصة بتأشيرات الدخول.
نظمي الشبلي المقيم بفرنسا لأكثر من ثلاثين عاما، يعتقد أن التوتر والتشدد يسودا الأوضاع من قبل الحادث، فالتشدد قادم من شيوخ السعودية الموجودين في مساجد الضواحي، ويرى الرجل الخمسيني أن التطرف قدم من الدعاوي التي يقوم بها هؤلاء الشيوخ.
أما التوتر فقادم من علاقة اليهود بالمسلمين هناك، حيث تصير القضية الفلسطينية عامل أساسي بها، وهو ما ظهر في تبعات الحادث حينما تم أسر رهائن بسوبر ماركت يهودي كما يرى "علي".
من واقع خبرته في الولايات المتحدة الأمريكية عقب 11 سبتمبر 2001، فإن التضييقات ستزداد على المسلمين في الفترة القادمة، حيث إن أي حادث إرهابي يصيب الدولة، يؤثر على مسلميها بشكل سلبي؛ هكذا قال عمرو الشوبكي؛ المفكر السياسي.
الحادث هدية لليمين المتطرف وإعلامه
وأكد "الشوبكي" أن الهجوم على فرنسا أعطى هدية لتيار اليمين المتطرف، والذي حصل في انتخابات سابقة على 24% من الأصوات "لذا فهذه النسبة مرشحة للزيادة في الفترة القادمة بشكل كبيرة"، على حد قوله، ورغم تصريحات الرئيس الفرنسي الهادئة إلا أنها قد لا يكون أثر كبير على مستوى الأرض، فالمواطن الفرنسي تم شحنه بخطاب الكراهية بسبب الهجمات الأخيرة، أما "نظمي" فيرى أنه رغم الفائدة التي تعود على اليمين المتطرف من الوضع، فسرعان ما سيتحد اليمين واليسار ضد التطرف بكل تياراته.
التهميش هي قضية تواجه المسلمين هناك بنظر "علي" طالب السوربون بخاصة المهاجرين الأوائل "كلهم حصروهم بمكان واحد هو شمال باريس"، هذا التشوه في نظره أدى إلى ازدياد الجريمة وعدم احترام القوانين، في حين من يحاول منهم الرجوع إلى أصوله الإسلامية يقع بين يدي المتطرفين.
يرى جلال نصار، رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي، إن الإعلام الغربي يسعى حاليا إلى البحث عن تأصيل الفكر الداعشي الموجود في أوروبا، ومعرفة أنماطه وكيف انتشر، ويعتقد "نصار" أن ذلك جيد للوقوف على معلومات جديدة عن التنظيمات المتطرفة، غير أنه على الجهة الأخرى سيكون لإعلام اليمين المتطرف دور ضخم في تهويل الأمور، وإخضاع الحادث لمصلحتهم وتخويف المواطن، ما يؤثر عليهم إيجابا في الانتخابات القادمة، وعلى المسلمين بالسلب.
وأضاف "نصار" أن وسائل الإعلام العربية لها دور فاعل في الفترة القادمة؛ إذ يتعين عليها رفض ذلك النوع من الحوادث بشكل واضح، فالاختلاف مع سياسة شارلي إبدو لا تُخول القتل أبدا، كما أنه إذا ارتأى البعض أن شارلي إبدو سيتم القضاء عليها بهذه الطريقة؛ فقد تضاعفت نسخ توزيعها عقب الحادثة، بعد أن كانت النسخ تصل إلى 65 ألف نسخة، لتوزع في عددها الصادر اليوم 3 مليون نسخة، وقد كانت في فترة سابقة على وشك الإغلاق لعدم وجود تمويل، حتى أنها جمعت تبرعات من الناس.
لا يتمكن "على" من توقع الوضع بالمستقبل القريب، لكنه يؤكد على مهاجمة أطراف للمسلمين بالفترة القادمة، غير أن النظام الرسمي كما يراه يراعي عدم الخلط بين المسلمين والإرهابيين بالإضافة إلى وجود أصوات عقلانية بمواقع التواصل والشارع لنبذ الإسلاموفوبيا.
المسلمون والعرب كذلك الذين يعيشون بفرنسا عليهم دور في تخفيف مصاعب الفترة القادمة؛ فقد أضاف "الشوبكي" أن الدور ينقسم لجزئين؛ أولًا المؤسسات الدينية، سواء الموجودة بفرنسا أو الأزهر بمصر، عليها تأكيد أن الهجمات لا علاقة لها بالدين الإسلامي، وأن يكون لها خطوات استباقية ضد تنامي الفكر المتشدد في بلاد الغرب، وكذلك على المسلمين ألا يترددوا في نبذ القتل.
الجزء الآخر من المسؤولية يقع على عاتق السلطة الفرنسية؛ فعليها مسئولية اجتماعية وسياسية تتمثل في مراعاة المسلمين الموجودين بها، سواء من أصل عربي أو فرنسي، فحتى مرتكبي الحادث الإرهابي الأخير، كانوا قد بدأوا حياتهم بشكل طبيعي، كمواطنين فرنسيين، لكن التشدد قد تسلل إليهم، ولدحض ذلك يجب أن تخفف السلطة من تعنتها ضد المسلمين، حتى لا تفتح الباب لولادة متطرفين جدد، على حد قول "الشوبكي".
مياسي محمد؛ عازف عود جزائري مقيم بفرنسا لثمان أعوام، يرى أن سبب التطرف بين المسلمين الفرنسيين هو امتلاكهم لثقافتين مختلفتين إحداهما إسلامية والأخرى أوروبية مما يجعلهم "منفصمي الشخصية" كما يصفهم.
المؤكد بين الثلاثة المسلمين أنهم لم يُواجهوا تطرفا من أحد بفرنسا "أنا اسمي محمد ومقابلتش أي مشكلة"، كذلك كان "علي" و"نظمي" على اختلاف أعمارهما وأوضاعهما الاجتماعية، غير أن العنصرية سمة موجودة بفرنسا وبغيرها من الدول كما قالوا، لكنهم ينتظرون أياما مقبلة غير معروفة المعالم.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: