أحمد خالد توفيق: حان لرفعت اسماعيل أن يستريح.. وتمنيت أن أموت قبل نكسة 1967(حوار)
كتبت-رنا الجميعي ودعاء الفولي:
لم يهب السير في طريق لا يعهده أحد، الخوف الذي رافقه أثناء الطفولة، عالجه هو بالكتابة، من ثم تعامل مع الرعب كرفيق لا عدو، أصبح الكاتب الذي يجيد سرد الخوف، لم يكن التشويق هو المجال الوحيد له، بل تمكن من خلال بيته الأول، المؤسسة العربية الحديثة، أن يكتب عن الطب والمغامرات التي سعى إليها كطفل، الخوض في عوالم لافكرافت، بطوط، جيفارا، وسيبويه، ثم ألحق بقصص الجيب، روايات طويلة تظهر جانبًا آخر للأديب.
تعرفه كثلاثي الاسم لا ينقص منه حرفًا؛ أحمد خالد توفيق، يسبقه لقب ''دكتور''، اتخذ الطب كمجال عمل مع الأدب، تقطر منه السخرية كشيء أصيل، يعرف نفسه فيصنع منها شخصية تسمى ''رفعت اسماعيل''، تلمح عيناه فتاة في محل الفيديو تُخلص للقراءة فتكون ''عبير''، ثم الطب الذي أحبه متأخرا فيصبح هناك ''علاء عبدالعظيم''، ورغم أن معرض الكتاب 2015 قد خلا للمرة الأولى من عدد جديد لـ''ما وراء الطبيعة''، بعدما أنهى حياة بطل سلسلته الأولى، غير أن الكاتب الذي يقطن في مدينة طنطا، بدا متسامحا مع غياب رفيق دربه الخيالي.
-هل بدأت تفتقد ''رفعت إسماعيل''؟
بالتأكيد هي عشرة عشرين سنة. لكني تصرفت معه بحكمة ودفنته بشكل لائق، حان الوقت كي يستريح. ولو عاش لتلقى الشتائم.
-كيف كانت أفكار قصص الرعب تأتيك في سن صغيرة؟
الإجابة كلها تكمن في أن يكون المرء طفلاً جبانًا واسع الخيال، ثم إن أفلام شركة هامر البريطانية تركت أثرًا لايُمحى في ذهني وأنا طفل، بعد هذا تعود ذكريات رعب الطفولة هذه فتصير كتابات.
-ولماذا كان الرعب يجذبك دون غيره؟
الرعب جذاب للجميع. لكن أكرر أنني كنت طفلاً واسع الخيال يخاف من أشياء كثيرة. هناك لذة ماسوشية أكيدة في إخافة النفس.
-عندما بدأت كتابة الأعداد التي تجمع عدة قصص، كـأسطورة ''حلقة الرعب''، هل تخوفت من ردود الأفعال؟
بالعكس كنت متأكدًا أنها ستعجب الناس لأن تنوع القصص سوف يرضى كل الأذواق. من لم يحب كذا سيحب كذا.هناك ''الديكاميرون لبوكاشتيو'' كعمل تاريخي مهم له نفس التيمة. وهناك شركة بريطانية اسمها أميكوس تخصصت في هذا النوع من الأفلام حيث مجموعة قصص قصيرة يربطها خيط واحد. كانت لدينا تجربتان ممتعتان -بنفس فكرة القصص المتعددة- خارج عالم الرعب مثل فيلم ''حكاية ورا كل باب'' لفاتن حمامة و''البنات والصيف''.
-هل سيظهر رفعت إسماعيل في أعداد خاصة قادمة؟
أكيد سيظهر.. قلت هذا في الكتاب الأخير.مذكرات لم يحكها ووجدوها بعد وفاته. لكن هذا يعطيني الحرية في الوقت المناسب وفي حجم الكتيب.
-هل شهرة رفعت إسماعيل على حساب علاء عبد العظيم وعبير، كانت تضايقك؟
فعلا لاشك في هذا. كل كاتب يحب إثبات أنه ناجح في مجال آخر غير الذي اشتهر به. الكاتب فرانك باوم قضى حياته يؤلف قصصا أخرى يحاول بها الوصول لنجاح قصة ساحر أوز ولم ينجح. منافسة الكاتب لنفسه وغيرته منها شيء معروف.
- ولماذا كان رفعت هو الأشهر؟
ربما لأنه الأول. وربما لأنه الأقرب لي وهكذا عبرت عنه بصدق أكثر.
- ما أكثر قصة تفضلها من أعداد ما وراء الطبيعة؟
الكلمات السبع، العلامات الدامية..قصص كثيرة.
-هل لديك طقوس معينة قبل البدء في الكتابة؟
لا طقوس. أغتاظ جدًا من الكتاب الذين يحضرون طقوسا كأنهم كهنة. فقط أعطني صمتا وأعطني ليلا ''بس كده''، وزمان كان أعطني علبة سجائر مليئة، طبعا انتهى هذا الجزء.
-لماذا لا تخلو كتاباتك من السخرية، سواء الكتب أو روايات الجيب؟
كلما سألوني هذا السؤال كانت لدي إجابة واحدة؛ لأني بدأت من قراءة الروس مثل تشيكوف وجوجول ثم وقع ''محمد عفيفي'' العظيم في يدي.
-هل هناك تجارب كتابية لك لم تكتمل؟ ولماذا؟
''أيام الشهاب الأولى'' أخذت جهدا ووقتا كثيرين ثم وجدت أنها مشابهة جدا لرواية لساراماجو فقمت بتدميرها.هناك قصص كثيرة لم أكملها لأن مزاجي تغير.
-لماذا لاقت رواية ''السنجة'' اعتراض القراء أكثر من ''يوتوبيا''؟
السنجة بها تقنيات كتابة كثيرة وأكثر تعقيدا في البناء،ومن الصعب الكلام عن بناء درامي في قصة تدور عنكاتب يتعمق في روايته لدرجة أنها تبتلعه. أعتقد أنها كانت أعقد من اللازم ولم يفهمها كثيرون، لكن أضيف أن معظم الاعتراضات لم تكن على القصة. كانت على ما بدا كمشاهد جنسية صادمة. ظن القراء أنهم سيقرءون رفعت إسماعيل فوجدوا كلامًا أجرأ وعالما أكثر جهامة. لكن أعتقد أن المعجبين بها يتزايدون مع الوقت، فهي كمشروب تذوقه أول مرة فتتقزز ثم بعد قليل تميل له.
-قلت في أحد الحوارات التليفزيونية عام 2011، إن الشباب لديه الكثير من الإمكانيات، لكن تنقصه الفرصة، فكيف ترى الوضع الآن؟
للأسف لم يتغير، لكن زاد على هذا شعور عميق بالإحباط. لقد قام بثورة رائعة ثم انتهى كل شيء كأن لم يكن.
-هل هناك قراء أصبحوا أصدقائك فيما بعد؟
كل قرائي صاروا أصدقاء. لكن منهم من صاروا أصدقاء حميمين، منهم د. شريف عرفه، د. ميشيل حنا، د.أشرف حمدي على سبيل المثال، بدأوا كقراء ثم صاروا أصدقاء أعزاء فعلًا، وهناك ناير يسري، دعاء حسين، وأحمد رسلان. لن أذكر أسماء أكثر حتى لا يتضايق من لم أذكرهم.
-إلى أي مدى يعتبر موقع ''goodreads'' نافذة جيدة لمعرفة آراء القراء، في نظرك؟
دخلته مرة واحدة وشعرت فيه بتحامل شديد، ثم طريقة الاستخفاف على غرار: ''حاديك نجمة واحدة يا برنس علشان صورة الغلاف كويسة''. وفي النهاية لا تعرف هل أنت سيئ أم جيد. هناك من يتحمس بجنون ومن يشتمك بغل.. فمن أنت؟، لم أستفد شيئا وكففت عن دخوله منذ ثلاثة أعوام.
-عبارتك الشهيرة ''هي التي تمشي على العشب فلا تثني منه عودا'' كيف قفزت إليك، وهل من الممكن أن تكون ''ماجي'' محبوبة ''رفعت إسماعيل'' شخص حقيقي؟
عندما كتبت عن ماجي كانت طيفا في خيالي ثم بعد هذا قابلت فتيات يصلحن. عددهن قليل جدًا لكن العبارة تنطبق عليهن. على فكرة العبارة من تأليفي، ضمن عبارات معتادة لي مثل اليد البلورية التي تنكسر إلخ.. لكن فيما بعد وجدت إيفان تورجنيف الأديب الروسي العبقري يصف رقة أمه بنفس الجملة حرفيًا !. صدقوا أو لا تصدقوا أنها عبارتي وليست مسروقة.
-كم مرة فكرت أن تتوقف عن ''ما وراء الطبيعة''؟
كثيرًا، لكن كنت مصرًا على الكتيب الخمسين ثم غيرت رأيي.
-في طفولتك، كيف كان الأهل يتعاملون مع حبك للقراءة؟
الكتب كانت في كل مكان من حياتي وبيتنا. وبعضها ما كان يجب أن يصل ليد صغير. كتب بعضها خطر فعلا.
-وهل وجدت اعتراضًا منهم عندما بدأت الكتابة؟
لا؛ كان أبي مثقفا يقدس الكتاب لذا شجعني بشدة. تلقيت بعض اللوم في المراهقة لأنني مشغول بكتابة الشعر العاطفي، لكن هذا كل شيء.
-لماذا التحقت بكلية الطب، حبًا فيها أم المجموع؟
''عشان المجموع طبعا''،أحببت الطب متأخرا جدا.
-حدثنا عن علاقتك بأبنائك.
مع مريم هي قصة حب دائمة.. مع محمد نختلف ونتشاجر كثيرا جدا من منطق ''لو انت عيل أنا أعيل منك''، فأنا ما زلت أحمل طفلاً في داخلي. فرق الأجيال واضح بيننا طبعا لكننا نتشاجر وننسى الأمر بعد دقيقة ونتكلم عن آخر فيلم لكرستوفر نولان.
-ما مدى اهتمام ولديك ''مريم'' و''محمد'' بما تكتبه؟
أولادي لا يهوون القراءة بتاتا. يهتمون بالفنون كالرسم والسينما والموسيقا لكن لا يقرءون.
-ما الذي أثار دهشتك حين قدمت إلى القاهرة في المرة الأولى؟
أن القاهريين ما زالوا أحياء، ولم يموتوا من الزحام والتراب والعادم.
-ما الذي تريد أن تكتب عنه ولم تفعل؟
أشياء لو كتبت عنها لدخلت السجن. لابد للمرء من ابتلاع لسانه معظم الوقت.
-كيف اختلفت تفضيلاتك في القراءة مع الوقت؟
صرت أكثر ميلا للعلم مني لقراءة الأدب. ربما لأنني صرت طباخًا صار من الصعب أن أحب طهو الأخرين.
-هل من ممكن أن تكتب رواية طويلة رعب؟
لا.
-هل هناك نصائح تقدمها لشاب يريد أن يكتب في أدب الرعب؟
الكل يكتب الرعب. أقترح أن يجرب مجالات أخرى. لماذا مات أدب الخيال العلمي ولم يعد أحد يجرب فيه؟
-من الذي تعجبك كتابته في الرعب من الشباب؟
تامر إبراهيم، سالي، شيرين هنائي وعلاء محمود.
-صف لنا علاقتك بـ''المؤسسة العربية الحديثة'' للنشر.
بيتي الأول وقاعدة ارتكازي ومصدر شهرتي.
_الأعداد القديمة من ''ما وراء الطبيعة'' تواجدت في معرض الكتاب هذا العام، لكن في شكل مجلدات، يجمع كل منها أكثر من عدد، ما رأيك؟
جميل طبعا. شيء مشرف وكتاب أنيق، لكن كنت أفضل بالفعل أن تحتفظ برسوم اسماعيل دياب الاصلية بالأبيض والأسود.
_قلت سابقا ''من المفترض أننا انهينا الدهشة وصار كل شيء قابلًا للتصديق''، فهل تنطبق تلك الجملة على الواقع؟
عندما يحرقون رجلاً حيا في قفص ويصورون هذا. ''لسه حنندهش؟''
_لماذا سُميت ''القصاصات القابلة للحرق'' بهذا الاسم؟
كنت أنوي الخلاص منها لأنها لا تصلح لاستعمالها في أي عمل، ثم وجدت أنها تصلح كقصاصات صالحة للحرق.
_وهل علمت أنها ستجتمع بكتاب واحد، فيما بعد؟
''جاءت بظروفها''، صديقي الكويتي سند الدخيل هو صاحب الاقتراح.
-هل يضايقك تذكر القراء لـ''ما وراء الطبيعة'' وإغفالهم رواية ''يوتوبيا'' أحيانًا؟
بالعكس يوتوبيا نالت نجاحًا لم أتوقعه قط.
_من الكاتب الذي تفرغ جزءا من وقتك، كي تقرأ له؟
المنسي قنديل، يوسف زيدان، محمدالمخزنجي وعلاء الأسواني.
-لو لك أن تختار زمنا لتعيش فيه، فمتى سيكون؟
أي زمن بحيث أموت قبل يونيو 1967..
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: