حكايات الاعتداء الجسدي على المعاقات.. مرض وخراب ديار (تقرير)
كتبت- نيرة الشريف:
"في مجتمع يتم فيه اغتصاب المعاقين تتحدث الدولة في حملات دعائية عن ضرورة خروجهم للحياة، فتاة معاقة تحصد بطولات رياضية تقول في الإعلان لو كانوا أهلي خبوني ماكنتش بقيت كده؟؟ المفروض أنا أشوف الإعلان وأقرر إني مدانة لأني قعدت بنتي من المدرسة وحبستها في البيت؟ طيب أعمل أيه؟ أنا خايفة عليها أوي، ومش هقدر أخرجها، أنا كده مدانة إني بحافظ عليها وبحميها؟" هكذا تحدثت هدى.س- والدة فتاة معاقة تبلغ من العمر نحو 15 عاما- ترفض هدى أي ظهور لها أو لابنتها، ترفض أن تعرض شعورها وقسوة هواجسها علي من حولها.
هي مسؤولة وحدها عن تلك الفتاة التي لا تعرف شيئا عن الدنيا، ولا تدرك شيئا في كل من حولها، فالأب قد رحل إلي عالم أخر مستريحا من الدنيا وأعبائها – علي حد تعبير هدى "أصبحت البنت في رقبتي لوحدي، وأنا لازم اشتغل عشان أوفر لها حياة كويسة، ولازم في حوادث الاغتصاب والانتهاكات اللي بنسمعها دي أحرص عليها، البنات السلام مابيسلموش من المشي في الشارع، عاوزيني أخرج بنتي المعاقة للشارع، عشان مابقاش جانيت عليها؟ لا أجني عليها بقعدتها في البيت أحسن ما أجني عليها بنزولها للشارع".
كانت هدى تذهب بابنتها إلي المدرسة حتى كبرت البنت قليلا فأخذت هدى قرارا حادا وقاسيا، وهي أنها لن تتركها وحدها في مكان ما حتى ولو كان هذا المكان هو مدرستها، فالفصول الدراسية مختلطة، وهي لا تأمن أحدا، لا تأمن أحدا مطلقا، "اللي البنت فيه كفاية عليها بلاش اتسبب في آذيتها بمأساة جديدة، ولو حد محتاج علاج فأنا اللي محتاجة اتعالج بقي".
تعرّف الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الزقازيق، الاغتصاب في عمومه بأنه أسوأ أنواع العنف انحطاطا ووحشية، والعنف الجنسي بشكل عام يتجه نحو الضعفاء أكثر من غيرهم؛ حتى يتمكن "المنحرف" من استغلالهم وتحصين نفسه بهشاشتهم، وهو ما يحدث مع الفتاة المعاقة، التي يسهل أن يقوم المنحرف بتكذيبها واتهامها بالتخريف.
تري زكريا أن التشريع والقوانين ليس الحل الأمثل لمواجهة الأزمة، فالحل هو الثقافة المجتمعية السائدة، والكيفية التي يتم بها تفعيل القانون، تقول زكريا "الناس عندنا في الشارع ممكن تدي المتحرش كلمتين ولا تضربه، دون أن تقوم بتسليمه للجهة المنوط بها تنفيذ القانون، فنحن نريد عملية مجتمعية متكاملة الأركان تبدأ بالمجتمع وتنتهي عند الفرد".
فتاة صماء لا تتكلم، يقول البعض أنها تعاني من الإعاقة الذهنية، لم تسلم من سوء أحد، ولم يكتفي أحد بابتلاء القدر لها، ليضيفوا للبلاء بلاءا أخر بأيديهم وقسوة قلوبهم.
يعترض طريقها وهي تسير بالشارع سائق توك توك وصديقه، يحاولان اختطافها للاعتداء عليها، في شارع الوحدة بإمبابة، إلا أن الأهالي المتواجدين بكثرة في الحي الشعبي يمنعوهم من هذا، ويستغيثون بضابط شرطة تصادف مروره لمتابعة الحالة الأمنية، ليقتادهم الضابط إلى قسم شرطة إمبابة، ويتم التحفظ على الفتاة لحين عرضها على النيابة، يمضي النهار بسلام ويأتي الليل، ليقوم أمين شرطة بالقسم بالتوجه إلى غرفة حجز السيدات التي كان بداخلها الفتاة، بالإضافة إلى متهمتين آخرتين، واصطحبها أمام الحجز، واعتدى عليها جنسيًا، وأعادها إلى الحجز مرة أخرى.
تؤكد الفتاة من خلال بعض الإشارات والكلمات أمام النيابة تعرضها للاغتصاب، فأمرت النيابة بضبط المتهم، مشيرين إلى تسليمه لنفسه، وأمرت النيابة بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق، بينما يؤكد زملاء المتهم أن زميلهم يعمل بالقسم منذ ما يقرب من 20 عاما، ولم تصدر عنه أي تصرفات تشير إلى سوء أخلاقه، كما أنه متزوج ولديه 3 أبناء، حجتهم في الدفاع كانت أن مبنى القسم مراقب بكاميرات مراقبة يتابعها مأمور القسم، وأن التسجيلات أظهرت أمين الشرطة المتهم أثناء إيداعه متهمين بالحجز، وتحركه عدة مرات إلا أنها لم تظهر مشهد اعتدائه على الفتاة.
لكن السيدات المحبوسات بقسم إمبابة أكدن أن أمين الشرطة استدعى الفتاة واغتصبها داخل غرفة بالقسم وأن تلك الغرفة لا يوجد بها أي كاميرات وطلبن عرض الفتاة على الطب الشرعي.
يمر علي هذه الحادثة نحو خمسة أشهر، تتردد بقوة خلال الشهور الخمس الماضية، يتم نقلها وتداولها إعلاميا، تمس الحادثة جهاز الداخلية الذي يُسعي إلي إصلاحه، تفتح الحادثة أيضا الباب علي مصرعيه فيما يخص ملف اغتصاب المعاقات.
وعن اغتصاب المعاقات يقول دكتور محمود غلاب – أستاذ علم نفس بكلية التربية جامعة القاهرة إن "إدراك المعاق لما يدور حوله ليس كإدراك الشخص السليم، وهو ما يدفع المعتدي لزيادة انتهاكه لأنه لن يستطع الدفاع عن نفسه، فهو غير مدرك لما يحدث حوله، وليس لديه نضج انفعالي، ومنهم من لا يعرف فداحة الأمر إلا بعد أن يتم تنبيهه ممن حوله، فالطفلة المعاقة التي وصل عمرها إلي 15 عاما قد يكون عمرها العقلي هو ثلاث سنوات فقط، فحسب عمرها العقلي ووفقا للخبرات التي مرت بها يتحدد إدراكها للأمر، وإدراكها لتبعاته ونتائجه".
قبل الحادثة السابقة بنحو أربعة أشهر، تمكنت قوة من قسم شرطة الداخلة من ضبط وإحضار عاطل، اغتصب فتاة معاقة ذهنيًا عدة مرات إلى أن حملت منه سفاحاً، حيث اكتشف والد الفتاة أن ابنته المعاقة ذهنيا، والتي توفت عنها والدتها منذ عدة أعوام، حاملا وهي لا تدري شيئا، ولم يتمكن الأب أيضا من معرفة هذا إلا بعد أن كبرت بطن ابنته، استطاع الأب المكلوم بعد البحث أن يصل إلي من فعل هذا بابنته التي لا تدري عما يحدث حولها شيئا، وحسب التقارير الطبية وتوقيع الكشف الطبي على المجني عليها تبين أنها حامل في الشهر السادس وتم ضبط المتهم مختبئاً وسط الزراعات على أطراف قرية البشندي بمركز الداخلة، وتحرر المحضر رقم 161 إداري بلاط، وتم إحالته للنيابة العامة لمباشرة التحقيقات.
يري غلاب أن من يتعرض لهذه الأزمة، ويتم الاعتداء عليه يحتاج إلي إعادة تأهيل للمعالجة من الجرح، والتغلب علي الإيذاء النفسي والجسدي، فيجب أن تكون لديه جلسات علاج لمساعدته لزيادة تقدير ذاته، وتخليصه من الإحباط ووصمة العار التي أصبح يحملها رغما عنه، ليتمكن من استرداد كرامته وإحساسه بذاته وانسانيته.
كما تداولت صفحات الحوادث قصة سيدة تبلغ من العمر نحو 55 عاما، تعاني من خلل عقلي منذ ولادتها في محافظة بني سويف، تقول إن ابن عمها قد اعتدى عليها جنسيا منذ أن كان عمرها 18 عاما، فقام أهلها بضربها وتكسير يدها اليمنى وإحداث فتح في الرأس، وقيدوها بحبل في منزلها حتى لا تخرج في الشارع ويتم اغتصابها مرة أخرى، إلي أن أشارت عليها إحدى جاراتها بأن تفك لها تلك القيود وتوصلها إلى محطة القطار لكي ترحل من الصعيد “بعارها” وتأتي إلى القاهرة حيث الزحام، وأن تجلس أمام أي مسجد وستجد رزقا كثيرا، وبالفعل جاءت إلى القاهرة منذ 25 عاما.
ظلت السيدة متواجدة علي الأرصفة لمدة 25 عاما، لم تُرحم خلالهم من الاعتداء الجسدي عليها، فقد اعتدى عليها الكثيرون نظرا لحالتها العقلية التي تجعلها لا تدرك ما يفعلونه بها، وهو ما عرضها للحمل عدة مرات ولكنها كانت تجهض بسبب كثرة مرات الاغتصاب.
فيديو قد يعجبك: