محو أمية أطفال إفريقيا يبدأ من "سيجون" (حوار)
حوار - سارة عرفة وإشراق أحمد:
في غرب حي بوليستون، بولاية ماساتشوستس الأمريكية، لا يبرح خيال "سيجون إيج" حلم راوده منذ عام 2007، بأن يكون سببا في محو أمية كل طفل إفريقي، وجد أن الأمر لا يحتاج إلا إرادة، مكتشفا أنه أبصرها صغيرًا، حين أصرت والدته السيدة "ماريان" أن يتلقى تعليمه هو وشقيقته، فأخذت يده منتقلة به إلى ولاية أخرى بنيجيريا، فقط ليستكمل دراسته التي حرمت هي منها، فكانت له نبراس ينير له الطريق حتى وصل للحصول على الدكتوراة في مجال الهندسة الميكانيكية واستقر بأمريكا، غير أن ذلك ما أنساه يوما موطنه، ولا فعل الأم النيجيرية البسيطة، الذي أوصله لما هو عليه، فقرر أن يرد جميل والدته ويعيد فعلها بكل بيت في القارة السمراء، فكانت مؤسسة "Anike" لتطوير التعليم.
لا تتلقى المؤسسة الواقع مقرها الرئيسي بأمريكا أي دعم رسمي من مؤسسات عالمية أو حكومية، مما جعلها فريدة في نظر القائمين عليها، إذ تعمل كوسيط ينقل الفائض من أبناء الدول المتقدمة تعليمًا، إلى أقصى بقاع إفريقيا احتياجًا، لا يتوقف سعيها على محو أمية أبناء إفريقيا من القراءة والكتابة، لكن في الوقت ذاته تمحو أمية العالم تجاه القارة البعيدة عن الأنظار.
"مصراوي" حاور سيجون إيج رئيس مؤسسة"Anike" عبر البريد الإلكتروني، وأوضح خلال حديثه أهداف المؤسسة، دورها، مشاكل التعليم بقلب القارة المتعمد تجاهلها، دون أن يخلو الحديث من التعبير عن طموحاته للمؤسسة محدودة الإمكانيات، الساعية لأن يكون عملها ذو أثر عظيم على أبناء القارة، فإلى نص الحوار..،
متى بدأت المؤسسة بالعمل؟ وما الذي يشير إليه اسم ANIKE؟
مؤسسة ANIKE تأسست في 3 فبراير 2007 كمنظمة غير هادفة للربح، تكريمًا للسيدة الراحلة "ماريان آنيك جبنيرو"، والدتي المسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر عن تعليم أجيال عديدة في إفريقيا، بجانب ابنها دكتور سيجون ايج مؤسس هذه المنظمة.
كيف جاءتك فكرة إنشاء مؤسسة من أجل التعليم؟
لقد ولدت ونشأت في إفريقيا، بظروف مشابهة جدا لهؤلاء الذين ترعاهم المنظمة اليوم، قبل أن أغادر نيجيريا بعد حصولي على منحة من شركة شيل فرع بريطانيا للدراسة هناك، ثم السفر للاستكمال الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، والعمل بعد التخرج لدى شركة جنرال إلكتريك وغيرها من شركات تكنولوجية ناجحة، لكني ظللت محافظا على أصولي رغم إقامتي بالخارج، كنت أعود لإفريقيا، وخلال رحلاتي لوطني كنت أتفاجأ بوجود فجوة كبيرة بين مستوى وفرص التعليم مقارنة بأمريكا.
وفي إحدى رحلاتي لنيجيريا وجدت أمي المسن قد رتبت كتبي المدرسية بالتاريخ منذ المرحلة الابتدائية، دفعني تصرف أمي المنكر للذات لأتذكر كم أنا مدين لها بكل شيء حققته في حياتي، مما حفزني لتأسيس منظمة باسمها، تهتم بالتعليم تكريما لها، كي أواصل ما كانت تفعله بمساعدة الإفريقيين لكن بشكل أوسع.
هل يمكنك أن توضح لنا الوضع التعليمي في إفريقيا؟
على الرغم من أن إفريقيا من أكبر القارات في العالم، لكنها مازالت أقلها في المستوى التعليمي، وهذا يبدو واضحا وملموسا بشكل أكبر في منطقة صحراء جنوب إفريقيا، وإليكم حقائق إحصائية عن تلك المنطقة حصلنا عليها من مكتبة المشروع الإفريقي:
- أكثر من فرد بالغ بين ثلاثة أشخاص لا يستطيعون القراءة.
- 182 مليون بالغ لا يستطيع القراءة ولا الكتابة.
- 48 مليون شاب (تتراوح أعمارهم بين 15 – 24 ) غير متعلمين.
- 22 % من الأطفال المفترض أن يكونوا بالمرحلة الابتدائية ليسوا في المدارس، مما يعني أن 30 مليون طفل غير ملتحقين بمدرسة.
وكيف تساعد المؤسسة في تحسين الأوضاع التعليمية بإفريقيا؟
Anike منظمة صغيرة ومبتدئة إلى حد ما بالمقارنة بمنظمات أخرى أكبر وتحصل على تمويل أفضل، لكن ما يجعل منظمتنا مميزة عن غيرها، هو أنها تعمل بشكل مباشر مع المنظمات الأهلية الإفريقية ومؤسسات ذات مصداقية في المجال التعليمي، مما يساعدنا في رفع مستوى الأدوات التي نستخدمها، فالمؤسسة لا تتعامل مباشرة مع الحكومات، لكننا نتابع المنظمات الشريكة لنا، لمعرفة كيفية تحسين التعليم في مجتمعاتهم، ونقوم بتمويل بعض برامجهم التعليمية، وإمدادهم بالدورات اللازمة والأدوات.
هل يمكنك التوضيح أكثر كيف تساعد مؤسستكم في تطوير التعليم بإفريقيا؟
مهمتنا لها شقين، الأول منها بسيط للغاية، فنحن نأخذ أدوات التعليم من الدول المتطورة التي لديها فائض من تلك الأدوات، ونعطيها إلى المؤسسات المحتاجة في إفريقيا، وهذه المصادر تشمل الكتب المدرسية، المجلات، أجهزة الكمبيوتر، اللاب توب، وملحقات الكمبيوتر وغيرها من الأدوات التعليمية.
أما الشق الثاني يأتي من إيماننا أن التعليم له جانبين، فحينما نساعد لتعليم الأميين من أبناء القارة، فنحن نتصور أننا نُوعي العالم عن إفريقيا، ولهذا لدينا قسم متاح على موقنا الإلكتروني، يسمى اكتشف إفريقيا، به معلومات مفيدة عنها، من أجل الأفريقيين وغيرهم على حد سواء، وتتنوع الموضوعات بين تاريخ إفريقيا، وثقافتها، ووسائل الترفيه بها، فنحن نتصور أن إمداد العديد من الناس بالمعلومات، يجعلهم يفهمون بشكل أفضل، ويرغبوا في المساهمة بتعليم أبناء إفريقيا.
هل أنشطتكم تشمل كافة الدول الإفريقية بما في ذلك الدول العربية؟
نعم، نحن نسعى لتغطية احتياجات الدول الإفريقية بما في ذلك الدول العربية، لكن السبب في وجود أي شريك عربي لنا، هو أنه لم يتواصل معنا أية منظمات منهم حتى الآن، لكننا على ثقة أن الوضع سيتغير قريبا.
إذن ليس لديكم أية أنشطة في مصر؟
حاليًا ليس لدينا أي أنشطة في مصر، لكن في حالة ما وجدنا منظمة مصرية مناسبة لتكون شريكتنا، فسنبدأ أنشطتنا فيها على الفور.
أين يوجد مقركم الرئيسي، وكم فرعا لديكم؟
فرعنا الرئيسي يقع غرب بوليستون، ماساشوستس بأمريكا، لكننا لسنا مركزيين في عملنا، نعتمد بشكل مكثف على المرافق التي تقدمها المنظمات الشريكة لنا في أفريقيا، فنحن نعمل في 20 دولة إفريقية حتى الآن.
وما معايير اختيار الدول التي تعملون معها؟
نحن لا نختار منظمات نعمل معها بناءً على بلدانها، لكن الأمر يعتمد على أن تكون رؤية تلك المنظمات ومهمتهم متوافقة معنا.
كم عدد العاملين في مؤسستكم (متطوعون أو يعملون)؟
نحن الآن حوالي ثلاثون شخصا ما بين عاملين ومتطوعين.
قلت إنك أنشأت المؤسسة تكريما لوالدتك فحدثنا أكثر عنها وعن تأثيرها في تعليمك؟
والدتي كـأي إفريقية، وهي صغيرة تعلمت حتى الابتدائية ثم أجبرت على ترك التعليم لمساعدة أسرتها بالمنزل، فهذا ما كان متعارف عليه في نيجيريا، لهذا توقفت عن التعليم حتى هذه المرحلة، رغم ما كانت تتحلى به من ذكاء كافي يمكنها من اجتياز التعليم الثانوي والجامعي، ثم جاء الحدث الثاني الكبير في حياتها، بانفصالها عن والدي قبل ولادتي، لتصبح أم وحيدة لثلاثة أبناء (أنا وشقيقتي)، حينها لجأت للعمل بالحياكة، الي تعلمتها بعد تركها للمدرسة، فقد كانت بحاجة للمال، ومنه استطاعت تربيتنا وإرسالنا للمدرسة كي نتعلم، رغم أن أسهل شيء لها أن تفعل ما فعله والديها من قبل، فتُبقي علينا لمساعدتها بالأعمال المنزلية، لكن لإدراكها قيمة التعليم، أصرت على تعليمنا جميعنا، بغض النظر عن احتياجاتها هي، فكانت شقيقتي الكبرى أول مَن التحق بكلية المعلمين، وهذا من حسن حظ عائلتنا.
وما أبرز ما تتذكره عنها؟
أتذكر أنها كانت تساعدني لارتداء زي المدرسة وأنا في السادسة من عمري، وتعطيني لوحي –ما كنا نكتب عليه في المدارس، وظلت توصلني للمدرسة حتى السنة الأولى من المرحلة الثانوية، وعندما أعود من المدرسة، كانت تحرص على إبقائي في المنزل لأداء واجبي المدرسي بدلا من اللعب بالشوارع كما يفعل العديد من الأطفال، بالتأكيد كرهت هذا حينها لكن الآن عندما أعود بالذاكرة للوراء، أدرك أن هذا واحد من أكثر الأحداث المؤثرة بحياتي لأن النظام الذي وضعته أمي وطبع في ذهني، دفعني للدراسة التي تلازمني حتى الآن.
وهل كان عمل والدتك فقط المساعد لاستكمال دراستك؟
هناك حدث فارق في تعليمي، حين أوشكت على انهاء المرحلة الابتدائية، في هذا الوقت كنا نعيش في مدينة أويو في ولاية أويو بنيجيريا، وذلك الوقت كانت الولايات في نيجيريا مستقلة نسبيا، والولايات الجنوبية مثل أويو، رسوم المدارس الثانوية بها مرتفعة، لأنهم لا يدعمون الرسوم الطلابية حال ولايات الشمال مثل ولاية كوارا - مكان ميلاد والدتي، والذي فيه رسوم المدارس الثانوية أقل، لأن حكومات الولايات تدعمها بشكل كبير.
وبمجرد أن التحقت بالسنة الأخيرة للتعليم الابتدائي، كان واضحا أن والدتي لا تستطيع أن ترسلني للمدرسة الثانوية، على عكس ما حدث مع شقيقتي الكبرى، والتي كانت في ذلك الوقت تخرجت من كلية المعلمين وتزوجت، لكن والدتي استطاعت أن تفعل ما يمكن وصفه بأنه عمل فذ، فقد أدركت أن الذهاب للمدرسة الثانوية في أويو بات صعبا، فقررت الانتقال بي إلى مدينة إلورين مكان ميلادها بولاية كوارا، مما أعطاني فرصة للحصول على الدعم في الرسوم، لذا أمضيت السنة الأخيرة من الابتدائية في كوارا، ثم وجدت طريقي إلى المدرسة الثانوية، قد كان لتعليمي أن يتوقف لهذه المرحلة، لولا أن قررت أمي الانتقال فقط من أجلي، فلولاها ما كنت على ما أنا عليه الآن، فهي أرشدتني لتحمل مسؤولية استكمال التعليم في بريطانيا بعد ذلك.
كيف استطعت الدراسة في بريطانيا رغم ضيق الأحوال التي ذكرتها؟
بعد انتقالنا لولاية كوارا، التحقت بواحدة من أفضل مدارس التعليم العالي في نيجيريا –كلية الحكومة الفيدرالية واري، وكانت شركة شل في نيجيريا اعتادت على إقامة مسابقة بين المتفوقين في المدارس، وفي النهاية اختاروا عدد قليل للذهاب إلى الجامعة في بريطانيا، عبر منحة دراسية، وكنت واحد من خمسة طلاب اختيروا من نيجيريا للدراسة في انجلترا.
ذكرت أنك تحمل درجة الدكتوراة فما هو مجال عملك؟
حصلت على ماجستير في الهندسة الميكانيكية من جامعة إمبريال في لندن، ثم قمت بعمل الدكتوراة في هذا التخصص من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، ومنه حصلت على وظيفة في مؤسسة (GE للأنظمة الطبية وهي الأن GE للرعاية الصحية) في مدينة فلورنسا جنوب كارولينا. ومن خلال عملي، كنت مسؤولا عن برنامج "مشروع صناعة محركات للسفن من مواد فائقة التوصيل" كلف حوالي100 مليون دولار، فالخبرات التي اكتسبتها منحتني الثقة كي أطلق مؤسسة Anike، فأنا حاليا أعمل مديرا في نظام ميفيون الطبي، تلك الشركة التي تعمل على تطوير جهاز الدمج الإشعاعي لعلاج السرطان.
عودة إلى المؤسسة.. ما هي أبرز أعمالها في إفريقيا؟
نحن نقيس انجازاتنا من خلال الناس التي تأثرت حياتهم بما نقوم به، لكن بعض انجازاتنا تتمثل في توزيع أجهزة كمبيوتر وأدوات تعليمية على المدراس في قطاع "فولتا" بغانا، إطلاق مركز للوسائل المتعددة في الكاميرون، ومنذ سنوات عدة آلاف الطلاب يستخدمون المراحيض التي أقامتها المؤسسة، من أجل مدرسة "الأب ماني" الابتدائية في أوغندا، وتدريب مزارعين من الكاميرون في كيفية تربية النحل، وتلقى مئات الطلاب النيجيريين كتب تمارين، ومئات الأشخاص نجحوا من خلال مركز (يوكوفوبا) للوسائط المتعددة التابع لمؤسسة Anike في الكاميرون.
هل يوجد أي تعاون بين مؤسستكم وهيئات دولية مثل اليونيسكو، أو هل تتلقون أية مساعدات من حكومات الدول التي تتعاملون معها؟
حاليا لا نتلق أي تمويل من اليونيسكو أو أية حكومات، لكننا نرحب بأي منظمة تشاركنا رؤيتنا ومهمتنا وأهدافنا.
على الصفحة الرسمية للمؤسسة كتبتم إعلان تدعون فيه إلى التبرع، ما هي أكثر الدول تبرعا، وهل تكون التبرعات مالية فقط أم أدوات تعليمية؟
معظم التبرعات التي نحصل عليها تكون من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ما بين تبرعات مادية أو عينية مثل الأدوات تعليمية.
أخيرا ما أحلامكم وطموحاتكم لمؤسستكم؟
لدينا هدفين طويلين المدى للمنظمة:
- أن يكون لدينا شريك في كل دولة بإفريقيا بحلول عام 2020
- نحن الأن نعاني من الموارد المالية المحدودة، فأملنا أن نكبر، جذب عددا أكبر من المتبرعين لتوسيع نشطانا بحلول 2020، أي أن نصبح منظمة تعمل بملايين الدولارات.
فيديو قد يعجبك: